افتتاحية مواطنة
من الواضح أن عقدة الحركات المتطرفة قد حسمت دولياً، وعقدة النفوذ الإيراني المعيق للحل في سورية هي قيد الحلحلة، وتبقى عقدة مستقبل بشار الأسد المطروحة للحل بين الكبار، لكن لم يتضح بعد مآلها، وهي في جميع الأحوال ستصبح ملحة مع قرب انتهاء المعركة مع الإرهاب، ولا يمكن لأي حل سياسي أن يكفل للأسد البقاء في السلطة مهما كان شكله ونوعه، ولو أُريدَ للأسد أن يبقى في السلطة لانحصر الحل بالجانب العسكري وتُرك ليقضي على كامل الفصائل المعارضِة ويدخل من جديد إلى مناطق سيطرة المعارضة، لكل ذلك لا يمكن القول أن الحرب في سورية قد انتهت، لكن جميع المؤشرات العسكرية والسياسية ومواقف الأطراف، وطرقها في الإستجابة مع الجهود المبذولة دولياً، وأيضاً ما يمكن أن يسمى الإنهاك المتبادل، وعدم إمكانية الحسم الشامل، وأيضاً خلق مناطق خفض التصعيد واتفاق الجنوب واخيراً اتفاق الغوطة، والتقدم في مواجهة داعش، التي تخسر بشكل مستمر،
كل ذلك يشكل عناصر أولية ممهدة للحل السياسي القادم. إن درجة التشابك الدولي والحضور المباشر والرسمي لأمريكا وتركيا وإيران إضافة إلى روسيا، كل ذلك يعطي الإنطباع أن هذه التطورات غير قابلة للإنتكاس، والمطروح هو كيفية تطويرها لتندرج في تسوية شاملة مع الأخذ بالاعتبار، خاصة بعد فشل جنيف 8، محاولات النظام الحثيثة، مدعوماً من حلفائه الايرانيين والروس، لتحسين مواقعه العسكرية وموقعه التفاوضي عموماً، كما يجري في غوطة دمشق الغربية والشرقية وفي ريف إدلب وريف حماة الشمالي.
نعتقد أن التوجهات التي يجب أن تحكم عمل “تيار مواطنة” والقوى المؤمنة بالتغيير الديموقراطي من خلال الإنتقال السياسي هي التالية:
-قبول الجهود الدولية من خلال الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وخاصة الجهد الغربي والأمريكي، ومحاولة التوافق معه طالما هو يتوافق مع مشروع التغيير الديموقراطي في سورية رغم وجود اختلافات تكتيكية.
-يجب التوافق مع الجهود الدولية في مواجهة الإرهاب باعتبار الأخير خطراً حقيقياً يتناقض تماماً مع المشروع الوطني السوري ويمكن أن يعيق التحول الديموقراطي في سورية، وبهذا المعنى يجب أن تفهم جميع الفصائل والقوى السياسية أن المشاركة في مشروع مواجهة الإرهاب يكفل لها تاثيراً أفضل في مرحلة التسوية السياسية القادمة.
-يجب تشجيع الجهود لإقامة نواة الجيش الوطني السوري الذي يفترض أن يكون عماده ضباط محترفون من الذين أبعدوا عن ساحة الحرب ويرغبون في العمل كعسكريين من جديد، ولا يمكن أن ينجح هذا المشروع إلا على أساس مشروع وطني سوري ديموقراطي يتبناه هذا الجيش بالتنسيق الكامل مع القوى السياسية.
-متابعة العمل من أجل توحيد جهود القوى السياسية المعارضة داخل وخارج الإئتلاف للعمل معاً أو بشكل متناغم وفي أية اطر ممكنة، وكذلك دعم وتفعيل كل أشكال العمل المدني والشعبي، في كل الساحات الممكنة داخل وخارج سورية، على أساس دعم الإنتقال السياسي في سورية.
-إعطاء القضية الكردية في سورية أهميتها من خلال رفض الفكر الشوفيني والقبول بحق تقرير المصير للشعب الكردي، وتشجيع التصورات البديلة من مثل “الفيدرالية” ولابد من التوضيح دائماً أن مفهوم دولة المواطنة لا يتضمن حلاً آلياً لمشكلة الكرد في سورية، وإن التقييم السلبي لتركيبة حزب الPYD وبعض ممارساته تجاه الكرد والعرب وعلاقته بالنظام أو بايران من خلال جبل قنديل لا يجب أن يكون عائقاً عن تقدير جهود هذا الحزب في مواجهة داعش وفي تحرير الرقة تحديداً وإذا توفرت ظروف مناسبة يجب أن نكون على استعداد للتحاور والتنسيق مع هذا الحزب.
-أخيراً فيما يخص التغيير القادم في سورية أصبحت المعارضة عموما أضعف من أن تفرض شروطها، وسيكون الاعتماد على قوة حلفائها العرب والغربيين في تحسين شروط الاتفاق المقبل، هذا يعني أنه ما يمكن تحصيله من المفاوضات لن يصل الى المستوى الذي تطالب به على الأغلب وخاصة في قضية الإنتقال السياسي، لكنها يجب أن تدرك أن تغيير حقل الصراع بات ضرورياً بعد أن خسرت في الحقل العسكري، فلا يزال مطلب الحرية والكرامة راهناً ولا تزال الحاجة ملحة للتغيير الديموقراطي في سورية.
” تيار مواطنة ”
30.12.2017