الأمازيغي: يوسف بويحيى
إنطلاقا من تحليل كورد باشور القاطن في المناطق التي تتميز بوجود تيارات و حركات و أحزاب معارضة للنهج الكوردي القومي الداعي للإستقلال ،يتبين أن هناك تباعد واضح قائم بين فكرة القاعدة الإجتماعية و فكرة التيارات النشيطة المعارضة.
تناقض يمكن تفسيره بلاعلاقة الفكرة الجمعية للمجتمع بالحركة و المؤسسة الحاملة لنقيض فكرة الشعب ،ما يعطينا دون أدنى شك أن فكر الحركات و الأحزاب ليس من الشعب بل فقط هي حركة مدسوسة و دخيلة على الشعب ،علما أن وعي الذات لا يمكن مطلقا أن يعارض مشروع الذات في نفسها ،لدى فالفكر الذي يعارض إيمان الذات يؤدي بالأخيرة إلى نتيجتين إما الإستيلاب و الإنفصام أو التمرد.
كثيرا ما يلعب الإعلام دورا كبيرا في تضخيم الحالة حتى تصبح فكرة راسخة في نفوس المتلقين ،علما أن الفكرة الراسخة تبقى محل تداول واسع لكن ليست حقيقة في نهاية المطاف ،ما يمكن تفسيره من جهة أخرى على أن الشك دائما ما يؤدي إلى الحقيقة لكن ليس حقيقة في حد ذاته.
أثناء الوقوف على مسألة الحقيقة و الفكرة الراسخة أقف على نظرية “نتشه” التي تحذر من خطورة الرواسخ بتشكيلها عائق للوصول إلى الحقائق ،علما أن الحقائق هي التي في أمسنا لها للمشي قدما لمواجهة عقبات الحياة ،أمثلة عدة تجسد هذا الصراع بين الإنسان و الحقيقة أعقدها دينية تتعلق بالمقدس الراسخ في النفسية الذي يتسرب إلى العقل الباطني ليتحول إلى فكرة راسخة مسلمة قد تتحول إلى عقدة كلما حاولنا التخلص منها ،حيث إذا مشينا على طريق الشك (العقل) نصل إلى الحقيقة و إذا ما بدأنا بالإيمان الراسخ المتراكم وصلنا إلى التشكيك أو الوضعية المشكلة التي يترتب علينا من جديد إيجاد الحلول و السعي لٱعتناق الحقيقة.
عند سماعنا قادات سياسية كوردية تقول بأن اهل “السليمانية” لن يرضوا بالإنفصال (هذا المصطلح الذي تم إستعماله من طرفهم) عن العراق ،ظن الكثير بأن هذا الإدلاء يمثل رأيا شعبيا للمنطقة بما كان شائعا في أوساط المجتمع الكوردي إعتمادا على الإعلام و التطبيع ،سرعان ما تلتها الصدمة غضون يوم الإحتفال بالإستفتاء مع زيارة الرئيس “مسعود بارزاني” حيث خرجت الجماهير الكوردية في وقفات غفيرة مؤيدة لقرار الإستفتاء ،هذه القاعدة الجماهيرية الرهيبة التي لم تشهدها منطقة السليمانية من قبل قط ،ولم تلتف أبدا بهذا الكم حول التيارات نفسها التي رسخ الإعلام الكوردي الموالي لها على انها منطقتهم و بؤرة نشاطهم و شعبيتهم ،حالة كشفت العديد من الحقائق على الشعب و المنطقة ،كما جعلت الجميع و الإعلام الإقليمي و الأجنبي حائرا بين ماكان يظن و يقرأ على الورق و بين ما يرى على أرض الحقيقة ،بين الفكرة الراسخة و الحقيقة.
هذا التناقض يمكن تفسيره من خلال التطبيع الذي تمارسه الأحزاب و الحركات بالإعتماد على القوة و الإحتكار و فرض أمر الواقع و المأسسة لأجل تقزيم فكرة الشعب و إختزال طموحه الفضفاض في حيز الأحزاب و الحركات التي لا تتسع حتى لطموح فرد كودي واحد ،من جهة أخرى هناك أحزاب تمثل صوت الشعب الكوردي قلبا و قالبا علما أن سر ذلك يكمن في أنها بدأت كمقاومة شعبية و لم تنحرف أبدا عن فكر المقاومة الكوردية كحزب و حركة ،في حين إنسلخت أحزاب و حركات عديدة عن جوهر الفكر الثوري القومي الكوردي إثر الثأثيرات و التطورات المادية ،حيث إن المأسات التي يتخبط فيها الشعب الكوردي هي نتيجة تخاذل معظم الأحزاب و الحركات لسبب واحد هو الإنحراف عن الفكر التحرري القومي.
كل من يتحدث بٱسم الكورد دون أن يحمل فكرا كوردياتيا منبثقا من رحم الوطن و الشعب لن يصل أبدا إلى قلوب الشعب ،فكيفما كان التضليل بمسكنات القداسة (الدين) و الميوعة (الشيوعية) فلا بد لتلك الذات الضحية يوما أن تقف على عتبات الحقيقة إنطلاقا من الواقع الملموس.