موسى عنتر
سابقاً، كنا عثمانيين، إذ كان الشعب الأكثر منبوذية على تربة العثمانيين وفي عهد العثمانيين، هم الأترك، حيث إنهم من جهة الأب كان نسبُهم ينتهي إلى الملك أوغوز، إلا أن أمهاتهم كن من النساء المسيحيات الأوربيات عموماً.
مثال ذلك أن أم السلطان محمد الفاتح كانت ابنة ملك الصرب، ولم تسلمَ حتى وفاتها أيضاً، واليوم يقع قبرها ضمن حوش ديْر في اليونان، إلى درجة أنهم ردّدوا أن الفاتح عندما احتل ستانبول، بصدد التعظيم والتفخيم اللذين منحاهما لبطريرك الروم، كان كرمى لأمه، بحيث إنهم شككوا في الفاتح لاحقاً، عن أن نيَّته كانت مرتبطة بالمسيحية، وإلى يومنا هذا، نجد في مكتبة الفاتح، من الكتب المتعلقة بالمسيحية تفسيراً وأصولاُ للإنجيل، لا يقابلها من نسخ قرآن وأحاديث الرسول محمد.
ذلك لا يعني، من جهة ، أن ليس في نيتي كتابة تاريخ العثمانيين، إذ إنه وفق دستور العثمانيين، ما كانوا يرتقون بالأتراك إلى منصب رجالات الدولة والباشوات فيها، فجميع أفراد الانشكارية كانوا أطفال المسيحيين ” النصارى “. إنما كان ذلك التوظيف يقتصر على المسلمين وكذلك العثمانيين، حيث يصبح هؤلاء جنوداً وباشوات.
في تاريخ العثمانيين، كان الصدر الأعظم والأشهر بامتياز سوق أوغلو محمد باشا صربياً، والداماد” صهر السلطان ” ابراهيم باشا إيطالياً، ومشهور ميمار سينان أرمنياً، وكان الآخرون كافتهم هكذا.
من جهة أخرى، منذ سبعين عاماً، لا أعرف لماذا كنا نردد تركيا. وكانوا يقولون، يا جماعة، إن تركيا أيضاً في مقام العثمانيين أمميةً. إن هذه التربة التي بقيت في أيدينا، ونحن من حرَّرناها : أتراكاً وكرداً، اسمها تركيا. وهذه قضية جغرافيا لا شعب، ليس لأن تركيا للأتراك، إنما كل الذين يعيشون على هذه التربة، تكون الدولة التركية لهم جميعاً. إلا أنه تبيَّن لي أن هؤلاء قد خدعونا، فاليوم نجد أن تركيا المتشكلة هي للأتراك، فهم يرددون ” تركيا هي للأتراك “، ويرددون ” طوبى من يقول عن أنه تركي “، ونحن الكرد قد تنحينا جانباً. فنحن لسنا أتراكاً لتكون تركيا لنا، ولسنا أتراكاً كذلك، لنقول ” طوبى ” كوننا أتراكاً.
إلا أنني لست على يقين من أن هذا الحُمق سوف يدوم، حيث إننا كنا نقول سالفاً، عن الدول التي تشيَّد من جديد، لا بد أن تشهد ممارسات عنف، وأن ممارسي العنف هم العسكر، إلا أن ذلك العنف كان عليه ألا يدوم ، كون الدولة عندما تتأسس على قواعدها، فهذا يعني أنها ستصبح مدنية، أي حضرية. ذلك معروف في أدبيات الدول، وأن فترة الحقبة العسكرية هذه تتراوح ما بين ” 9-10 ” سنوات “، في حدود علمي. سوى أن الذي أراه، هو أن الدولة التركية لاتتبع أصول علم بناء الدول، فها هي سبعون عاماً، وهي دولة عسكر، وبدوره فإن الوضع ينتقل من سيء إلى أسوأ. وأن المدنيين الذين يظهرون في بعض الأحيان أيضاً، هم في هيئة حركات المتفاخرين، و” البهلوانيين “. والبهلوانيون هم العسكر، أما المتفاخرون فهم المدنيون. لقد رحل كمال باشا وعصمت باشا، فقلنا لابأس، إلا أننا فوجئنا كيف أن الباشوات اصطفُّوا على الدور: جمال باشا، جودت باشا، فخرالدين باشا،، وختامهم في الختام كنعان إيفرين باشا.
لكننا لاحظنا أن جلال بايار، وتورغوت أوزال، كلاهما بدورهما كانا متفاخرين بهلوانيين.
في تاريخ الدول سابقاً، كان يوجد البوليس، ومن المعلوم أنه – في واقع الأمر- يكون البوليس أكثر مدنيَّة من العسكر، إلا أنه في تركيا، ها هي سبعون عاماً، يوجد عسكرالدولة. ماذا يعرف العسكر، وما هي مهمته؟ إن ما يعرفه هو أنه حي، وأن مهمته هي القتل بالتالي، وعملياً هذان الاثنان أصبحا من نصيبنا نحن الكرد.
تُرى، هل هناك من يمكنه أن يقول إن ذلك ليس كذلك ؟ وها هو سليمان ديميريل قد تعرَّض للضرب المبرَّح من العسكر، سوى أنه رغم ذلك لم يعقل، إنما أصبح متفاخراً وبهلوانياً. إن ما أراه في سليمان هو أنه مثل ” كركوز: دمية متحركة ” أما بالنسبة لإيواظ، فهو من خلف الستارة يشد خيطه ويمسكه بيديه، ويهرف بالكلام أمام الستارة، ومن ثم يلعب. اللعبة ليست له، إنما لعبة من يشد خيطه ” رسنه ” بيديه إليه. المسكين هو نفسه من تشوَّش. لقد كنا نقول عنه سابقاً بأنه مهندس، وكان يتميز بقليل من العقل لديه، سوى أنني أراه كيف أنه فقد كل شيء خوفاً من العسكر أيضاً.
انظروا ماذا يقول : ” سوف أمضي إلى إقليم كردستان بالديمقراطية، بالمحبة، والطيب. إلا أنني سوف أستأصل جذور الإرهاب “.
انتبه، يا سلو! بداية، إن أطفالنا ليسوا إرهابيين، هذه واحدة، والثانية هي أن جذورهم هي نحن يا فهمان. بالنسبة إليك، كيف يمكنك استئصال شأفتهم، قبل أن تبيد الكرد جميعاً ؟ تُرى، هل قدِم هؤلاء الأطفال الشرقاء من سبارطة إلى جودي؟
ألا فلتكن هذه الفكرة كافية، لنكون على علم ونحن نتساءل بأي قحف ودماغ فارغين وخاطئين ندار نحن الأتراك والكرد. إلا فلينجّ الله كلاً من الأتراك والكرد من أيدي هؤلاء الجهلة، حيث إننا لست على يقين عن أنهم خونة جميعاً. إذ كيف يمكن لكل هؤلاء الخونة أن يتواجدوا في بلد واحد؟ سوى أنهم جهلة وجبناء.
7-13 شباط 1993
ملاحظة: من مجموعته :شجرة دلَّبي Çinara min “، منشورات آفستا، ستانبول، باللغة الكردية، 1999، صص 99- 100 .
الترجمة من الكُردية إلى العربية: ابراهيم محمود