زاكروس عثمان
تحول الشرق الأوسط إلى بركان نشط متعدد الفوهات باتت حممه ومقذوفاته تطال كل بقعة في المنطقة وتحيلها إلى رماد، وليس هناك من مؤشرات على أنه سيخمد قريبا لأنه لم ينتهي بعد من قذف ما في باطنه من تراكمات تاريخية شكلت المادة الرئيسية لانفجاره الكبير، كما أن تقلبات المناخ الدولي يدفع برياح سامة إلى المنطقة لا تساعد على تبريد مصهورات البركان الطافية على السطح، وحين أصف ازمة سياسية بأبعادها الاجتماعية والثقافية والدينية بالبركان لا ابالغ نظرا لنتائجها المدمرة التي تعادل آثار كارثة طبيعية كونية تبيد الحياة، ما يحدث في دول المنطقة هو انتحار شامل اتخذ طابع الحرب الأهلية حيث لا توجد رغبة لدى الافرقاء المتقاتلين في التوقف ولا تتوفر إرادة لدى القوى الدولية في إنهاء الصراع المسلح وفرض الامن والاستقرار والاتيان بنظام إقليمي جديد لا مكان فيه للطائفية والمذهبية والشوفينية،
وعلى ما يبدو فان مناخات الفوضى الخلاقة او الهدامة ستبقى سائدة لعقود اخرى، فالحروب الأهلية التي تحمل عناوين دينية عادة تطول وتتصف بالوحشية كالحرب بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا 1618-1648 و ما هو موجود على الأرض في المنطقة حرب أهلية بين الشيعي – السني و لا اتحدث هنا عن الخلاف والاختلاف التقليدي بينهما بل عن الصراع السياسي بين المحورين في وقتنا الراهن، وقد رأيت من الأفضل تسمية الاشياء باسمائها و الاعتراف بالمشكلة إذ أن طمر بعض الحقائق أو تجاهلها أو القفز من فوقها لإرضاء طرف و تجنب إزعاج طرف آخر لا يساعد على إيجاد الحلول الممكنة لها،
ويجب التركيز على كيفية عمل بعض الأطراف على توجيه هذا المذهب أو ذاك في خدمة ايديولوجيا لها أهداف استراتيجية – سياسية أبعد ما تكون عن العقائد الدينية .
لدينا سؤال محوري وهو إذا كانت هناك أطراف سنية وشيعية تتبع الإسلام السياسي فمن هو الطرف الذي نجح في توظيف المذهب في تحقيق أهدافه السياسية هل هو السني ام الشيعي ولماذا نجح أحدهما وفشل الآخر، تبعا للمعطيات يمكن القول: أن التشيع السياسي في طريقه إلى تحقيق النجاح في إنجاز هدفه الاستراتيجي ويقابله إخفاق المشروع السني هذا ان كان للسنة مشروع أصلا ، وهذا شيء غير منطقي لأن الحزب السني يتوزع على عشرات الدول المترابطة جغرافيا كما أنه يمتلك ميزة التفوق العددي ناهيك عن وجود دول سنية تمتلك قدرات اقتصادية وعسكرية وطاقات بشرية ووزن إقليمي – دولي كل هذا يوفر لها شروط التكامل والتعاون فيما بينها لإنجاز مشروع سياسي ناجح، فيما الحزب الشيعي يفتقر إلى الترابط الجغرافي و إلى التفوق العددي فالشيعة جزر متناثرة في بحر سني وليست هناك دول حكوماتها شيعية باستثناء إيران ومؤخرا العراق ومع ذلك فإن الجزر الشيعية تتجه للسيطرة على البحر السني وهذا أمر غير مفهوم تماما إذ على سبيل المثال كيف يمكن للحزب الشيعي أن يستولي على الدولة اللبنانية ويضعها في خدمة التشيع السياسي العابر للحدود؟ ربما تكون الإجابة هي اختلاف الاساليب والاليات التي طبقها الفريقان لاستثمار المذهب في صراع سياسي – عسكري يرمي إلى هدف واحد وهو بناء خلافة سنية أو شيعية، في هذه النقطة علينا الاقرار ان الهدف السياسي لدى الحزبين يمتزج بالمعتقد الديني فالشيعة يطلبون دولة إسلامية ليس لدوافع دنيوية فحسب بل كذلك لأسباب دينية متعلقة بمعتقداتهم المذهبية وكذا الأمر بالنسبة للسنة ايضا، ومنعا للالتباس حين اقول الحزب السني والحزب الشيعي لا اقصد المعنى الحرفي لتنظيم سياسي محدد موجود في بقعة معينة بل اقصد محور اكبر عابر للحدود يتبنى بطريقة أو أخرى مشروع شيعي أو سني وقد أطلقت على هذه التيارات اسم حزب كونها تمارس عمل منظم للوصول إلى غاياتها ما يعني وجود جهات منظمة تتولى قيادة وتوجيه التيارين ولعل سر نجاح طرف وفشل الطرف الآخر يكمن في كفاءة قياداته، فمن هي الجهة التي تقود السنة ومن هي الجهة التي تقود الشيعة وما هو الاختلاف الأساسي بين زعامات التيارين، كما هو معروف أن الحزب الشيعي ليس مجرد حركة مدنية أو دينية أو سياسية فحسب بل كذلك إيديولوجية حكومية رسمية تتبناها الدولة الإيرانية كمشروع استراتيجي متكامل، ومع أن الحزب السني يمتلك إيديولوجية أيضا إلا أنها غير واضحة المعالم وغير موحدة لأنه لا يتعدى حدود تنظيمات أهلية تكاد تكون مستقلة تماما عن أية حكومة أو دولة ، صحيح أن السعودية على الصعيد الداخلي تطبق نموذج الدولة الدينية وصحيح ايضا انها تمثل زعامة الحزب السني في العالم الإسلامي إلا أنها لم تتبنى رسميا أيديولوجية الإسلام السياسي السني كمشروع استراتيجي عابر لحدود المملكة وهذا هو العامل الرئيسي الذي يقف وراء إخفاقات الحزب السني وبالتالي نجاحات الحزب الشيعي لأن الأخير مشروع منظم ومخطط ومتكامل تقف خلفه دولة” إيران” التي أسست إدارة خاصة به لها صلاحيات شبه مطلقة حجمها أكبر من حجم وزارة ولها ميزانية ضخمة ومستقلة ناهيك عن وضع امكانيات الدولة السياسية والعسكرية والدبلوماسية تحت تصرف الأجهزة المختلفة العائدة لتلك الإدارة من مؤسسات مدنية دينية عسكرية ربما لن ابالغ ان قلت: ان المشروع الشيعي تحت إشراف الولي الفقيه مباشرة وهذا يجعل الحكومة الإيرانية برمتها مسؤولة عن نجاحه هنا لا اتحدث عن الامس واليوم بل عن مشروع طويل الأجل وضع أساسه في السنة الاولى من نجاح ثورة الخميني 1979 حيث تبنت الجمهورية الاسلامية في ايران فكرة تصدير الثورة، ومع ان المملكة السعودية”السنية” أقدم عهدا من الجمهورية الاسلامية في ايران ” الشيعية” الا أن ملوك السعودية لم يضعوا أية خطط أو مشاريع حكومية لتصدير الأسلام السياسي السني ولهذا لم يوفروا مستلزمات نجاح المشروع السني، ولكن لماذا اوجدت طهران مشروع تصدير الثورة ولماذا احجمت الرياض عن مشروع كهذا، ربما يعود ذلك إلى اختلاف جوهري بين استراتيجية الدولتين وطبيعة تكوين كل منهما وإلى تركيبة المجتمع السعودي”العربي” وتركيبة المجتمع الايراني”الفارسي” فالسعودية قياسا إلى ايران مجتمع حديث النشأة اقرب الى البدواة منها الى التمدن وهو يفتقر الى الخبرات والتجارب والموروث الحضاري المطلوب لسياسة الدول ولهذا فان السعوديون بعد تأسيس دولتهم في شبه الجزيرة العربية 1902 وبعد توطيد اركانها اكتفوا بما في حوزتهم ولم يفكر ملوكها بالتوسع او على الاقل في مد نفوذهم إلى الجوار العربي والإسلامي فلم يجدوا حاجة إلى وضع خطة مشروع استراتيجي لتصديره إلى خارج المملكة وكان حري بقادة المملكة ان يعملوا مبكرا بهذا المشروع ليس لغرض احتلال بلدان أخرى والسيطرة على ثرواتها بل لمواجهة خطر دائم قادم من ايران التي لم تتخلى عن أطماعها التاريخية في التوسع والهيمنة لإعادة إنتاج امبراطوريتها القديمة إذ بعد سقوط الدولة الساسانية 651 م استمرت محاولات الفرس في إحياء حلم الامبراطورية من جديد وكانت آخر محاولة لهم هي قيام الدولة الصفوية 1501 م التي سيطرت في ذروة توسعها على أذربيجان وأرمينيا و كوردستان و العراق وجورجيا ومناطق من القوقاز إضافة إلى تركمانستان وباكستان وأجزاء من آسيا الصغرى ، وفي عهد الأسرة البهلوية 1925 م عادت الأطماع التوسعية لإيران حيث تبنى الشاه محمد رضا بهلوي الطراز الغربي وتحالف مع أمريكا وأسس جيشا قويا وتطلع للسيطرة على مشيخات الخليج العربي ما شكل تهديد مباشر للسعودية التي تجنبت فتح صراع سياسي وعسكري معه ما سمح له في الهيمنة على المنطقة ولكن التفاهمات والتوازنات الدولية عقب الحرب العالمية الثانية لم تسمح لإيران الشاه بالتوسع العسكري ثم تغيرت المعادلة بسقوط دولة الشاه وإعلان قيام الجمهورية الاسلامية في ايران والتي تبنت ايديولوجية جديدة بزعامة الولي الفقيه حيث تابعت سياستها التوسعية القديمة بأسلوب مختلف اشد خطورة من أطماع الشاه فالأخير لم يوظف المذهب الشيعي في تحقيق طموحاته بالهيمنة على المنطقة فيما الخميني حول التشيع إلى ايديولوجيا رسمية لثورته ! وبها استطاع اسقاط نظام الشاه و بات التشيع السياسي منهجا ثابتا للدولة الاسلامية في ايران ، هنا لا انتقد التشيع كمذهب ديني بل أتحدث عن ذكاء الخميني وخلفائه في توظيف التشيع في خدمة أهداف سياسية داخلية وخارجية إذ بعد سيطرة هؤلاء على السلطة أصبحت كل القرارات والأعمال تصدر باسم الولي الفقيه – المعصوم عن الخطأ – كونه وكيل الإمام المنتظر وبناءا عليه لا يجوز عصيانه لأنه مرجعية ربانية وليست دنيوية وبذلك أوجد الخميني حجة مقدسة لإخضاع الداخل الإيراني وتبني مشروع تصدير الثورة الإسلامية على أنه واجب ديني على الشيعة القيام به تمهيدا لظهور الإمام الغائب ، كما هو واضح فإن مشروع تصدير الثورة ما هو إلا تسمية دينية لمشروع إيراني توسعي قديم يهدف إلى السيطرة على بلدان المنطقة، ولكن مرة اخرى لم تحرك السعودية ساكنا أمام التهديد القديم الذي اتخذ ابعادا اكثر خطورة حيث ضرب الخميني بالتوازنات الدولية بعرض الحائط ولم يعبه بالمعسكرين الشرقي والغربي وسارع الى ادخال مشروع تصدير الثورة الى حيز التنفيذ مستفيدا من سياسة السعودية القائمة على عدم التورط عميقا في الصراع السياسي والعسكري الناجم عن قضايا كثيرة تخص العالم الإسلامي، وكثيرا ما كان تدخل الرياض في بعض المسائل يقتصر على الجوانب السياسية والدبلوماسية والمالية أو لعب دور الوسيط لحلحلة بعض القضايا، ولم يحدث أن ملك سعودي فرض نفسه كلاعب محوري في قضية من قضايا العالم الإسلامي إلا في ظروف خاصة فرضت عليهم التدخل بكل ثقلهم في مشاكل هددت دولتهم مباشرة مثل حرب اليمن 1962 والتي لم يستطع السعوديون حسمها لصالح حلفائهم هناك إذ انتهت الحرب بتوطيد النظام الجمهوري باليمن، عدا ذلك لم يتدخل آل سعود مباشرة في الحروب الناتجة عن الصراع العربي – الإسرائيلي والحرب الأفغانية والحرب العراقية – الإيرانية 1981 فقد ظلت المملكة كلاعب أساسي غائبة على الأرض في بؤر ومناطق الصراع رغم مكانتها الاقتصادية وقدراتها العسكرية الجيدة وتمتعها بالحماية الأمريكية وهذا ما سهل على إيران الشاه ومن ثم إيران الخميني المضي في استراتيجيتها، وكان المنتظر من الحكومة السعودية ان تتبنى رسميا الحزب السني اسوة بالحكومة الايرانية التي تبنت حزب الشيعة أي تبني الإسلام السياسي السني والعمل على إنجاحه كمشروع يحد من تمدد النفوذ الايراني الى عمق البلدان الإسلامية، حيث ضربت طهران على الوتر الحساس لدى عامة الشيعة وذلك بتأجيج مقولات مظلومية آل البيت والدفاع عن المستضعفين وقد لقي هذا الخطاب قبولا لدى الجيوب الشيعية في دول المنطقة فالسواد الأعظم منهم تبعا لمعتقداتهم المذهبية يتبعون مرجعية واحدة ويتعصبون لمذهبهم والذي حدث بعد ثورة الخميني هو أن الإمام المستضعف بات رجل دولة قوي ما زاد من ولاء الشيعة له ولدولته حقيقة علينا الاعتراف بها وهي أن الشيعي العربي والباكستاني والتركي يوالي الإمام أكثر من ولائه لحكومة بلاده ويوالي إيران أكثر من ولائه لوطنه لاعتقادهم أن الولاء للإمام اهم واكبر من اي ولاء احد كبار شيوخهم يقول: أنا عراقي ولكن ان وقعت الحرب بيننا وبين إيران فسوف احارب الى جانب ايران هذه مشيئة الإمام وإن وقعت الحرب بين امريكا وايران وطلب مني الإمام القتال الى جانب امريكا فسوف احارب إيران، هذا يشير إلى عمق إيمان الشيعة بالولي الفقيه وقد شهدت هذه القناعة صحوة كبرى عقب نجاح ثورة الخميني ما أدى إلى تحول الجزر الشيعية إلى حواضن شعبية لمشروع تصدير الثورة وقد أرسلت طهران المئات من الدعاة وعناصر الاستخبارات والسياسيين و الحرس الثوري (الپاسدار) إلى مختلف البلدان لنشر الدعاية الخمينية وتجنيد الاعوان والعثور على موقع قدم في الدول الهشة واستطاعوا كسب الكثير من الشيعة ومن ثم تجنيدهم في المشروع الايراني وذلك بتأسيس حركات سياسية مسلحة مرتبطة بالپاسدار ومهمة هذا الجهاز خلق دويلات شيعية داخل الدول السنية، ونجحت الدعاية الخمينية السياسية ” تحرير القدس” والدينية “رفعة الاسلام” والثقافية “المطبوعات المجانية والسينما” والاعمال الخيرية”بناء مشافي ومنح مالية” في الوسط العربي السني حيث ظهرت تنظيمات فلسطينية موالية لطهران و في غفلة من الحكومات العربية وعلى رأسها السعودية تم تدريب وتسليح هذه التنظيمات حتى اصبحت جاهزة للقيام بالمهام الموكلة اليها ولعل حزب الله في لبنان هو اول نجاح واكبر نجاح للمشروع الايراني حيث استطاعت من خلاله وبالتواطئ مع نظام الاسد بدمشق من الاستحواذ مبكرا على الدولة اللبنانية، وما يثير الانتباه هو ان كافة الحركات السياسية والمسلحة التي صنعتها ايران على درجة عالية من التنسيق والتعاون بين بعضها البعض كونها تتبع جهاز مركزي واحد مقره طهران، وما كان للهلال الشيعي يوشك اليوم على النجاح لولا وقوف دولة بكل قدراتها خلفه ولولا اتخاذه هدف استراتيجي لها، فيما بقي عمل المحور السني خارج إطار حكومات الدول السنية بل بقي في شكل إطارين تقليديين الاول إطار دعوي ركز على نشر المذهب السني ولم يمتلك هدف سياسي اما الاطار الثاني تمثل في حركات إسلامية سياسية وجهت كل اهتمامها إلى استلام السلطة في بلدانها دون ان يكون لها طموح بالسيطرة على المشرق الإسلامي هذا لان الحزب السني يفتقر إلى مرجعية موحدة والى التنظيم والتخطيط وإلى جهاز حكومي يديره ويشرف عليه ويضع له ايديولوجية واحدة وهدف واحد بدليل تشرذم الحركات السنية تنظيميا وسياسيا وعقائديا وافتقارها إلى مرجعية عليا واحدة، وحين ظهرت حركات سنية عابرة للدولة القطرية فانها سلكت الطريق الخطأ إذ بدل منح الأولوية لمجابهة المحور الشيعي بدأت بممارسة الإرهاب ضد المدنيين وضد حكوماتها وأعلنت الجهاد ضد الدول الغربية وبذلك قدمت خدمة كبيرة لطهران، فيما الحزب الشيعي التزم بالولاء المطلق للحكومة الإيرانية ومع ان اجنحة منه تمارس الإرهاب إلا أنه لم يتبنى علانية أية عملية إرهابية خاصة تلك التي تستهدف المصالح الغربية وهذا يعني أن المحور الشيعي يعمل باخلاص وانضباط شديد على تحقيق هدفه الاستراتيجي فيما المحور السني يعاني الفلتان والفوضى.
لقد نجحت طهران بان تجعل نفسها قبلة الشيعة لتكون زعيمتهم مذهبيا وسياسيا ولكن الرياض لم تحاول أن تكون قبلة السنة بل بقيت القبلة في مكة ما يعني ان زعامة السعودية للسنة اقتصرت على الجانب الديني دون السياسي بكلام آخر بدل من ان تضع الرياض المذهب في خدمة السياسة حدث العكس و باتت الدولة في خدمة المذهب حيث ترك آل سعود الدعاة ينشرون المذهب خارج المملكة دون توجيه من الحكومة واقتصر نشاط الدعاة على الدعوى لان الحكومة السعودية لم ترسل عناصر استخبارات وضباط وسياسيين بين الدعاة لإيجاد تنظيمات سياسية وعسكرية في الدول الإسلامية تتبع لها، ولعل اكبر اخطاء الرياض هي أنها لم تجند الدعاة لإيجاد حزب سني تحت اشراف جهاز خاص تابع للحكومة السعودية بغية منافسة طهران بنفس اسلوبها الاستخباراتي.
وحين دق ناقوس الخطر لم تكن الرياض جاهزة للرد، فأعلن الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين الحرب على إيران 1981 وتولت دول الخليج دعم العراق بالمال والسلاح ولكنها لم تفكر في التدخل العسكري الى جانب الجيش العراقي لإلحاق هزيمة استراتيجية بنظام الجمهورية الاسلامية في ايران قد تقود إلى إسقاطه وطمر مشروع تصدير الثورة، استمرت الحرب 8 سنوات نجح خلالها صدام حسين في عرقلة خطط طهران التوسعية، و بعد توقف الحرب ارتكب صدام خطأ فادحا بغزو الكويت 1991 لان عواقبها مكنت الإيرانيين من تفعيل مشروع تصدير الثورة إذ إضافة الى لبنان وسوريا عززوا نفوذهم في العراق
عقب دخول القوات الامريكية اليه في 2003 واستلام احزاب شيعية تتبع الولي الفقيه السلطة في بغداد وتحول العراق إلى ولاية إيرانية وباتت الحدود السعودية والكويتية والأردنية مكشوفة للإيرانيين، ما أعطى دفعا لمشروع الهلال الشيعي وقد وقع العبء على السعودية ولكن ماذا بوسعها أن تفعل وليس لها أذرع سياسية أو مسلحة موازية لأذرع إيران في مناطق المواجهة، لم تفعل الرياض الكثير إلى أن أصبح التهديد الإيراني للمملكة تهديدا وجوديا بقدوم ثورات الربيع العربي التي فجرت الأوضاع في اليمن والبحرين وسوريا والعراق حيث ضعفت حكوماتها ما سمح لطهران أن تتدخل مباشرة وعلانية في العراق وسوريا والبحرين واليمن وذلك بتشكيل ميليشيات شيعية متعددة القوميات وإرسالها بقيادة الپاسدار إلى تلك البلدان وكذلك اوعزت الى جيوشها النائمة تحت الارض بالتحرك فيما وضع حزب الله الدولة اللبنانية في خدمة الاجندة الايرانية، بالمقابل لم تعمل السعودية على تقوية السنة في العراق فيما التخبط والتردد كان عنوان تدخلها في سوريا حيث لم يبلغ مستوى التدخل الايراني الذي اتخذ طابع موقف حكومي رسمي حاسم بالقتال الى جانب جيش الأسد أما السعودية وبقية الدول السنية فلم ترسل جندي واحد من جنودها إلى سوريا لدعم المعارضة، وكان تدخلها الغامض والخجول وراء تسلل مقاتلين متطرفين إلى سوريا انضموا الى الجماعات الارهابية التي الحقت افدح الاضرار بالثورة السورية ودفعت بأطراف عدة في المعارضة إلى اسلمة الثورة ما تسبب في تحويل اهتمام الدول الكبرى عن عملية تغيير سياسي في البلاد الى محاربة الارهاب، وتبين ان العواصم السنية تدخلت في سوريا لاجندة خاصة بها وليس لردع التمدد الايراني إذ رأينا كيف انقلب الموقف التركي الى التعاون مع روسيا ثم مع ايران فقط لمنع الكورد عن تحقيق اي انجاز، ولعل نجاح ايران في تحقيق مكاسب كبيرة في سوريا والعراق يرجع الى ارباكات وتخبطات المحور السني الذي يفتقر إلى جهاز حكومي بيده القرار السياسي والعسكري حول كيفية التحرك في بؤر المواجهة مع المحور الشيعي وكذلك كيفية مواجهة الدبلوماسية الايرانية في الساحة الدولية حيث مارست طهران على الصعيد الدولي سياسة رشيدة مكنتها من امتلاك وتصنيع أسلحة صاروخية ونووية ورغم خلافاتها الظاهرية مع الغرب حرصت على تجنب خوض مواجهة فعلية معه وبنفس الوقت حصلت على شركاء أقوياء اوفياء وظفتهم في خدمة محورها، فيما الرياض لم تعمل على تقوية قدراتها العسكرية بمحاولة الحصول على أسلحة استراتيجية أما دبلوماسيا فقد وضعت كل بيضها في سلة واشنطن وتبين انها شريك لا يشد الظهر به لتجد المملكة نفسها مطوقة بإيران من الجهات الأربعة المليشيات الشيعية والپاسدار في سوريا الحكومة الطائفية والحشد الشيعي في العراق الحراك الشيعي في البحرين وانقلاب الحوثي في اليمن و انضمام قطر إلى محور طهران، من المؤسف أن الرياض لم تصحوا الا بعد ان بات الپاسدار يقف قريبا من أبوابها وبعد اقتراب طهران من حسم معركتي سوريا والعراق لصالحها وإن لم تحدث مفاجأة غير متوقعة يمكن القول إن الهلال الشيعي بات واقعا يمتد من طهران إلى بيروت، ولن يكتفي الولي الفقيه بذلك لأسباب استراتيجية -عقائدية تقتضي الاستحواذ على إمارات الخليج العربي و اسقاط الاسرة الحاكمة في السعودية ولو في المدى البعيد وتنصيب حكومات شيعية في الجزيرة العربية تكون تابعة لها، إزاء هذه الأخطار بادرت السعودية إلى تصعيد موقفها وذلك بالتدخل العسكري المباشر في اليمن ضد الحوثيين الذين يعملون على وضع هذا البلد تحت الوصاية الايرانية وفي ذات السياق اخذت الرياض في الآونة الأخيرة تصعد من جهودها لكسر احتكار حزب الله للدولة اللبنانية وقبل ذلك حاولت دعم المعارضة السورية وسعيها إلى تقديم رشى سياسية لحيدر العبادي رئيس الوزراء العراق لعلها تقنعه بعدم الارتماء كاملة في حضن الولي الفقيه مع انها تدرك ان العبادي لا يمكنه الخروج على توجيهات المرجعية، فهل تفلح محاولات الرياض في إنقاذ ما تبقى من المشرق المشرق الاسلامي بل في انقاذ المملكة من الاخطبوط الايراني الذي يحيط بها من كل جانب.
يتبع الجزأ 2