الكورد وفلسطين واسرائيل

جان كورد
 
لنتحدث بصراحة…
ليست لإسرائيل ولا لفلسطين حدود مشتركة مع أي جزء من أجزاء كوردستان المجزّأة من قبل الاستعمارين الفرنسي والبريطاني بموجب اتفاقية سايكس – بيكو في عام 1916. والكورد من جهة العنصر القومي واللغة لا علاقة لهم بالعرب والإسرائيليين، فهم أحفاد الأقوام الزاغروسية العريقة التي اختلطت بالغزاة الآريين، في حين أن العرب والإسرائيليين من الأقوام السامية، ولا ننكر أن مجاميع كبيرة من يهود كوردستان قد هاجروا من سوريا والعراق في ظل ظروف الاضطهاد أو الرغبة في حياةٍ أفضل أو بسبب دوافع دينية عميقة إلى إسرائيل، كما أن مجاميع ضخمة من الكورد، منذ عهد الأيوبيين، قد انتشرت في سوريا والأردن ومصر ولبنان وفلسطين، بل حتى في ليبيا واليمن، والمؤرخ العسكري الروماني (سالوست) يذكر في تقريرٍ له عن ليبيا بأن الجيش الروماني لا يخاف من الليبيين وإنما من قبائل (الماوري) القادمة من غرب إيران (أي إقليم لورستان: أقصى الجنوب من شرق كوردستان) الذين يشنون هجماتٍ دامية من الهضاب العالية، 
وهذا يعني أن  أجداد الكورد قد تواجدوا في تلك المناطق حتى قبل الميلاد. ولكن أغلب الكورد استعرب تحت تأثير الدين المشترك أو بسبب ظروف الاضطهاد القومي في المراحل المتأخرة من تاريخ المنطقة. وقد يستغرب المرء عندما يسمع بوجود كوردي على جبهتي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مع الأسف، وهذا موضوع مثير، إلا أنه ليس مجال مقالنا. 
هذا يعني أن للكورد علاقةٌ ما، تمتد عبر عدة قرون مع ما يجري الآن في المنطقة هامةً وفي فلسطين وإسرائيل خاصةً، وأذكر الاسمين هنا لأن القيادة الفلسطينية تستخدمهما أيضاً، وثمة اتفاقيات سلام، ولو كانت هشة، بين الفلسطينيين واليهود، تحت إشراف دولي، وبموافقة العديد من الدول العربية، لذا لا يحق لنا نحن الكورد إنكار وجود الشعبين أو حقهما في العيش بحرية وفي كرامة على تلك المساحة الصغيرة من الأرض التي يعتبرها الطرفان مقدسة. وفي مدينة القدس أهم مسجدٍ للمسلمين بعد الكعبة هو المسجد الأقصى، في حين أن اليهود يقولون بأن هيكل سليمان يقع في ذات المكان الذي بني عليه هذا المسجد، والعرب من جهتهم يتهمون اليهود بأنهم اغتصبوا أرضهم وجاؤوا إليها من شتى أنحاء العالم وشردوا الفلسطينيين، في حين يقول اليهود بأنها أرضهم التي وعدهم الله بها، ومما يستندون عليه في هذه الدعوى هو وجود آيةٍ من قرآن المسلمين بهذا الصدد، مما يعقّد الصراع الديني في المدينة المقدسة لدى أتباع الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام…  
علاقة الكورد مع العرب عريقة، منذ ما يسميه العرب بالفتوحات الإسلامية، ودخلت كوردستان في الإسلام، طوعاً أو كرهاً، في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض)، ومنذ ذلك الحين تحتل مدينة القدس مكانةً ساميةً في قلوب المسلمين الكورد مثل بقية المسلمين في العالم، والدليل على ذلك هو أن أعظم مظاهرةٍ حدثت مؤخراً في تركيا ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصدد نقل سفارة بلاده في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس (أورشالم كما يسميها اليهود)  كانت مظاهرة مدينة آمد (ديار بكر) الكوردية الشهيرة، وإن مئات الألوف من الكورد انضموا إلى مظاهرات  المدن التركية مثل استانبول وأنقره وسواهما، على الرغم من أن الكورد في تركيا لم يتظاهروا بهذا الزخم الجماهيري من أجل كركوك التي احتلتها إيران بقفازٍ عراقي، أو من أجل اغتصاب الإرهابيين لأعراض عشرة آلاف كوردية يزيدية، أو من أجل مدينة كوباني أو عفرين المهددة الآن بالاحتلال التركي، وعلى الرغم من أن سفير فلسطين في العراق وقف ولا يزال يقف ضد حق الكورد في اجراء الاستفتاء من أجل الاستقلال، في حين أن ليس هناك كوردي واحد خرج يوماً ليتظاهر ضد الفلسطينيين الثائرين من أجل حقهم في بناء دولتهم المستقلة على أرض وطنهم، بل على العكس من ذلك، ضحّى الكثير من الكورد بحياتهم في سبيل الحق الفلسطيني منذ عام 1948، وكفاح الأيوبيين الكورد من أجل تحرير فلسطين تاريخياً معروف. هذا عن علاقة الكورد بالعرب ومن ضمنهم الفلسطينيين. كما لم نسمع يوماً بمظاهرة فلسطينية أو عربية واحدة دفاعاً عن حق الشعب الكوردي المضطهد أشد الاضطهاد على أيدي الحكومات التي تقتسم بلدانها أرض كوردستان، في حين يتظاهر الإسرائيليون في إسرائيل وفي الدول الخارجية دفاعاً عن حق الشعب الكوردي في إقامة دولته المستقلة على أرض وطنه، 
فماذا عن علاقة الكورد بإسرائيل؟ 
قبل كل شيء، لا يستطيع أحد إنكار وجود علاقات عريقة بين حكومات عربية عدة وعلى مستويات مختلفة مع إسرائيل، منها سرية وأخرى علنية، ففي عام 1918 التقى ممثلون عن الطرفين الصهيوني والعربي في مؤتمر السلام بباريس لبحث مستقبل الشرق الأوسط بعد انهيار وسقوط الدولة العثمانية، فكان الطرف الصهيوني برئاسة الدكتور حاييم وايزمان الذي أصبح فيما بعد أول رئيس دولة في اسرائيل، والطرف العربي كان ممثلا˝ بالأمير فيصل نجل الملك حسين، ملك الحجاز آنذاك. وبصدد ذلك يذكر البروفيسور (يهودا  ز. بلوم) في بحثه عن “الملامح الأساسية للنزاع العربي – الاسرائيلي” بأنه على الرغم من أن الطرفين كانا يطمحان إلى انتزاع  الاعتراف باستقلال شعبيهما، إلا أنهما لم يجدا أبدا˝ في تلك المطالب تعارضا˝ أو تناقضا˝ بين طموحات الطرفين العربي والصهيوني، وإنما تكمّل بعضها بعضا˝، وهذا ما يمكن قراءته في رسالة الأمير فيصل التي وجهها في الأول من آذار عام 1919 إلى البروفيسور فيليكس فرانكفورتر (عضو البعثة الصهيونية وفيما بعد عضو المحكمة الأمريكية العليا) حيث ورد فيها: “نحن العرب، وبخاصة المتعلمين من بيننا، ننظر بتأييد عميق إلى الحركة الصهيونية، وإن وفدنا هنا يعلم بدقة تلك المقترحات التي قدّمتها المنظمة الصهيونية البارحة لمؤتمر السلام، ونحن نعتبرها معتدلة وعادلة، وإننا من طرفنا سنفعل كل ما في مقدورنا لمساعدتكم لتحقيق النصر. إننا نريد أن نعبّر عن ترحابنا القلبي بعودة اليهود إلى وطنهم. لقد كنا في علاقات وثيقة مع قادة حركتكم وبخاصة الدكتور حاييم وايزمان. إنه قدّم لقضيتنا خدمات جليلة، وآمل أن يكون في استطاعة العرب أن يحسنوا لليهود.  نحن نعمل معا˝ من أجل شرق مبني من جديد ومفعم بالحياة، وأن تكمّل حركاتنا بعضها الآخر… وآمل أيضا˝ أن يساعد كل شعب الآخر من أجل تحقيق الانتصارات الفعلية.” (أنظر آرنو أولمان – طريق اسرائيل إلى الدولة – وثائق – د. ت. ف. 1962 ص 266- الطبعة الألمانية)  إلاّ أن الإعلام العربي المدفوع له من حكومات عربية والنافخين في أبواق الفتنة ممن يعتبرون أنفسهم “شيوخ دين” يركّز باستمرار على العلاقة بين إسرائيل وقائد ثورة أيلول المجيدة (1961-1975) في إقليم جنوب كوردستان، الملا مصطفى البارزاني، في فترةٍ حالكة من تاريخ الثورة، كان يتعرّض فيها الشعب الكوردي إلى حملات القصف والمجازر والتهجير، حيث تكالبت حكومات دول تركيا وإيران وسوريا والعراق، وأرسلت سوريا لواءً من جيشها بقيادة العقيد فهد الشاعر في محاولةٍ فاشلة للقضاء على الثورة، وكأن القيادة الكوردية اقترفت جريمةً كبرى بحق الأمة العربية التي هرول ويهرول قادتها لإقامة علاقاتٍ واسعة مع كل بنوك اليهود في العالم، ولاستقبال شخصياتٍ يهودية عالمية في عواصم بلدانهم تدعم إسرائيل سياسياً ومادياً، وللبحث عمن يكون لهم سنداً لدى إسرائيل للإبقاء على حكمهم فترةً أطول مما يحلمون به. والذي ينكر الحقائق بهذا الصدد يستطيع أن يؤجج الفتنة بين العرب والكورد أيضاً. 
وما هي أوّل دولةٍ إسلامية اعترفت بإسرائيل؟ هل كانت دولة كوردية؟ فلماذا لا يفتح الإعلام العربي أبواقه لشتم أحدٍ في تلك الدولة، بل وما هي الدولة المسلمة الثانية التي اعترفت بإسرائيل؟ هل كان البارزاني أم الطالباني أم مصر “أم الدنيا”؟ وعلى ماذا ينص الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي؟ ألاّ يتضمن حق الشعب الإسرائيلي في الوجود؟ هذا يسكت الإعلاميون العرب عنه، ولكن في الوقت ذاته يعتبرون كل طموحٍ كوردي عملاً اسرائيلياً، وكل خطوة كوردية تخطيطاً اسرائيلياً وقيام دولة كوردية “إسرائيل ثانية” في المنطقة، على الرغم من أن طموح الأمة الكوردية لا يتعارض مع الشرع الرباني ولا يخالف أي وثيقةٍ من وثائق الأمم المتحدة، عفواً إنه يتعارض مع اتفاقية استعمارية أضرت بالكورد وسائر شعوب المنطقة، هي اتفاقية سايكس – بيكو فقط.  فإذا كان سياسيو العرب ومن يتفق معهم في الرأي من أهل المنطقة يعتبرون الكورد (وهم مسلمون سنة في غالبيتهم) حلفاءً أو أتباعاً لإسرائيل، فكيف يفسرون خروج هكذا مظاهرة كوردية عظيمة في مدينة آمد (ديار بكر) ضد قرار ترامب؟ هل طلبت إسرائيل من الكورد أن يقوموا بها؟ ولماذا لا يقومون جميعاً بإعلان حرب إبادة على غرار حرب الأنفال لصدام حسين على الأمة الكوردية التي خرج مئات الألوف منها للتظاهر ضد قرار ترامب؟ أنا واثق من أنهم سيقومون بشن هكذا حرب على الكورد، فقد قاموا بها من قبل مراراً، إلاّ أن أسياد ملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم وجنرالاتهم هم الإسرائيليون أنفسهم وزعماء اليهود عامةً، فلا يسمحون لهم بذلك، لأن أوامرهم تأتي من إسرائيل أو من زعماء اليهود في العالم، أي أنهم يتهمون الكورد بما هم أنفسهم عليه، والإعلام العربي في أغلبه تابع أمين لهؤلاء التوابع…
إن أقام الكورد علاقاتٍ مع إسرائيل فهذه ستكون في صالحهم وفي صالح إسرائيل، وستكون في الغالب تجارية وثقافية، ولماذا لا يحق للكورد الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية ومن الديون التي يمكن الحصول عليها من البنوك العالمية الخاضعة لليهود؟ ما ضير ذلك؟ إذ يفعل زعماء العرب الشيء ذاته بأشكالٍ مختلفةٍ، سراً أو جهراً، والذي يراقب ما يجري في الخليج العربي/ الفارسي يرى ذلك بوضوحٍ تام، وليس بين الكورد وإسرائيل عداوات بسبب الماء والكلأ، أو ثارات تاريخية، فالكورد المسلمون واليهود عاشوا تاريخياً في وئام وتعاونٍ عبر العصور، ولم يذكر أي مؤرّخ أن الكورد اضطهدوا اليهود مثل غيرهم، ولا جغرافيا مشتركة يختلف الطرفان عليها، وما علاقة ما يقوم به الكورد من نشاطات تجارية أو سياسية بصراع الفلسطينيين والإسرائيليين؟ إذ هناك قيادة فلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني وهي التي تقرر فيما إذا تريد السلام أو الخصام مع الحكومة الإسرائيلية. 
أما الشعب الكوردي فإنه لا يريد سوى الحرية والحياة الكريمة، ويبحث عن أمنه واستقراره، وقد تعب من الحروب والمذابح والجرائم التي ارتكبها الطغاة بحقه، فلماذا يحق لكل شعوب الأرض أن تعيش حرة في وطنها، وعلى الشعب الكوردي وحده أن يعيش ذليلاً تحت أيدي المحتلين لأرض وطنه؟ لماذا على الكورد أن يعيشوا في ظل دولة الفساد في بغداد، وهي في قبضة ملالي إيران الأشد خطراً على العرب من إسرائيل حسب ما يقوله بعض السياسيين والإعلاميين العرب أنفسهم؟ أهذه هي عدالة الدين والتآخي والجوار؟ 
إننا يا معشر العرب لا نريد سوى الحياة في السلام، مع العرب والإسرائيليين والأتراك والفرس وغيرهم، فلماذا هذا العدوان الشرس والاتهام اليومي الكاذب بأن الكورد عاملون على إقامة “إسرائيل ثانية”؟ فهل إسرائيل متخلفة مثل دولكم؟ وهل زعماؤها سارقون لأموال شعبهم مثل رؤسائكم ورؤساء وزاراتكم وأمرائكم؟ أم أنهم قتلة شعبهم والقائمون بقصف مدنهم ببراميل الديناميت والفوسفور والكلور، وبالغازات السامة؟ وماذا يضركم أن يتلاقى الكوردي المسلم والإسرائيلي اليهودي على ساحل البحر في تل أبيب أو على شاطئ نهرٍ في كوردستان، ومعظم شعوبكم تحسد المواطن الإسرائيلي على العيش الكريم له في إسرائيل، فدعوا الفلسطينيين والإسرائيليين يتفقون ليعيشوا معاً في سلامٍ وأمن واستقرار، وليحلوا موضوع القدس بينهم ووسط توافق دولي في هدوء وحوار، وفي الحقيقة، فإن معظم الحكومات العربية قد جعلت من القضية الفلسطينية متاريساً لها لحماية أنفسها من غضب الشعوب، أما إيران وتركيا فلا تسعيان إلا للامتداد والتوسّع على حساب هذه الشعوب.
‏10‏ كانون الأول‏، 2017
facebook: Kurdaxi1                    kurdaxi@live.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…