ستران عبد الله*
اجرى الشعب الكردستاني استفتاءاً لتقرير مصيره في الخامس والعشرين من أيلول الماضي، صوّت فيه بأغلبية مطلقة على استقلال كردستان وفك الارتباط مع العراق.
كان ذلك اليوم يوماً مميزاً في التاريخ، لم يعقبه اجراء عملي لتحقيق نتيجة للاستفتاء، ولم يسأل أي من أفراد الشعب ممن صوت وممن لم يصوت وممن رفع أعلام المقاطعة للعملية برمته عن توقيت اعلان الاستقلال.
انتهى كل شيء عند لحظة اعلان النتائج، ولكن ومنذ تلك اللحظة تجري حكومة السيد العبادي استفتاءاً يومياً لاستقلال كردستان، وطرد الكرد من جنة العراق الحالي . ومنذ تلك اللحظة نشهد استفتاءاً عراقياً لاهانة كردستان وتهميشها واتهامها بشتى النعوت والتسميات.
فمنذ الخامس والعشرين من أيلول، فأن كردستان ليست أكثر من محافظات متشرزمة لا يتم تجميعها في اقليم الا تسهيلاً لاجراءات عقابية من مجلس النواب أو ايجازاً لمؤتمرات صحفية يتم فيها اطلاق وعود غامضة مطعمة بالوعيد والاشتراطات العصية التي تفرغ مبادرات حسن النية من أي مضمون وتقربه من الاستحالة.
كان للكرد يوماً واحداً ليقولوا فيه كلمتهم، أو الأصح ليعلنوا عن رغبتهم الخفية التي هي مثل قصة موت معلن في رواية غابريل غارسيا ماركيز، فالكل طالبوا الكرد ألا يفعلوها، والكل كان يدرك أن الكرد سيفعلونها، وكان الأمر بالنسبة للصديق أشبه باتمام الحجة وللعدو كشفاً للحجاب حيث ظلوا يشكون في النية الكردية حتی وھو یطالب بأبسط الحقوق من مرحلة الحقوق الثقافية الى مرحلة الحكم الذاتي وصولاً للفدرالية المثبتة في الدستور.
لا يجوز لوم الكردستانيين شعباً وأفراداً على تصويتهم بنعم المدوية لاستقلال كردستان، فهذه تشبه سؤال المؤمن فيما إذا كان يدين بالله! فإزاء هذا السؤال يتساوى المؤمن العادي المنشغل بملذات الحياة والمؤمن الأصولي المسيس والمؤمن الداعشي والعياذ بالله.
وفي كل الأحوال فان الاستفتاء الكردي، هو حدث في الماضي ببساطة لأنه أجري في الماضي، والماضي لا يمكن اعادته سواء كان قبل شهرين أو قبل قرنين. ولا يمكن العودة الى الرابع والعشرين من أيلول الماضي، أي قبل يوم واحد من اجراء الاستفتاء لا بقرار من المحكمة الاتحادية ولا بقرارات عقابية من مجلس نواب يفتقر الى التمثيل الوطني بسبب اقصاء الكرد ومحاصرة نوابهم باجراءات بيروقراطية وفي ظل المماطلة في انشاء المجلس الاتحادي كغرفة ثانية للبرلمان تعترض فيه الأقاليم والمحافظات على القرارات التعسفية لأغلبية طائفیة ولا بممارسات الحشد الشعبي، بل وحتى قدوم جيوش العالم كله.
أن إعادة عقارب الساعة الى الوراء ضد المنطق وطبيعة الأشياء ولكن يبدو أن النخبة الحاكمة في بغداد تبغي من وراء ذلك امتلاك المستقبل الكردي حتى لا يحلم الكردي مجرد الحلم بخيار سياسي آخر يوماً ما وكأنها تقوم بذلك نيابة عن الحكومات المستقبلية والمنظومة الاقليمية المسقبلية التي تعادي كل حضور كردستاني على مسرح السياسة وليس خيار الاستقلال فقط، وفي حرب النيابة هذه تقوم بغداد بسلسلة اجراءات عقابية ضد كردستان تتجاوز قلم أظافر النخبة الكردستانية التي تعتبرها مسؤولة عن رفع منسوب المطالب الكردية فيما تغض النظر عن مسؤولیتھا ھی في نشر فضاء من الاحباط المبطن تجاه المسار الدستوري في كل ما يخص الملف الكردستاني وفي تجاهل الثقل النوعي للكرد والتعامل معه من منظور أغلبية تخلت شيئاً فشيئاً عن التوافقية على الأقل في القضايا الجوهرية.
وفي حين أن الكرد أقدموا على استفتاء يميزهم عن باقي العراق، فأن بغداد تقوم بعمل استفتاء يومي بتلك الاجراءات يزيد من الشحن الطائفي ضد الكرد ويباعد بينهم وبين الانتماء العراقي والشعور بالمواطنية الاتحادية.
ان هذا الاستفتاء العراقي اليومي يدق أسفين التمزق والفرقة بين العراقيين وتغذي الشعور الكردي بالمهانة القومية والوطنية وكم ثورة قامت بدافع الانتصار للكرامة الانسانية وليس شرطاً أن تشكل المظلومية القومية أو الطبقية أساس الثورات.
واذا كانت بغداد الرسمية تتحجج بالفساد والتجاوزات من قبل السلطة السياسية والنخبة الحاكمة في كردستان فان اصطباغ مكافحة الفساد والتجاوزات على سلطة الحكومة الاتحادية بصبغة العداء لكل ما هو كردستاني يفقد الحكومة الاتحادية كل مصداقية. فالفساد والتجاوزات حالة عراقية كردستانية عامة. ومن سخريات القدر، فربما هي الرابط المشترك بين الجميع و(اللحمة الوطنية) التي عززت العلاقة بين نسبة ١٧ بالمئة ونسبة ٨٧ بالمئة من الميزانية العراقية، وبين ماضي لاستفتاء مضى ومستقبل لا يمكن السيطرة عليه، كان على بغداد أن تتبنى سياسة حاضرة وواقعية جاذبة للكرد ملهمة للمستقبل العادل والجامع.
فالحاضر أولى بالاهتمام لبناء وطن تغنينا به كثيراً في الاحتفالات ولكننا أمعننا في أبعاده عن حلم التحقق.
وبدلاً من الايغال في تكبيل المارد الكردي عن حدث أصبح من الماضي جرياً وراء سراب القبض على المستقبل فان الكرة الآن في ملعب الشركاء ومن واجبهم الوطني ان يتباروا في صناعة حاضر جاذب للكردستانين بدلاً عن سياسة طاردة تكرر أخطاء الدكتاتورية المقبورة .
وإذ تقوم بغداد بانتهاج سياسة جاذبة تجاه الكرد فان ارهاصات الواقع الكردستاني سينتج حركته الاصلاحية الخاصة التي ستقوم مسار السياسة الكردستانية تعبيراً عن حاجة كردستانية داخلية ولكن في نفس الوقت حليفة لمسار الاصلاح في السياسة العراقية.
*رئيس تحرير صحيفة “كوردستاني نوي” اليومية