إدريس سالم
لقد أدرك الشعب الكوردي في غربي كوردستان حقيقة لعبة الغرب التي يسعى وراءها في الشرق الأوسط، تحت ذريعة محاربة الإرهاب والوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة، والتي ظهرت ملامحها العامة، وباتت أكثر وضوحاً، وهي أن خيرات وثروات سوريا هي التي ستتقاسم بين الدول الكبرى التي تدير الشرق، وليس تقسيم جغرافيتها، أيّ، أمريكا وروسيا لن تغامرا بمصالحهما الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية المهمّة جداً، والبعيدة المدى مع إيران وتركيا وسوريا والعراق كُرمى لخاطر قيام حكم ذاتي أو فيدرالية للكورد في غربي كوردستان، إلا في حال توافق المشاريع الكوردية مع مصالحهما، إذاً لا لتقسيم الجغرافية، ونعم لتقاسم الكعكة السورية، الممزوجة بآبار النفط والغاز، والمشاريع الضخمة لإعادة إعمارها، بشركاتهم وموظفيهم، وعمّالنا وطاقاتنا الجسدية.
روسيا تتعامل مع غربي كوردستان على أنها رقعة جغرافية لا تتجزأ من جغرافية سوريا، أي أنها تعتبر الإدارة الذاتية حليفة النظام السوري، فيما أمريكا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية التي يديرها حزب الاتحاد الديمقراطي بأنها شريكتها في محاربة الإرهاب «ستنتهي هذه الشراكة لمجرد أن ينتهي الإرهاب، المتمثل اليوم بداعش». أوروبا تدعمها إنسانياً، من خلال تأمين العيش والأمان والعلم لها، في دولها التي لا زالت تستقبل أعداداً هائلة من اللاجئين «بلدانُكم العجوزة تريدون فَتْيَها/من عذرية فراشاتنا، ومَني نسورنا. من قصيدة أيُّها الغرب»، فيما تركيا تدعم فصائل سياسية وعسكرية محدّدة في سوريا، الهدف منها رفض منح أي حق أو اعتراف دولي للكورد في غربي كوردستان، سواء على يد المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بحكم ذاتي أو اتحاد فيدرالي.
كل تحركات الدول الكبرى، من لقاءات في أعلى المستويات وعلى البعد الاستراتيجي، وعمل موظفيها في المنطقة كموظفين درجة ثانية، وتغلغلهم في المراكز الفاعلة في المنطقة وجبهاتها، إلى مؤتمرات علنية وسرية، وتغيير في ميزان القوى على الأرض والمرافقة لها بتصريحات نارية، لكبار المسؤولين تشير إلى حقيقة واضحة ولا ثانية لها، أن القضية الكوردية في غربي كوردستان لم يفتح ملفها بشكل رسمي وخاص في أيّ طاولة دولية أو إقليمية من طاولات صنع القرار، التي تديرها أمريكا وروسيا «أثبتا للسوريين أن الأسد للقيادة، وكل مَن يعارضه للقمامة»، على اختلاف تناولها من حيث اعتبار الكورد جزءاً من الشعب السوري.
ما السبب الذي يقف وراء عدم تدويل القضية الكوردية في غربي كوردستان في الأروقة الدولية، من مؤتمر جنيف في سويسرا، إلى آستانة في كازاخستان، والرياض في السعودية، وصولاً إلى سوتشي في روسيا؟ لعلّه سؤال جوهري كبير، إلا أن الإجابة عليه، والعمل على حلّه بشكل جماعي موحّد، سيخرج بنتائج إيجابية، ستساعد الكورد في تثبيت حقوقهم في الدستور السوري، وتدويلها، والاعتراف بها وفقاً للعهود والمواثيق الدولية «القوة الجماعية الموحّدة وحدها مَن ستجبر المجتمع الدولي الالتزام بالمواثيق التي تؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها»، وبالعودة إلى الإجابة على السؤال المطروح، فأرى أنها تندرج في ثلاثة أسباب رئيسية:
أولاً – الانقسام الكوردي – الكوردي:
إن التنظيمات الكوردية التي كانت تناضل قبل الثورة السورية، وحتى التي تلتها أثبتت أنها تنظيمات افتراقية وليست وحدوية «في كل عملية وحدوية بين عدّة تنظيمات كوردية تلد منها ثلاثة أو أربعة أو خمسة أحزاب، بعضها ذو وجود واقعي، والآخر افتراضي!!»، لما حملوا في ثقافاتها قيم وأدوات الافتراق أكثر من التمسّك بالاجتماع، وهذا الافتراق هو أكبر وأخطر عدوّ يواجهه الشعب الكوردي، فيما الدول المعادية لكوردستان تعمل جاهدة على تغذية هذا الانقسام، بالعدّة والعتاد.
ثانياً – مصالح الدول الكبرى أهم من توحيد أو تقسيم الشرق الأوسط:
إن مصالح الدول الكبرى في مستنقعات الشرق الأوسط أهم من كوردستان، وأقوى من إرادة شعوب المنطقة «كل حكومات العرب والغرب تحارب من أجل المال والسلطة، وليس لتحقيق إرادة شعوبها وحلّ قضاياها»، فعندما تدعم أي دولة كبيرة لأيّ فصيل كوردي، سياسياً كان أم عسكرياً، فحتماً الهدف الأول والأخير منه هو تحقيق مصالحها وتقوية اقتصادها «المصالح لا تعرف للشعوب إرادة، إذا ما تعارضت معها»، والمصيبة الكبيرة هي أن علاقة الكورد معهم أثبتت أنها علاقة تكتيكية وليست استراتيجية، أي أن الكورد فشلوا في إقناع الدول الكبرى على أن يكونوا حلفاء دائمين لهم «هل يستفيد الكورد من أخطائهم وتجاربهم؟».
ثالثاً – قمع الدول الإقليمية المحتلة لكوردستان:
إيران منشغلة بجنوب كوردستان وهلالها الشيعي، وتركيا بغربها، أيّ، هما متفقتان على قمع كل مشروع تحرّري استحقاقي خاص بالكورد، من حكم ذاتي، أو فيدرالية، أو كونفدرالية، أو الدولة القومية المستقلة، وستعملان دائماً – دون كلل أو ملل – على صهر الوجود الكوردي، وكلاهما كانا لاعبين أساسيين في ولادة وتغذية وإدارة تنظيم داعش، واليوم كلاهما يعلنان بأنهما أول مَن كسرا شوكة داعش، واقتلاعه من سوريا والعراق، أيّ، يؤكدان على الدور المحوري الاستراتيجي السابق واللاحق بينهما، في أيّ ترتيبات تخصّ الأمن القومي للبلدين.
خلاصة القول أن الفرصة الثمينة والأخيرة تكمن في قضية تهديد تركيا لمدينة عفرين ومصير 365 قرية آمنة فيها، والتي ستقع بالدرجة الأولى على عاتق المستقلين قبل المتحزّبين، ويجب أن ترتفع صرخاتهم عالياً، وبشكل فعلي، ضد حركة المجتمع الديمقراطي (Tev – Dem) والمجلس الوطني الكوردي (ENK-S)، بتنظيم المظاهرات والاعتصامات، داخلياً، أمام مقراتهما الرسمية ومنظماتهما المنتشرة في المناطق والمدن الكوردية، وخارجياً، أمام ممثلياتهما المتواجدة في الدول الأوروبية، ويبادروا إلى التواصل والتنسيق المستمرّين، بإجبار (Tev – Dem) و (ENK-S) على توحيد الموقف والمشروع الكوردي قبل فوات الأوان، إذ ليس من المعقول أن يقدّما مصير الشعب الكوردي قرباناً على مذبح أجنداتهما الحزبوية، والخطورة القادمة بدأت مفعولها، والتي تتركز أولاً على إعادة ترميم النظام السوري، وثانياً رفض قيام أي كيان كوردي في غربي كوردستان، في ظل الأوضاع غير مستقرة، والفوضى الخلاقة في عموم الشرق الأوسط
كاتب وصحفي كوردي