البارزاني والحريري في مصيدة التطرف السُني المتراكم

الان جمو
مكافحة الإرهاب، التصدي للإرهاب، الحركات الجهادية، تنظيم القاعدة، الجماعات المتشددة، الاصولية الاسلامية، الاسلام التكفيري وصولا إلى داعش (الدول الاسلامية في العراق والشام) كل هذه العبارات المتحولة إلى مصطلحات والمستعملة منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وبتحديد بعد احداث 11 سبتمبر 2001، هي إشارة إلى التضخم الايديولوجي (السلبي) الحاصل في البيت الاسلامي وبالتحديد في شقه السُني، فالربيع العربي ايضا لم يسلم من تلك الايديولوجية وانتجت حكومات سُنية متشددة في بعض الدول (ليبيا، مصر المرسي) وقريبة للاعتدال في دول أخرى (تونس) والكل كان في إطاره الاسلامي السُني الموأدلج الساعي إلى الهيمنة والعابرة للحدود. 
هذا هو الذي استرعى انتباه الغرب (اوروبا، اميريكا) للبحث عن توازن في البيت الاسلامي، فكبح الجماح السُني لا يمكن إلا أن يكون داخلياً (هذا ما تبين خلال العقدين الماضيين)، فمجابهة العقيدة المنطلقة بالعقيدة المضادة هي أنسب الحلول، وأقل التكاليف المطروحة على الطاولة الدولية، وذلك يكون بتقوية الشق الشيعي على حساب الشق السُني.
الانفتاح والاهتمام الدولي بالطرف الشيعي، والتي مارست التقية العقائدية منذ أخر دولة لها في الشرق (الدولة الفاطمية في مصر) يقع ضمن سياسة تموضع الاتزان بين الايديولوجيات في المشرق، والتصحيح المراد حصوله للحد من التضخم السلطوي لدى السُنة. فالتخلص من المرسي في مصر والإبقاء على الاسد في سوريا، والحد من فاعلية تركيا وسحب الثقة منها، وترك الحبل على غاربه للحوثيين في اليمن، كلها كانت مسببات ومقدمات لبروز النجم الايراني الممثل الشيعي الوحيد في المنطقة.
كثيراً ما كنا نسمع التأييد وحسن الموقف من المثقفين والاعلاميين العرب وسلطات دولهم تجاه الخطوة الكوردية نحو الاستفتاء على الاستقلال، فالموقف الايجابي لم يكن من منطلق ديموقراطي وقناعة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، بقدر ما كان من منطلقه الطائفي، وحسن النية تجاه قضية شعب تستوجب حلاً عادلاً لم يكن إلا تبطيناً لعداء مذهبي تجاه التحرك الايراني. من دون سابق انذار حاولت بعض المنابر الاعلامية العربية إظهار الرئيس مسعود برزاني على أنه السد المانع للتمدد الشيعي، ومحاولة لجر الكورد إلى الإطار الطائفي وتسويغها في فكر الكوردي، ما حذا ببعض السياسيين الكورد بتقبل الفكرة مبرراً قناعاته بتلك الأعلام والحشود الطائفية (الحشد الشعبي) المتجهة إلى كوردستان، والمنتهية تواً من ضرب التطرف السُني (داعش) في محافظة الانبار. أيضاً حصل سيناريو مشابه في جرود عرزال، وتبني حزب الله اللبناني القضاء على فلول تنظيم القاعدة على الحدود السورية اللبنانية هو ايضاً تدخل شيعي واضح في العمق السُني.
التحركات الشيعية في المنطقة كانت بموافقة من الغرب إن لم نقل بماركة، فنحن الأن على مشارف مرحلة لظهور حكومات شيعية في المنطقة. ليس حباً في الشيعة ولكن اخماداً لفورة السُنة، فايجاد قطب شيعي يعادل القطب السني قوة وإنتشاراً، هي استراتيجية غربية تسير على قدم وساق.
ولكن تبقى اسئلتنا الكوردية هي: هل لم تشفع الحرب الكوردية على داعش بإخارجه من الإطار السُني؟ ام أجبر الكورد على خوض منافسة طائفية دون معرفةً بالنتائج؟. أو هل الديبلوماسية الكوردية لم توفق في اظهار توجهها بعيداً عن المنحى الطائفي؟. يبقى الباب أمام التصحيح مفتوحا مادام نتائج الاستفتاء على الاستقلال معلقة دون إلغائها، ذلك يعطي المجال لإعادة النظر في السياسات السابقة وإعادة ترتيب الاوراق.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

النقل عن الفرنسية إبراهيم محمود باريس – أكد البروفيسور حميد بوزأرسلان على ضرورة تحقيق الكُرد للاندماج الداخلي، وشدد على أن المسألة الكردية، بسبب الاستعمار فوق الوطني لكردستان، لا تقتصر على دولة واحدة بل هي شأن إقليمي. وتحدثت وكالة الأنباء ANF عن المسألة الكردية مع حميد بوزأرسلان، مؤرخ وعالم سياسي متخصص في الشرق الأوسط وتركيا والمسألة الكردية، يقوم بالتدريس في كلية…

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…