الأكراد وقد صاروا قتلة الحسين بن علي!

حازم الأمين
امتد الشعور الانتصاري ليشمل الأكراد هذه المرة. انتصر «الحشد الشعبي» وما يوازيه على الموصل وقبلها على حلب وبيروت، وها هو اليوم ينتصر على الأكراد. وفي الزيارة الأربعينية شهدنا ندبياتٍ ضمت أهل الشمال إلى الظلامة الحسينية. صار الجماعة من «ظلمة أهل البيت». المسألة لم تأخذ أكثر من أيام قليلة انتقلوا فيها من كونهم حلفاء في عراق ما بعد صدام، إلى شياطين الروضة الحسينية. ورئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي صار بطلاً ليس لأنه «هزم داعش في الموصل»، بل لأنه «هزم الأكراد في كركوك». لم يحتج الأمر إلى أكثر من أيام قليلة، جرى خلالها تبديل الأقنعة وتحويل هوية الشيطان. 
الأمر مخيف فعلاً، ليس فقط لأن الإيرانيين قرروا أبلسة الأكراد فكان لهم ما أرادوا، بل بسبب سهولة الاستجابة والجهوزية الشعبية لتلبية المهمة. الوقت القصير الذي استغرقته كتابة ندبيات وأراجيز وتمثيلها في مشاهد «كربلائية» خلال الزيارة الأربعينية. الاستعداد المتواصل لتوظيف الظلامة في مشهد راهن وفي جعله امتداداً لها. والغريب أن الظلامة الأصلية تنطوي على مرارة الخيبة والخذلان، فيما الانتصار لا يتسع لغير الانتشاء. فكيف يمكن لمنتصر أن يبكي؟ وكيف تمت المواءمة بين نشوة «النصر» ومرارة الفقد والخذلان.
إنه الشرط السياسي الراهن. لا بأس من اللعب في الظلامة في سبيله. اللحظة تقتضي أن ينضم الأكراد إلى قتلة الحسين، فلا ضير من ضمهم. لا خوف على الرواية، فلطالما جرى توظيفها. ألم يبحث «مؤرخو» الثورة في إيران على أصل ساساني لأمهات الأئمة. جرى ذلك بكل سلاسة ومن دون معوقات. فالثورات لا تشترط تدقيقاً، ولا تحاسب على أخطاء في سرد الرواية. أي شيء ينسجم مع مقولاتها يمكن لها أن تضمه من دون أن يرف لها جفن.
الرشاقة في الانتقال من حليف إلى حليف، ومن عدو إلى عدو، يدفع إلى شعور بأن لا شيء حقيقياً في منطقتنا. لا شيء صلباً ولا شيء أصلياً. حتى المودة بصفتها شعوراً عابراً، عمرها قصير جداً. من يسمع مفوّهي «الحشد الشعبي» يتحدثون على شاشات التلفزيون عن عدوهم الجديد يصيبه ذعر. أين كانت مختبئة كل هذه المشاعر؟ هل يكفي حدث الاستفتاء لانتفاخها على نحو ما انتفخت؟ المسألة لا تكمن في أن جهة قررت أن الأكراد أعداء، بل في سرعة الاستجابة وفي حجمها. إذاً لا شيء حقيقياً. لا المودة ولا الظلامة. هذا تماماً ما يجب دفعه ومنعه. أي أن يُصاب العدل الذي تنطوي عليه أي حكاية. أن يكون سهلاً ومطواعاً وقابلاً للتوظيف بالسهولة التي توظف فيها الأغاني والأراجيز وقصائد شعراء البلاط.
ثمة مأزق يواجه الظلامة اليوم، فالحسين بطل ولم يسع إلى انتصار. هو بطل لأنه كذلك، لأن كربلاء واقعة انكسار إيجابي، وفيها تمت أيقنة الهزيمة بصفتها ظلامة. أما الزاحفون المنتصرون إلى الزيارة الأربعينية اليوم فلم يكترثوا إلى أنهم يقتلون الحكاية، وأنهم في صدد تجاوزها ووضعها وراءهم. هذا تماماً ما تنطوي عليه السهولة في ضم الأكراد إلى قتلة الحسين. فمن يكون في طريقه إلى تجاوز الحكاية لن يكون حريصاً على صلابتها. يمكن استعمالها في أي واقعة، ويمكن حجبها عن الكثير من الوقائع التي يشهدها العراق اليوم ويشهدها الإقليم.
ما يجري ليس ابتذالاً للظلامة، بل تجاوزاً نهائياً لها. كان يمكن لهذه المهمة أن تكون تقدّمية، لكنها اليوم عملية استبدال للظلامة بـ «الانتصار»، وعملية استعاضة عن قيم الترفع عن الانتصار بقيم الثأر وتوليد الضغينة وإنتاج ظلامات موازية.
العبادي سينجح في الانتخابات لأنه «هزم الأكراد». سينافس نوري المالكي في ظل هذه الحقيقة. ألم يكن الأكراد على حق حينما صوتوا بـ «لا للعراق» في استفتائهم؟ كان خطأ مسعود بارزاني في توقيته، أما وجهة التصويت، فمن الصعب أن تكون غير ذلك، في ظل قناعة الشيعة العرب المستجدة في أنهم «قتلة الحسين»، وفي ظل طغيان الشعور «الوحدوي» القاتل للسنة العرب.
” حازم الأمين كاتب لبناني، ومحرر في صحيفة الحياة اللندنية “
نقلاً عن صحيفة ” الحياة اللندنية “، 13-11-2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…