فوزي الاتروشي
دار الزمان دورته و الله يمهل و لايهمل كما يقال، فقد اعلنت منظمة (جاك) المعنية بملف الانفال و حلبجه ان اثنين من رؤساء المرتزقة الاكراد المشاركين في عمليات الانفال الاجرامية قد هربا من الوطن الى ملاذ آمن، اما الآخرون فان الخوف يدبُّ في قلوبهم الآن لان “المنطقة الآمنة” لم تعد آمنة لهم و العفو الذي صدر عام 1991 تبدد لان جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية لاتسقط بالتقادم، ولان العفو كان قراراً سياسياً لم يستطع ان يلغي البعد القانوني و الجنائي الذي اعادته المحكمة الجنائية العراقية العليا الى الواجهة.
وبهذه المناسبة أدعو القراء لقراءة كتاب (الانفال-الكورد ودولة العراق) الصادر عام (2003) بالكوردية و عام (2005) بالعربية عن الكاتب (شورش حاجي رسول).
في الكتاب مقدمة بالغة المغزى حول التأثير النفسي للانفال على الكاتب الذي تجول في المنطقة و استطلع الآراء و التقى بالضحايا و جمع المعلومات التفصيلية عن كثب، وعمل كباحث مع منظمة مراقبة حقوق الانسان في الشرق الاوسط الاميركية التي اصدرت كتاباً موسعاً حول جرائم الانفال.
ولأن الكاتب اراد ايراد تفاصيل و حقائق أخرى ومن منطلق كوردي لذلك لجأ الى تأليف كتابه المستقل الذي ينير ظلمة الثنايا و يتركنا نتوصل الى تفاصيل و دقائق كثيرة و بعضها شديدة الحساسية، وهنا تكمن الاهمية التاريخية الاضافية لهذا الجهد الذي يشكر عليه الكاتب.
في الكتاب شرح للعلاقة القلقة و الصعبة دائماً بين الثورة الكوردية و الحكومات العراقية، وفيه شرح بالارقام و البيانات لكل مراحل جرائم الانفال و تسليط للاضواء الكاشفة على التشكيلات الحكومية العسكرية وقوات المرتزقة التي ساهمت في العمليات ضد قوات البيشمةركه الكوردية.
ولكن يبقى ان اهم ما في الكتاب هو جرد و كشف شبه كامل باسماء المستشارين و رؤساء المرتزقة الاكراد الذين عملوا “بهمَّة عالية” مع سيدهم علي حسن المجيد فكانوا له الدليل و المنقذ في تلك السنوات الصعبة من عمر الثورة، ان الاسماء و ارقام افواجهم مسجلة –لحسن الحظ- في الكتاب الذي يعتبر وثيقة تاريخية مهمة، كما وفيه اسماء آمري الافواج الذين استلموا انواط الشجاعة من صدام حسين.
لقد قدم الكاتب هدية ثمينة للمكتبة الكوردية و لأرشيف الثورة الكوردية و لضحايا الانفال و خرق ستار المحرمات و التردد ليقول الحقيقة العارية دون ان يخاف في الحق لومة لائم.
ويذكر الكاتب ان البعض اتصل به لاقناعه بعد تسجيل و كشف الاسماء ولكنه رفض –بحق- هذا الاسلوب الانهزامي قائلاً ((انا على يقين و اعتقاد تام بان الاشارة الى اسماء الوحدات العسكرية و المرتزقة و المؤسسات الحكومية التي شاركت في التخطيط لعمليات الانفال و التي ساهمت في تنفيذها هي مسؤولية ملقاة على عاتقي وهي وفاء للمتضررين بعمليات الانفال)) و يضيف ((انني لم اشر الى اسم احد دون وجود وثائق و مستمسكات رسمية تثبت تورطه)).
و يرفض الكاتب فكرة التهاون و غض النظر و العفو عما سلف بحجة ان معاقبة قادة المرتزقة الاكراد قد يؤدي بهم الى الوقوع في خندق المعارضة، لانهم ابعد ما يكونون عن الوطنية و التربية الثورية و محكومون بالتخلف الاجتماعي و الجهل و الأمية و لايرون خارطة إلا بقدر مساحة مصالحهم الذاتية.
و اضمُّ صوتي الى رأي الكاتب ان هؤلاء يتحتم ان يمثلوا امام المحكمة وان صدر الثورة الكوردية يجب ان يضيق عليهم و ينفتح على عشرات الآلاف من المقاتلين (البيشمةركه) و الفلاحين و المناضلين و المثقفين الذين أحرقوا كل عمرهم لتبقى شمعة الثورة مشتعلة.
ثم اننا يجب ان نتحد في الرأي ازاء مجرمين من بني جلدتنا الاكراد بالاسم و الهوية و الغرباء عن ارضنا و قيمنا و تاريخنا و ثورتنا، فعظمة الشعب الالماني تكمن في انه توحد مع نفسه و مع العالم عام 1946 ابان محكامات (نورنبرغ) الشهيرة و طالب بصوت واحد بمحاكمة رؤوس النازية الذين دمروا العالم، وقبل عام حين نشر اكبر و اشهر كاتب و روائي الماني وهو (غونتركراس) مذكراته اثار زوبعة اعلامية لمجرد انه ذكر انه انتمى الى الحزب النازي و عمره (17) عاماً، لقد قالها الكاتب الكبير بعفوية ولكي يريح ضميره رغم انه كان يستطيع التغطية على هذه المعلومة المخفية من سيرته، لاسيما وانه الآن كاتب عالمي وله نضال مديد مع القضايا التحررية في العالم و منفتح كلياً على الثقافة الحرة الليبرالية الديمقراطية، وهو الذي رشح عام 1996 الكاتب الكوردي (يشار كمال) لينال جائزة السلام في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.
و السؤال هنا هل يملك اي من امراء الحرب الاكراد ذرة من جرأة و شجاعة هذا الكاتب بحيث يقول الحقيقة و يعتذر امام الشعب الكوردي، لا اعتقد فمجرمو الانفال الاكراد مصرون على جمع الثروة و النفوذ و بناء القصور و الاستهتار بدموع و آلام المناضلين الاكراد و الاستفادة من العفو الذي بدأ –و الحمدلله- يهتز لصدور قرار مثولهم امام المحاكم.
انهم الآن موجودون في كل مكان، ولكنهم خائفون لان يد العدالة ستلاحقهم، وان هربوا فقد يكون ذلك هروبهم الاخير الى المنافي مثل النازيين و سيعيشون الى الابد تحت هاجس الخوف و الحزن و الندم.
وقد تلاحقهم الشرطة الدولية للقبض عليهم، وان لم يحصل ذلك فان مجرد شعورهم في كوردستان بالذلِّ و الهوان و بنظرات الاحتقار من ابناء الشعب الكوردي هو عقاب لهم ماداموا على قيد الحياة.
انهم لم يتراجعوا عن طينة الخيانة التي جلبوا عليها، و الثورة الكوردية ستحقق نصراً اخلاقياً و سياسياً مدوِّياً و ستكسب كل فقراء الكورد و منتفيضه و مناضليه –وهم وقود الثورة الاساسي- اذا رفعت الحصانة عن هؤلاء و تركتهم لقبضة العدالة.
بالعكس فان التعتيم على الملف و التعامل معه بميوعة و استسهال يعني ترك الباب امامهم مفتوحاً لضرب الثورة من الداخل اذا تهيأت لهم الظروف لانهم اعداء الارض و البشر وباعة خدمات ممتازة لكل من يقدم عروضاً سخية.
ان كل ثورات العالم في كوبا و فيتنام و الشيلي و فلسطين و نيكارغوا و جنوب افريقيا بلد العملاق نيلسون مانديلا صاحب “الطريق الطويل نحو الحرية”، اقدمت على وضع خط فاصل بين المناضل و الخائن و منعت الخونة من التسلق على اكتاف الثورة و أكلها من الداخل، فلماذا تبقى الثورة الكوردية استثناءاً على القاعدة و تغرد خارج سرب الثورات العالمية.
ان امراء الحرب الاكراد قتلوا و سرقوا و دمروا كل معاني الجمال في كوردستان و لا أصدق ان العفو عنهم سيقنع الجيل الجديد –جيل اطفال ضحايا الانفال و حلبجه- مهما قدمنا لهم من مبررات، وهذا الجيل هو الأولى بالرعاية و الحماية و الحصانة و التقدير و الحب، من حفنة قذرة من الرجال وصلوا الى الحضيض حين قبلوا ان يكونوا جنوداً امناء لسيد مجرمي العصر علي كيمياوي.
لذلك ادعو ضحايا الانفال لقراءة الكتاب آنف الذكر جيداً و تسجيل الاسماء و خزنها في هواتفهم الجوالة و تناقلها لعل ذلك يشعرهم بالقليل من الحياء و ان كان حياءهم قد زال منذ أمد بعيد و ضميرهم جثة هامدة.
في الكتاب مقدمة بالغة المغزى حول التأثير النفسي للانفال على الكاتب الذي تجول في المنطقة و استطلع الآراء و التقى بالضحايا و جمع المعلومات التفصيلية عن كثب، وعمل كباحث مع منظمة مراقبة حقوق الانسان في الشرق الاوسط الاميركية التي اصدرت كتاباً موسعاً حول جرائم الانفال.
ولأن الكاتب اراد ايراد تفاصيل و حقائق أخرى ومن منطلق كوردي لذلك لجأ الى تأليف كتابه المستقل الذي ينير ظلمة الثنايا و يتركنا نتوصل الى تفاصيل و دقائق كثيرة و بعضها شديدة الحساسية، وهنا تكمن الاهمية التاريخية الاضافية لهذا الجهد الذي يشكر عليه الكاتب.
في الكتاب شرح للعلاقة القلقة و الصعبة دائماً بين الثورة الكوردية و الحكومات العراقية، وفيه شرح بالارقام و البيانات لكل مراحل جرائم الانفال و تسليط للاضواء الكاشفة على التشكيلات الحكومية العسكرية وقوات المرتزقة التي ساهمت في العمليات ضد قوات البيشمةركه الكوردية.
ولكن يبقى ان اهم ما في الكتاب هو جرد و كشف شبه كامل باسماء المستشارين و رؤساء المرتزقة الاكراد الذين عملوا “بهمَّة عالية” مع سيدهم علي حسن المجيد فكانوا له الدليل و المنقذ في تلك السنوات الصعبة من عمر الثورة، ان الاسماء و ارقام افواجهم مسجلة –لحسن الحظ- في الكتاب الذي يعتبر وثيقة تاريخية مهمة، كما وفيه اسماء آمري الافواج الذين استلموا انواط الشجاعة من صدام حسين.
لقد قدم الكاتب هدية ثمينة للمكتبة الكوردية و لأرشيف الثورة الكوردية و لضحايا الانفال و خرق ستار المحرمات و التردد ليقول الحقيقة العارية دون ان يخاف في الحق لومة لائم.
ويذكر الكاتب ان البعض اتصل به لاقناعه بعد تسجيل و كشف الاسماء ولكنه رفض –بحق- هذا الاسلوب الانهزامي قائلاً ((انا على يقين و اعتقاد تام بان الاشارة الى اسماء الوحدات العسكرية و المرتزقة و المؤسسات الحكومية التي شاركت في التخطيط لعمليات الانفال و التي ساهمت في تنفيذها هي مسؤولية ملقاة على عاتقي وهي وفاء للمتضررين بعمليات الانفال)) و يضيف ((انني لم اشر الى اسم احد دون وجود وثائق و مستمسكات رسمية تثبت تورطه)).
و يرفض الكاتب فكرة التهاون و غض النظر و العفو عما سلف بحجة ان معاقبة قادة المرتزقة الاكراد قد يؤدي بهم الى الوقوع في خندق المعارضة، لانهم ابعد ما يكونون عن الوطنية و التربية الثورية و محكومون بالتخلف الاجتماعي و الجهل و الأمية و لايرون خارطة إلا بقدر مساحة مصالحهم الذاتية.
و اضمُّ صوتي الى رأي الكاتب ان هؤلاء يتحتم ان يمثلوا امام المحكمة وان صدر الثورة الكوردية يجب ان يضيق عليهم و ينفتح على عشرات الآلاف من المقاتلين (البيشمةركه) و الفلاحين و المناضلين و المثقفين الذين أحرقوا كل عمرهم لتبقى شمعة الثورة مشتعلة.
ثم اننا يجب ان نتحد في الرأي ازاء مجرمين من بني جلدتنا الاكراد بالاسم و الهوية و الغرباء عن ارضنا و قيمنا و تاريخنا و ثورتنا، فعظمة الشعب الالماني تكمن في انه توحد مع نفسه و مع العالم عام 1946 ابان محكامات (نورنبرغ) الشهيرة و طالب بصوت واحد بمحاكمة رؤوس النازية الذين دمروا العالم، وقبل عام حين نشر اكبر و اشهر كاتب و روائي الماني وهو (غونتركراس) مذكراته اثار زوبعة اعلامية لمجرد انه ذكر انه انتمى الى الحزب النازي و عمره (17) عاماً، لقد قالها الكاتب الكبير بعفوية ولكي يريح ضميره رغم انه كان يستطيع التغطية على هذه المعلومة المخفية من سيرته، لاسيما وانه الآن كاتب عالمي وله نضال مديد مع القضايا التحررية في العالم و منفتح كلياً على الثقافة الحرة الليبرالية الديمقراطية، وهو الذي رشح عام 1996 الكاتب الكوردي (يشار كمال) لينال جائزة السلام في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.
و السؤال هنا هل يملك اي من امراء الحرب الاكراد ذرة من جرأة و شجاعة هذا الكاتب بحيث يقول الحقيقة و يعتذر امام الشعب الكوردي، لا اعتقد فمجرمو الانفال الاكراد مصرون على جمع الثروة و النفوذ و بناء القصور و الاستهتار بدموع و آلام المناضلين الاكراد و الاستفادة من العفو الذي بدأ –و الحمدلله- يهتز لصدور قرار مثولهم امام المحاكم.
انهم الآن موجودون في كل مكان، ولكنهم خائفون لان يد العدالة ستلاحقهم، وان هربوا فقد يكون ذلك هروبهم الاخير الى المنافي مثل النازيين و سيعيشون الى الابد تحت هاجس الخوف و الحزن و الندم.
وقد تلاحقهم الشرطة الدولية للقبض عليهم، وان لم يحصل ذلك فان مجرد شعورهم في كوردستان بالذلِّ و الهوان و بنظرات الاحتقار من ابناء الشعب الكوردي هو عقاب لهم ماداموا على قيد الحياة.
انهم لم يتراجعوا عن طينة الخيانة التي جلبوا عليها، و الثورة الكوردية ستحقق نصراً اخلاقياً و سياسياً مدوِّياً و ستكسب كل فقراء الكورد و منتفيضه و مناضليه –وهم وقود الثورة الاساسي- اذا رفعت الحصانة عن هؤلاء و تركتهم لقبضة العدالة.
بالعكس فان التعتيم على الملف و التعامل معه بميوعة و استسهال يعني ترك الباب امامهم مفتوحاً لضرب الثورة من الداخل اذا تهيأت لهم الظروف لانهم اعداء الارض و البشر وباعة خدمات ممتازة لكل من يقدم عروضاً سخية.
ان كل ثورات العالم في كوبا و فيتنام و الشيلي و فلسطين و نيكارغوا و جنوب افريقيا بلد العملاق نيلسون مانديلا صاحب “الطريق الطويل نحو الحرية”، اقدمت على وضع خط فاصل بين المناضل و الخائن و منعت الخونة من التسلق على اكتاف الثورة و أكلها من الداخل، فلماذا تبقى الثورة الكوردية استثناءاً على القاعدة و تغرد خارج سرب الثورات العالمية.
ان امراء الحرب الاكراد قتلوا و سرقوا و دمروا كل معاني الجمال في كوردستان و لا أصدق ان العفو عنهم سيقنع الجيل الجديد –جيل اطفال ضحايا الانفال و حلبجه- مهما قدمنا لهم من مبررات، وهذا الجيل هو الأولى بالرعاية و الحماية و الحصانة و التقدير و الحب، من حفنة قذرة من الرجال وصلوا الى الحضيض حين قبلوا ان يكونوا جنوداً امناء لسيد مجرمي العصر علي كيمياوي.
لذلك ادعو ضحايا الانفال لقراءة الكتاب آنف الذكر جيداً و تسجيل الاسماء و خزنها في هواتفهم الجوالة و تناقلها لعل ذلك يشعرهم بالقليل من الحياء و ان كان حياءهم قد زال منذ أمد بعيد و ضميرهم جثة هامدة.