القضية الكردية في سوريا من التكون الى الثورة

اكرم حسين 
يؤكد العديد من الباحثين الكرد على أنهم يتواجدون في سوريا -اي الكرد- بصورة رئيسية في ثلاث مناطق هي الجزيرة وكوباني وجبل الاكراد-عفرين ، كما توجد قرى كردية اخرى في اعزاز والباب ومنبج وتسكن مجموعات منهم في مدن سوريا الداخلية مثل دمشق وحماة وحلب وفي مناطق اخرى كجبال العلويين وحوالي حلب وغيرها.
واذا كان مفهوما اندياح العديد من الكرد من قراهم باتجاه المدن الكبيرة بسبب انعدام فرص العمل ودخول الالة الى الزراعة التي تسببت – هي الاخرى – في زيادة البطالة ، فان بقاء الكرد في هذه المناطق والمدن والبلدات وحفاظهم على لغتهم وعاداتهم وعدم اندماجهم هو تأكيد أخرعلى أصالة وقدم الشعب الكردي وخاصة في مناطق منبج والباب وجبال العلويين التي ما يزال الكرد يشكلون نسبة كبيرة من سكانها  رغم اختلاطهم بأبناء القوميات الاخرى  والتغيير الديمغرافي الذي طالهم لاسباب متنوعة لامجال لذكرها الان ، 
لكن تحتل سياسة السلطة الحاكمة وموقفها من الكرد السبب الرئيسي لهذا التغيير. فالعالم الالماني كارستون نيبوهر والذي كلفه ملك الدانمارك في منتصف القرن الثامن عشر بالسفر الى الشرق والكتابة عن قبائله وشعوبه يؤكد عندما زار الجزيرة السورية عام 1764 قادما من بغداد والموصل في طريقه الى ديار بكر وحلب على وجود عشائر كردية صادفها في طريقه (اشيتي –شيشان –كيكي- دقوري ) ولازالت هذه العشائر الكردية تعيش في المنطقة منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا ، اما عفرين وكوباني فهناك العشرات من الشواهد التاريخية التي تؤكد على كرديتها بدءا من اسماء الجبال والوديان والقرى الى المقابر ومن دفنوا فيها .
بعد سقوط السلطنة العثمانية وضعت المنطقة الواقعة بين الضفة الغربية لنهر الفرات وكيليكيا وسوريا ولبنان ولواء اسكندرون تحت الانتداب الفرنسي بموجب اتفاقيتي سايكس- بيكو وسان ريمو  كان من نتيجتها  قيام حركة مقاومة شعبية قادها الكرد ضد الفرنسيين اعتقاداً منهم بانهم يدافعون عن ارضهم وبلدهم .
وفي 30 تشرين الاول 1921وقع الفرنسيون والاتراك معاهدة صلح منفردة بتوقيع المفوض الفرنسي فرانكلين-بوبون لرسم الحدود السورية التركية دون أن يكون للكرد والعرب أي شأن او دور في رسمها ، واجبروا على التشارك والعيش معا دون ارادتهم وصار مصيرهم مشتركاً وهمهم واحداً فترك قسم من العرب داخل كردستان تركيا وضم القسم الشمالي من الجزيرة وعين العرب وجبل الاكراد- عفرين الى الدولة السورية الجديدة بعد ان اسقطت معاهدة سيفر واودت بأحلام الكرد وانهت الحرب بين فرنسا وتركيا واعترفت بها ، وظهرت نتيجة لهذه الاتفاقية ما يمكن تسميته “بالقضية الكردية “.
وكان في النتيجة تشديد النضال الكردي ضد الفرنسيين الذين صاروا حكاما لمناطقهم ، ففي الجزيرة اشتبكوا مع الفرنسيين في بياندور، وقتلوا الضابط الفرنسي روغان ، وفي عامودا قام سعيد اغا الدقوري بحركة مناهضة للفرنسيين جذبت العشائر الاخرى ايضا ، وفي عفرين اتخذت المقاومة طابعا عنفياً مسلحا ، لطبيعتها الجبلية وملائمتها للعمل المسلح ، وبقيت المقاومة مستمرة ولم تكن بمعزل عن نضال الشعب السوري  في حلب ودمشق ، حيث كانت تربط ابراهيم هنانو علاقات طيبة مع زعماء الكتلة الوطنية كسعد الله الجابري وشكري القوتلي وفاتح المرعشي وغيرهم حتى تم الاستقلال لسوريا عام 1946،  وخلال كل هذه الفترة لم يطرح الكرد اية مطالب قومية تخصهم ، بل كل ما كانوا يطمحون اليه هو طرد الفرنسيين واقامة نظام وطني يعيش تحت سقفه الجميع دون اضطهاد او تمييز، وبعد الاستقلال ومع تنامي الشعور القومي العربي، ونشوء الاحزاب الايديولوجية وانتشارها وتزامنها مع نهوض الحركة الثقافية الكردية تشكلت جمعيات ثقافية كردية تعنى بنشر العلم والثقافة كالجمعية الثقافية في جبل الاكراد التي اسسها كل من رشيد حمو –ابراهيم قادر- شوكت حنان وجمعية وحدة الشباب الديمقراطيين الكرد في الجزيرة عام 1953 وجمعية احياء الثقافة الكردية برئاسة ابو اوصمان في دمشق عام 1955 التي كان هاجسها تشكيل حزب سياسي تجسد لاحقا عام 1957في تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وجمعية الثقافة والتعاون الكردي برئاسة نوري ديرسمي ، وجمعية ازادي التي اسسها الشاعر الكبير جكرخوين بعد خروجه من صفوف الحزب الشيوعي السوري 
وبتاريخ 14 حزيران عام 1957عقد كل من عثمان صبري –محمد علي خوجة- رشيد حمو-خليل محمد- شوكت حنان –حميد درويش- حمزة نويران اجتماعا اعلنوا فيه عن تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ثم انضم الى اللجنة المركزية فيما بعد كل من الدكتور نور الدين ظاظا ومحمد عيسى ، ثم قررت فيما بعد جمعية وحدة الشباب الديمقراطيين حل نفسها وانضمامها الى الحزب ، والذي كان من شأن هذا القرار ان يكون له تأثير كبير على انتشار الحزب في منطقة الجزيرة ، ورغم تأسيس الحزب ، اتسمت العلاقة الكردية-العربية بالإيجابية  وشهدت المرحلة تطورا ديمقراطيا وحرية نسبية ، فتم تمثيل الكرد في المجلس النيابي دون عوائق ، وكانت المنشورات والكتب تطبع دون مضايقات ، وتبوأ الكرد المناصب ابان حكومة حسني الزعيم . لكن بعد تصاعد التيارات القومية العربية  وظهور حزب البعث بزعامة ميشيل عفلق ، والاشتراكي بقيادة اكرم الحوراني ، وتوحدهما تحت اسم ” حزب البعث العربي الاشتراكي ” وبروز التيار الناصري في مصر والوحدة السورية المصرية عام 1958 ، انقلبت الامور واختلفت الاوضاع ، فتم التضييق على الحريات،  واتهم الحزب الكردي بسلخ جزء من اراضي الدولة السورية والحاقها بدولة اجنبية ، وظلت هذه التهمة سارية حتى قيام الثورة السورية عام 2011.
لقد عملت حكومة الوحدة في مواجهة حلف بغداد على اثارة الكرد على دولهم لخلق مشاكل داخلية لتلك الدول،  ومنعهم من “التآمر ” على الجمهورية المتحدة ، ولذلك فتحت حكومة الوحدة اذاعة في القاهرة بثت برامجها بالكردية موجهة الى الكرد في دول الحلف وخاصة تركيا ، تدعوهم فيها الى الثورة والتمرد ، وقام المكتب الخاص لنائب رئيس الجمهورية عبد الحميد السراج بعقد لقاء مع الحزب الديمقراطي الكردي ، طلب فيه من الحزب توجيه نشاطه الى كرد تركيا ، ووعدهم بتحسين اوضاع كرد سوريا ، وفتح اذاعة باللغة الكردية لمدة ساعة يوميا ومنح الحزب حرية العمل السياسي ، لكن الطرفان تنصلا من اتفاقياتهما نظراً لعدم تمكن الحزب من القيام بما طلب اليه ، وبقاء نشاطه محصوراً بين كرد سوريا ، ومارست حكومة السراج الازدواجية في موقفها تجاه الكرد ، ففي حين كانت تدعم حكومة الوحدة كرد الخارج ، كانت تمنع طباعة الكتب والمنشورات الكردية وممارسة النشاط الثقافي في الداخل وتفرض الحظر على نشاط الحزب السياسي وعلى بقية الاحزاب الاخرى ، بما فيه الحزب الشيوعي السوري مما دفع الحزب الى اتخاذ موقف سلبي من الوحدة نفسها .
بعد مشاركة الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق ، في القضاء على حركة التمرد التي قام بها عبد الوهاب الشواف عام 1959ضد حكومة عبد الكريم قاسم ، انقلب عبد الناصر على كرد الجمهورية المتحدة ، وقام بالانتقام منهم،  لتأييدهم  نظام قاسم وتعاطفهم مع الخالد ملا مصطفى البارزاني ، فقامت الصحافة بنشر مقالات ضد الكرد واصفة اياهم بالشمولية تارة وبالطابور الخامس تارة اخرى ، ومهدت هذه الحملة للاعتقالات ومداهمة البيوت واشاعة الخوف والذعر، ومحاسبة كل من يحمل كتابا كرديا او يستمع الى اذاعة بغداد او ييريفان حتى وصلت الامور الى منع الكرد من الصلاة في الجوامع .
وفي صيف 1960 قامت السلطة باعتقالات واسعة في صفوف الحزب الديمقراطي الكردي وانصاره للحد من انتشاره وبث الرعب في قلوب من يود الانضمام اليه ، الامر الذي زاد من حجم القوى التي ناوئت الوحدة بسبب الاجراءات القمعية والحد من الحريات العامة ، وهو ما دفع ان يقوم الضابط حيدر الكزبري المدعوم من الجيش القيام في ايلول 1962 بحركة انفصالية اطاحت بالوحدة ، ولاقت هذه الخطوة تأييدا من الكرد انفسهم  بسبب سياسة الاضطهاد التي مارستها حكومة الوحدة تجاههم ، مما دفع حسن حاجو الى تشكيل وفد برئاسته ، والطلب من سلطات الانفصال بتغير السياسة التعسفية تجاه الكرد ، وتحسين اوضاعهم الاقتصادية ، والمساواة بينهم وبين باقي المواطنين في الحقوق والواجبات .
عمدت حركة الوحدة بعد الانفصال الى توجيه الانظار والانتقام من الكرد الذين رحبوا بها فعمدوا الى خلق مشكلة كردية تهدد امن الوطن وتعرض اراضيه للخطر،  وتوجه النضال ضدها ، وقد ساعد  قيام الثورة الكردية في العراق واتهامها بالانفصالية ، اضافة الى الدعم والتأييد الذي لاقته من كرد سوريا  في تنامي هذا الخطر في اذهان القومجيين العرب الذين استغلوا هذا التأييد في اتهامهم لكرد سوريا بالنزعة الانفصالية ، واقتطاع جزء من الاراضي السورية والحاقها بكردستان العراق ، رغم ان مطالب الثورة لم تكن تنادي الا بحكم ذاتي كردي في اطار عراق ديمقراطي، وافتعلت الخطر الكردي من خلال تسلل كردي مزعوم من تركيا الى الجزيرة بغرض تغيير معالمها وتشكيل اكثرية كردية فيها ، ولذلك عمد النظام في 23 اب عام 1962 الى اصدار مرسوم يقضي بإجراء احصاء خاص لسكان الجزيرة وليوم واحد نتج عنه تجريد 120 الف مواطن كردي من جنسيتهم ، واعتبارهم اجانب في محافظة الحسكة ، واسقطت عنهم كافة الحقوق المتعلقة بالجنسية ، وسجلوا في السجلات العامة باسم اجانب الحسكة .
في 8 اذار 1963 قام حزب البعث الاشتراكي بالتعاون مع القوميين العرب بانقلاب عسكري اطاح  بحكومة الانفصال ، وسرعان ما حل البرلمان وفرض سيطرة الحزب الواحد ومارس سياسة سلبية تجاه الكرد ، اتسمت بالتشدد والتصعيد واتخاذ المزيد من الاجراءات القمعية والاجراءات الاستثنائية والعنصرية ، فقد كلف رئيس شعبة الامن السياسي في محافظة الحسكة محمد طلب هلال بإعداد دراسة عن الكرد من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية صدرت عام 1963 ، عبرت بوضوح عن العقلية الشوفينية والعنصرية تجاه الكرد ، وكان من نتائج هذه الدراسة اقامة حزام امني عربي ،  هدفه فصل كرد سوريا عن كرد تركيا والعراق ، على طول الحدود السورية التركية ، بدءا من ديريك وحتى سري كانيه(رأس العين) في الغرب ، وبعمق 10-15 كم ، ونتيجة لذلك صادرت السلطة اراضي الفلاحين الكرد الواقعة ضمن هذا الحزام ووزعتها على عناصر عربية استقدمتهم من منطقة الغمر في محافظة الرقة واسكنتهم في قرى نموذجية مجهزة بكل الاحتياجات . 
لم تكتف سلطة البعث بهذا الاحراء بل منعت التكلم باللغة الكردية وفرضت الحظر على اللغة والثقافة الكردية ،  ومنعت تسجيل الولادات بأسماء كردية ، اضافة الى النقل التعسفي وفصل الطلاب من المدارس والجامعات ، وعدم السماح لهم بالدراسة في الاختصاصات العليا ، ونيل شهادات الدكتوراة كما جرى معي بعد تخرجي من الجامعة ،  لكن الامن السياسي لم يوافق على قبولي لأني كردي ، وكان من تداعيات هذه السياسة الشوفينية والعنصرية نشوء ازمة ثقة بين الكرد والسلطة ،  نتيجة شعور الكرد ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية ، بينما كانت تنظر اليهم السلطة كعناصر دخيلة وغير مخلصة ولديهم نزعات انفصالية .
بعد قيام حافظ الاسد بالانقلاب عام 1970 والتي سماها بالحركة التصحيحية ، بادر الكرد في سوريا الى تقديم الدعم والمساندة ، خاصة ابان الثمانينات وتمرد الاخوان ، ووقفوا مع السلطة بغية تصحيح الاوضاع ورفع الظلم والاضطهاد الواقع على رقابهم ، او الحد منه ، لكن لم يحصل شيئاً من  ذلك ، حيث بقي الحزام العربي ، وبقيت مشكلة الاحصاء قائمة ، رغم كل المناشدات والمطالبات ، وسلمية ممارستها ، وبقي مرسوم اللغة الكردية اضافة الى القوانين الشوفينية والعنصرية الاخرى ، رغم  غض النظر عن عمل بعض الأحزاب الكردية التي كانت تدور في فلك السلطة  ،معتمداً على دس العملاء والجواسيس داخل الحزب الكردي ، منعا من تضخمه وجماهيريته، واستخدامه حين الحاجة ، لتمييع وتفتيت الحركة السياسية الكردية ، ورغم ان البعض كان يطمح للمشاركة في جبهة النظام الوطنية والتقدمية التي انشأها الاسد ، الا ان شيئا من ذلك لم يحصل ، ومع مجيئ الاسد الابن للسلطة وعدم معالجته للوضع الكردي المتعفن والمستعصي ، خابت امال الكرد في الحكم الجديد ، وقاموا بالعديد من الاعتصامات والمظاهرات، التي طالبت بالاعتراف بالحقوق القومية الكردية ومساواتها مع العرب في الحقوق والواجبات ، والغاء القوانين الاستثنائية ، والاجراءات التمييزية بحقهم ،فجاءت انتفاضة 12 اذار التي سلطت الاضواء على المظالم الكردية  والتي راح ضحيتها اكثر من 30 شهيداً .
لقد بقي الكرد رغم كل ما اتبع بحقهم وجرى من ممارسات عدوانية شوفينية وعنصرية،  كجماعة قومية متميزة بهويتها الثقافية ، ونمط حياتها الخاص ، وطقوسها القومية وعاداتها الاجتماعية ، ولم تستطع كل تلك الممارسات والاجراءات ان تحد من حلم الكرد في رؤية كردستان حرة مستقلة .
و مع انطلاق شرارة الثورة السورية ، انخرط الكرد فيها ، وظهرت تنسيقيات شبابية في كافة المناطق والبلدات الكردية ورفعت اعلام الثورة ، لكن الاحزاب الكردية تعاملت مع الثورة بحذر شديد ، وبقيت مترددة بسبب طبيعة النظام ، وانعدام الثقة بالمعارضة ، التي بقيت متفرجة في 2004 ، وضمت احزاب الحركة الوطنية الكردية معظم الاحزاب الكردية التي تعمل في كردستان سوريا ، حيث قدمت مبادرة وعملت على عقد لقاء في الهلالية بتاريخ  11/5/2011  دعت فيها بشكل اساسي الى “تجنب اللجوء الى العنف، والسماح بالاحتجاجات السلمية والحوار بين القوى المختلفة والدعوة الى عقد مؤتمر وطني شامل دون هيمنة، يتم فيه وضع دستور يلغي الامتيازات ويعترف بالتعددية القومية والسياسية ، اضافة الى حل القضية القومية للشعب الكردي على اساس الاعتراف الدستوري لوجوده القومي، كمكون رئيسي في اطار وحدة البلاد ”  وسرعان ما تطورت الاحداث والمواقف وتبلورت في الخط الثالث الذي التزمت به حركة المجتمع الديمقراطي على اساس عدم الدخول في الصراع الدائر بين السلطة والمعارضة والوقوف على الحياد، والالتزام بحماية المناطق الكردية ، واستفادت من ضعف النظام وانسحابه لأسباب تكتيكية من بعض المناطق ، بالتزامن مع احياء العلاقة القديمة القائمة ، فقام بتأسيس مجلس غرب كردستان وبناء قوات عسكرية،  سميت بوحدات الحماية الذاتية وحماية المرأة ، التي وضعت يدها على السلاح الذي تركه النظام ، كما قامت هذه الوحدات بتزويد نفسها بالسلاح ، عن طريق التهريب والشراء من الاسواق المجاورة ، وأقامت المؤسسات الاجتماعية والثقافية ، واعلنت عن قيام الادارة الذاتية  الديمقراطية في 21-2-2014 بمشاركة رمزية لبعض المكونات الاخرى من عرب وسريان ، بسبب ولائها للسلطة وارتباطها بمؤسساتها الامنية ، التي حالت دون انخراطها الجدي  في مؤسسات الادارة ،  وقامت هذه الادارة بوظائف الدولة ، من تخطيط وتشريع وتنفيذ ، واحتكار وسائل العنف والقمع من اسايش وجمارك وسجون ، ثم تطورت لتعلن عن فيدرالية روجافا- شمال سوريا بعد السيطرة على مناطق كري سبي(تل ابيض)  والشدادي والشهبا وتل حميس ..الخ ، واستبدلت التسمية مؤخرا لتصبح فيدرالية شمال سوريا التي تنتظر الاعلان قريبا ، بعد عقد جنيف 5 بعد ان استبعدت حركة المجتمع الديمقراطي من حضوره ، رغم انخراطها في التحالف الدولي ضد الارهاب .
اما الاحزاب الكردية الكلاسيكية التي باتت تعرف باحزاب 57 وما اشتق منها ، فقد قامت بتأسيس المجلس الوطني الكردي في 26-10-2011 الذي اكد في مؤتمره على ان ” ما جرى من ازمة وطنية متفاقمة يتحمل مسؤوليته النظام “، واكد ” بان انهاء الازمة في البلاد يمر من خلال تغيير النظام الاستبدادي الشمولي ببنيته التنظيمية والسياسية والفكرية ، وتفكيك الدولة الامنية ، وبناء دولة علمانية ديمقراطية تعددية برلمانية ، وعلى اساس اللامركزية السياسية ، بعيداً عن العنصرية ، دولة المؤسسات والقانون التي تحقق المساواة في الحقوق والواجبات لكل المواطنين وتحول دون عودة أي شكل من اشكال الاستبداد والشمولية ” وادعت ” تمثيلها للمشروع القومي الكردي ” .    
ولذلك تحالفت مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراق ، والذي يترأسه السيد مسعود البارزاني وتحت الضغط الامريكي ، وممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي ، واستفراده بالساحة الكردية انخرط المجلس الوطني الكردي في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ، عبر وثيقة موقعة بين الطرفين في27/8/2013 تضمنت 16 بندا ، نصت في بندها الاول على ” تأكيد الائتلاف التزامه بالاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية واعتبار القضية الكردية جزءا اساسيا من القضية الوطنية والديمقراطية العامة في البلاد ، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن اطار وحدة سوريا ارضا وشعبا ً ، وقد تحفظ المجلس الوطني الكردي على الفقرة التي تقول باعتماد اللامركزية الادارية كشكل للدولة السورية من البند الثالث ، لأنه يرى بان افضل صيغة للدولة السورية هي صيغة دولة اتحادية  … و لم تستطع الخطوات الاخيرة للنظام باستمالة الكرد وادراجهم الى جانبها ، رغم اعادة الجنسية لمن حرم منها بموجب احصاء عام 1962،.
 كما ان موقف وسلوك المعارضة السورية التي سلكت مسلكا عدائيا برفض الاعتراف الدستوري بحقوق الكرد ، وازالة العروبة من اسم الدولة ومن هويتها بالإضافة الى فصل الدين عن الدولة – ساهمت هي الاخرى – بازدياد الهوة بين الكرد والمعارضة ، وعدم انخراطهم بالشكل المطلوب في صفوفها ، وبالتالي فأن حل القضية الكردية السورية مطروح في الزمن الحالي كقضية سورية يجب حلها حلا واقعيا كقضية شعب يعيش على ارضه ، وليس كاقلية مهاجرة ، كما يحاول البعض من المعارضة تصويره في ادبياتها واعلامها وهي قضية كردستانية ، عندما يأتي الزمن التاريخي الذي يجعل من كردستان دولة موحدة كما كانت- منذ مئات السنيين – والى ان يأتي ذلك الزمن ليس لدى الكرد السوريون سوى العيش والانخراط في اطار الدولة السورية والعمل جنبا مع جنب مع كل القوى الوطنية والديمقراطية لتحقيق دولة المواطنة المتساوية بإطلاق بغض النظر عن العرق او الدين او الجنس .
ان القرن الواحد والعشرين هو قرن تفتت الدول،  مثلما كان القرن العشرين قرن توحدها ، لان الحركات المطلبية والاقلوية الداعية الى حقوق الانسان والقوميات ، بدأت تتكاثر في كل مكان وتتغلغل في بنية المجتمعات المدنية ، الامر الذي يضع الاساس القومي الاكثري للدول محل تساؤل واستنكار .
ان معالجة هذه المشكلة لن يتم الا بالاعتراف بحقوق المكونات واحترام حقوق الانسان والمواطنة وهو ما تفتقده اغلب الدول القائمة ، وما حصل في سوريا يأتي في هذا الاطار، وكما قال بطرس غالي الامين السابق للأمم المتحدة ( اذا طالبت كل مجموعة عرقية او دينية او لغوية بأن يكون لها وضع الدولة فلن يكون هناك حدا للتفكك كما ستتزايد باستمرار صعوبة تحقيق السلام والامن والرفاهية الاقتصادية ، وهناك مطلب واحد لحلول هذه المشكلات يكمن بالالتزام بحقوق الانسان) ولو نظرنا الى خارطة العالم فسينتابنا قلق مشروع على تردي اوضاع حقوق الانسان في الكثير منها، لتمادي حكوماتها في خرق المواثيق والمعاهدات الدولية رغم كل التقارير الصادرة .
أخيراً يمكن القول بان الديمقراطية وحقوق الانسان صنوان لا ينفصمان ، فبقدر ما تتعزز الديمقراطية ، تنتعش حقوق الانسان وتزدهر،  واليوم تحاول القضية الكردية التخلص من احتلالاتها و من سيطرة الاخرين عليها ، لا بل تطمح الى ان تتحكم هي ذاتها في تقرير مصيرها و تحتفظ بهويتها  – استفتاء اقليم كردستان في 25-9-2017 – استقلال كتالونيا وهو ما كفلته كل القوانين والشرائع الدولية وما مارسته كل الشعوب والاقليات الدينية والمذهبية لان المفارقة الملفتة بان حقوق الاقليات والمجموعات هي اقل من حقوق الافراد ، الا اذا كانت هذه المجموعات تعيش على ارضها وداخل دولها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…