م.محفوظ رشيد
وضع حجر الأساس للتحالف الشيعي الكوردي في العراق الشيخ محمود الحفيد عندما آزر مع مجموعة من مسلحيه ثورة العشرين في الجنوب ضد البريطانيين، والذي كان أحد الأسباب في اغضابهم وانهائهم لحكمداريته في السليمانية، وتوطد عرى التحالف عندما حرم المرجع الامام محسن الحكيم قتال الكورد عام 1965، ثم تجدد التحالف على يد شهيد المحراب باقر الحكيم أثناء اقامته في مدينة قم الايرانية والرئيسين البارزاني والطالباني في 1991 عندما اتفق الطرفان على الشراكة الحقيقية في حكم العراق وفق دستور ديموقراطي يحقق الاتحادية والتعددية مع منح حق تقرير المصير للكورد بتشكيل ادارة ذاتية ذات صلاحيات واسعة في كوردستان قابلة للحياة والتطور، والذي كان شرطاً وضماناً وبديلاً شجع دول الحلفاء بقيادة أمريكا لاسقاط نظام صدام.
لم يدم التحالف المفترض طويلاً بعد استقرار الوضع نسبياً في العراق، فقد دخلت ايران بقوة على الخط وتغلغلت في مفاصل الدولة العراقية عبر مرجعياتها الدينية وقادة أحزابها السياسية ومجاميعها العسكرية بخطاب ديني ونفس طائفي طغيا على الشعور الوطني العراقي والانتماء القومي العربي، إلى أن أصبح العراق بمجمله أسيراً لسياسات إمام الفقيه ورهناً لأجندات ايران اقليمياً ودولياً، وجزءاً من المشروع الشيعي التوسعي، فأسست جيوشاً وعصائباً وفيالقاً تأتمر بأوامرها بواسطة قيادات عراقية متنفذة في السلطة العراقية كالمالكي والجعفري والعبادي..رؤساء الحكومات المتعاقبة، فعطلت الدستور وشلت العملية السياسية ورهلت المؤسسات الحكومية، ولجمت التطلعات النهضوية لدى مختلف أطياف وشرائح الشعب العراقي، فأقصت العرب السنة وهمشت دورهم وصفت قادتهم، ثم أدارت ظهر المجن للكورد فأثارت الخلافات بين هولير وبغداد وحاربت كوردستان اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً، غايتها نسف التجربة القائمة واحتواء العراق مع الاقليم الفدرالي وفرض نموذجها نظام الملالي وولاية الفقيه عليه.
استغلت ايران الوضع المضطرب والمتأزم بسبب ظهور داعش الارهابية في العراق والمنطقة، وانشغال العراق بمكافحتها كمهمة وطنية أساسية للعراق، وكذلك دول التحالف التي أصبحت محاربة داعش الشغل الشاغل لها بقيادة أمريكا، والتي غضت الطرف عن تجاوزات ايران الاقليمية مقابل الحد من قوتها النووية المتصاعدة وشدة خطورتها المستقبلية على أمنها ومصالحها، وكذلك ضمن التفاهم التكتيكي(بين ايران وأمريكا) لتنفيذ خططها ومشاريعها الاستراتيجية في المنطقة، وهذا ما منحت الفرصة لايران لتحصين مواقعها وتقوية نفوذها وصلت إلى حد اتخاذ قرار الحرب والسلم بدلاً عن العراقيين والزام سلطاته بتنفيذه.
ففي اطار سياسة تصدير الثورة والتشيع والتمدد على الأرض لبناء الهلال الشيعي الواصل إلى البحر المتوسط ثم البحر الأحمر، وزعزعة الأمن والاستقرار في بلاد الشام والخليج العربي، وكذلك في سياق التنافس مع العرب والترك واسرائيل للسيطرة على المنطقة، والحد من نفوذ أمريكا واعاقة مشاريعها المقترحة فيها، وإثبات وجودها كلاعب أساسي في رسم خارطتها وتقرير مصيرها، أقدمت على غزو كركوك وبعض المناطق الكوردستانية (بذريعة اجراء الاستفتاء على استقلال كوردستان) بغطاء الحكومة العراقية وتنفيذ الحشد الشعبي الشيعي الممول والمدرب والمشكل من قبل ايران بقيادة قاسم السليماني، وذلك لخلط الأوراق ونسف الاتفاقات الدولية وفرض الأمر الواقع.
غزو كركوك كان بمثابة المسمار الأخير في نعش التحالف الكوردي –الشيعي العراقي، وطلقة الرحمة في الكيان العراقي المستقل، ووضع القوى العراقية الوطنية والمجتمع الدولي أمام مسؤولياتهم وواجباتهم، للحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وحث الحكومة العراقية المركزية على الالتزام بالدستور والحفاظ على السيادة الوطنية وحماية العملية السياسية، لاعادة الأوضاع إلى أحوالها الطبيعية، والعودة إلى الحوار الوطني تحت سقف الدستور.
ومن أهم الأمور المستعجلة هو الحض على وقف العمليات الهجومية على كوردستان فوراً، واعادة الأمور إلى سابق عهدها وتوفير الأمن والهدوء فيها، وتسهيل عودة المهجرين منها وتعويض المتضررين من الأعمال التخريبية التي ارتكبتها قوى الحشد الشعبي ومعاقبة المسؤولين عنها، والجلوس على طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة لحل جميع الخلافات والمسائل العالقة كتطبيق المادة 140 والميزانية ورواتب البشمركة وملف النفط والغاز وغيرها.
إن تجاهل حكومة العبادي لأهمية التحالف الكوردي- الشيعي (الضمان للحفاظ على العراق حراً سالماً وآمناً) والتفريط به سيعيد العراق مجدداً إلى حالة الحروب والصراعات والأزمات والكوارث، وبالتالي فتح المجال أمام التدخلات الخارجية من جديد وفرض أجنداتها على حساب الشعب العراقي بمختلف مكوناته، والقوى الدولية العظمى على دراية واطلاع بتحركات العبادي المكوكية الخلبية بين العواصم الاقليمية والغاية منها، فحلول تلك العواصم لاتزيد الأزمة إلا تعقيداً وتفاقماً.
– 28/10/2017
————— انتهى —————