شريف علي
المشهد الشرق أوسطي شهد في الأسابيع القليلة الماضية تطورات حادة ومفصلية في مسيرة الأحداث والصراعات القائمة ذات الأطراف المتعددة الإقليمية منها والدولية هذا ناهيك عن المحلية، حيث تدور رحاها ضمن حدود البلد الواحد.
أبرز تلك التغيرات كانت الاستفتاء على استقلال كوردستان الذي تم بإجماع كوردستاني ،ومن ثم انهيار الدولة الداعشية بتحرير مدينة الرقة السورية التي اعتبرتها عاصمة للدولة ، التي كانت تبسط بنفوذها على مساحات شاسعة من سوريا والعراق ، في حين كان اجتياح كركوك من جانب القوات العراقية والحشد الشعبي بقيادة وإشراف ضباط وقادة الحرس الثوري الإيراني الحدث الأكثر تأثيرا في مجريات الأحداث لما له من تداعيات على مستقبل المنطقة وأمنها واستقرارها.
لا شك أن سقوط الدولة الداعشية كان محل أتفاق عالمي وإقليمي على أقل تقدير ظاهريا رغم البروز الواضح في الصراع على تركتها ،لكن يبقى الحدثين الأكثر أهمية ( الاستفتاء و اجتياح كوردستان) والمحددان لمستقبل المنطقة ومصير شعب كان له الدور الفاعل والمحوري على الأرض في وضع نهاية للحدث الأول، تلك الأهمية جاءت نتيجة التباين في وجهات النظر إليها و إلى النتائج المترتبة عليها، بين الداخل الكوردستاني،والمحيط الإقليمي والدولي الذي عزا حدث الاجتياح إلى حدث الاستفتاء والذي جاء بقرار كوردستاني مستقل رغم المحاولات الإقليمية والدولية لتعدل القيادة الكوردستانية عن قرارها.
الأحداث التي شهدتها العراق و كوردستان في أعقاب عملية الاستفتاء أكدت صواب القرار الكوردستاني في التمسك بتوقيت الاستفتاء والإلتزام بذلك التوقيت في إجراء الاستفتاء، والتأكيد لم يكن نابعا من الفراغ أو السير بالشعب الكوردي إلى الهاوية بقدر ما كان انعكاسا لبعد نظر ثاقب وقراءة دقيقة للمشهد السياسي والميداني للمنطقة من جهة، لقد كان القرار من جانب القيادة الكوردستانية المتمثلة بالرئيس بارزاني ضمانة محصنة دولية للحق الكوردي المشروع في ظل التحضيرات العدوانية من جانب المحيط الكوردي، وحتى من الداخل الكوردستاني، وبموافقة ضمنية، وتوجيه من جانب قوى عظمى بدت تبدي التخوف على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة من خلال إعادة النظر في موازين القوى داخل العراق.خاصة وأن القرار نال رضا وتأييد المجتمع الكوردستاني برمته الذي عبر بذلك من خلال تظاهرات الدعم والمساندة الهائلة التي شهدتها كوردستان قبيل عملية الاستفتاء ،للقرار الرئاسي لدرجة أن وضع الرئيس بارزاني القرار بيد الشعب بعد أن رأى فيه القدرة على ترجمته عمليا على أرض الواقع مهما عظمت التحديات ، وهو لم يكن مخيبا في توقعاته عندما حل الخامس والعشرين من شهر أيلول المنصرم ليقول قرابة الـ93% من الشعب الكوردستاني نعم لاستقلال كوردستان وبشهادة مراقبين دوليين، مما شكل قفزة نوعية على الطريق باتجاه الهدف الكوردي المتجسد بالدولة الكوردستانية ، ورد قاطع على المراهنين على فشل الاستفتاء وبالتالي فشل المشروع القومي الكوردستاني .
وإذا كان القرار بإجراء الاستفتاء صائبا فإن إجراءه في الوقت المحدد كان أكثر صوابا على ضوء ما شهدتها المناطق الكوردستانية التي تم تحريرها بعد أن سلمتها الحكومة المركزية لميليشيات الدولة الإسلامية منذ 2014،وما كان مخططا له في دوائر الاستخبارات الإقليمية والعالمية التي تتقطع مصالحها في بغداد، تلك التي مارست شتى الضغوطات على القيادة الكوردستانية للعدول عن قرارها بإجراء الاستفتاء في التوقيت المحدد له بغية كسب الوقت ريثما تنفذ الخطوة الاحتلالية لبغداد ودعم وإشراف مباشر من جانب إيران ،وتحت يافطة فرض الدستور خاصة للمناطق الغنية بالنفط والغاز ( كركوك تحديدا) وبالتالي عدم إمكانية إجراء الاستفتاء في تلك المناطق الممتدة من خانقين حتى سهل نينوى وربيعة بما يثبث لبغداد حق الإدعاء بعدم كوردستانية تلك المناطق .بهذا يكون قرار إجراء الاستفتاء في الوقت الذ حدد له من جانب القيادة الكوردستانية انجازا ومكسبا جديدا يضاف إلى مكتسبات الشعب الكوردستاني ، وفوتت بموجبه الفرصة على بغداد ومن ورائها إيران في شرعنة استقطاع مناطق كوردستانية .