ابراهيم محمود
بالمفهوم النفسي، حين يكون أحدهم قابلاً لتجسيد كل المواقف الذميمة، يعني أنه موجود بها، وأن ليس في مقدوره الاستتابة أو التحرُّر منها، لأنها أصبحت علامة وجوده. بالمفهوم النفسي، حين ينبري مَن حوله وهو يحوّل كل مذمَّة إليه: ويثقِله قبحاً وقدحاً، كلما شعر بحاجة إلى ذلك، يعني أنه موجود بهذه النعوت المحوَّلة. هذا التشطير ” القدري ” الموجه، يعرّف بمن يعانون أزمة معرفة ذاتية خانقة وصعوبة تحرر من وهْم أن الآخر مصدر كل ” الموبقات “. راهناً، يبرز الكرد في دور غير مسبوق جهة تحميل هذه النعوت، والذين استنفروا عليه حتى عالم الغيَب، لم يعد في مقدورهم المضي أكثر من ذلك .
من يتابع تداعيات استفتاء إقليم كردستان إعلامياً وفي الصحافة اليومية في المنطقة وأبعد منها، يتلمس مثل هذا ” السعار “، كما لاحظت ذلك من خلال متابعة عشرات الصحف العربية ذات الصيت ولأيام وأيام وحتى الآن هنا وهناك، عدا قنوات التلفزة العربية. إن ما أثير حول الكرد يملأ مجلدات بالكامل وبعناوين مختلفة في هذه المدة الزمنية القصيرة، فهم مغضوب عليهم من خالقهم ومن البشر أجمعين، بدءاً من التوليفة المزيفة عن أن الكرد مصدر الشرور وقبيحون استناداً إلى رواية فارسية، أو عربية مختلقة، باعتبارهم أهل الشر، إلى ما أسنِد إليهم من أدوار وصفات: غير ناضجين، إمَّعيون، عملاء، خونة، ضعاف، لا كلمة جامعة لهم…الخ.
أليس التفكير في جوهر هذه التوجهات اعترافاً بقدرة هذا الشعب المجزَّأ من قبل أعدائه الذين لم يكفّوا عن تمزيقه وإنما تمادوا في تحميل كل وزر جار في المنطقة، بقدرته على أنه خلاف المتردد عنه ؟
المسلمون” هذا إذا كان الجمع دقيقاً في وحدته ” يذبحون بعضهم بعضاً، يتآمرون على بعضهم بعضاً، يستبيحون أعراض بعضهم بعضاً، يتوعدون بعضهم بعضاً، يمثّلون بمعتقدات بعضهم بعضاً، يدعون على بعضهم بعضاً في المعتبَر ” بيت الله ؟ “، ويتحالفون مع أعدائهم الأبعدين للتخلص من أعدائهم المزمنين وهم أخوتهم في الدين ؟ لا بد أن الكرد هم السبب في كل ذلك، وعندما يثيرون عن أن الجاري يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة المنزوعة الأمان منذ زمان وزمان، ويؤدي فعلهم إلى فتنة بين المسلمين، وتلك من أكثر النكات إثارة للسخرية وتعريفاً بسخف القائلين بها وعلى أعلى مستوى.
ينادمون اسرائيل : ابنة العم التاريخية دينياً، يقيمون علاقات معها، يحتفون بها واقعاً، يبدأؤون صباحهم برؤية علمها، أو لا تفارقهم صورته، ويعبّدون كل يوم طريقاً جديداً إلى عاصمة اسرائيل غير مصدقين أنهم يصافحون بنيها، سوى أن تهجئة الكردي لإسرائيل مبعث فتنة، وأن حمْل علم إسرائيلي من قبل كردي” وهم يعرفون السبب “، أمر حرام، لأن ذلك امتياز أولاد عمها وبنات عمها، وأن أي مصافحة لإسرائيلي من قبل كردي مستهجنة، وأن أي إسرائيلي إذا ذكر كردياً ولو لغاية في نفسه، فثمة تحضير لمؤامرة، واستعداد لتفجير وضع، وكأن العالم الإسلامي؟ بخير، والأمم الثلاث: العربية، الفارسية، والتركية بخير.
وما زال التصعيد ماضياً، واستهلاك العبارات التي أكل عليها الدهر وشرب ماضياً، لأن ليس هناك من مسعى إلى الخروج من هذا الشرَك المنصوب ذاتياً ومن قبل أولي أمر قادة هؤلاء المتربصين بالكرد الدوائر.
ويعلِمنا التحليل النفسي لظاهرة مركَّبة كهذه لعقل جمعي تصل ما بين أمم مرهونة أنظمة مستبدة بشعوبها في المنطقة وأبعد ومن خلال ثقافة ما دون أحادية الجانب كذلك، يعلمنا عن أن مغزى هذه الظاهرة مؤداه استفحال النخر القيمي في الذين يمثّلونها، وأن هذا الاستفحال طغى وتجبَّر إلى درجة أن هناك انتشاء به من قبل هؤلاء، وأن الاعتقاد بأن المزيد من تحويل طغيانهم واختلالاتهم وعجزهم عن رؤية الجاري في العالم، ورؤية صورهم الفعلية، هو ضمان بقائهم، وبالتالي، فإن المحقَّق في هذا ” الثبات القيمي ” هو أن ينهي هذا النخر صاحبه ذاتياً.
أليس التخبط الذي تعيشه دول المنطقة التي تتقاسم كردستان، وتتكاتف من أجل تصفيتها تعبيراً عن هذا الاستفحال؟
أم تراها كتابة كهذه مرسَلة بإيعاز من جهة خارجية ومدفوعة الأجر ؟
دهوك- 12-10/ 2017