أحمــــد قاســــــــم
منذ سقوط نظام الإستبداد في بغداد والشعب العراقي لم يرى نور الإنفراج والإستقرار والسلام.
لقد تم إسقاط نظام صدام حسين بفعل أمريكي تحت صمت إيراني إن لم نقل بموافقة حكامها ” وهي تحارب المصالح الأمريكية في المنطقة منذ إستلامها للحكم في طهران “.
لقد بدأت معارضة طهران ودمشق معاً للوجود الأمريكي في العراق عشية إسقاط الدكتاتورية, ودرجتا في حساباتهما على أن العراق أصبحت محتلة من قبل أمريكا تستوجب ” الجهاد ” من أجل تحريرها, وبالتالي, دعتا إلى إرسال المجاهدين من حل حدب وصوب لمحاربة التواجد الأمريكي في العراق, تحسباً أن ( الوجود الأمريكي على حدودهما يشكل خطراً على حكومتهما في إيران وسوريا ).
كانت في حقيقة الأمر, تُعِدُّ طهران عدتها لما بعد إسقاط نظام صدام حسين لتباشر بالتدخل بشكل مباشر في الشأن العراقي من خلال تمكين الشيعة الموالية إليها من جهة, ومن جهة إرسال ” المجاهدين ” إلى العراق بحجة محاربة ” الإحتلال الأمريكي ” لضرب الأمن و الإستقرار في العراق إعتقاداً منها, أن نجاح العملية الديمقراطية في العراق من خلال إرساء النظام الفيدرالي الذي تم تثبيت أسسه في الدستور عام 2005 سيهدد بقاء حكم الملالي في طهران وحكومة البعث في دمشق, وبالتالي, تعاونت كل من طهران ودمشق في العمل على ضرب التجربة العراقية وقطع الطريق أمام ساستها في الوصول إلى توافقات وإرساء النظام الديمقراطي ومن ثم بناء العراق الجديد من خلال دعم الإرهاب وإرسال الآلاف بإسم المجاهدين لإشعال حروب طائفية لزعزعة الثقة والتوافق بين مكونات الشعب العراقي من جهة, وتحشيد الشارع العراقي ضد الوجود الأمريكي الذي كان يعمل لنجاح تجربة الفيدرالية في العراق لتكون مثالاً تحتذى بها شعوب المنطقة في مواجهة الدكتاتوريات في الشرق الأوسط.
لقد هربت أمريكا أمام التدخل الإيراني وتركت العراق للمد الإيراني (الشيعي) لتكون الآمر الناهي لمستقبل العراق السياسي والطائفي. فلقد كان أي رئيس وزراء قبل أن يفوز بالمنصب عليه أن يأخذ المباركة من ولاية الفقيه في طهران, وكذلك الحقائب السيادية في حكومته يجب أن تمر على طهران قبل كسب ثقة البرلمان. وبالتالي, فلا يمكن أن تتشكل حكومة عراقية بدون موافقة طهران, وكأن العراق أصبحت ولاية من ولايات إيران تتميز بخصوصية جغرافية لها حكومتها وبرلمانها ورئيسها لكن مصيرها مرتبطة بطهران وحكومتها, أو بشكل أدق بقرار ولاية الفقيه. فأي إنفكاك من ولاية الفقية يعني أن العراق تتجه نحو أزمة أو حرب تشعل فتيلها في طهران.. يعني ذلك, ” أن إستقرار وأمن وشكل نظام الحكم في العراق مرتبط بقرار من ولاية الفقية, وأي خروج عن القرار فلا يمكن أن نرى عراقاً آمناً مستقراً “.
ومع إندلاع ” الإنتفاضة الثورية ” في سوريا تحركت القيادات الإيرانية للتمسك بزمام الأمور وإدارة الأزمة بمفاصلها المختلفة وإبعاد الحكومة السورية عن المفاصل المهمة كونها ما كانت تثق بطواقم حكومة الأسد في دمشق, فغيرت من رؤساء وحدات الجيش والأمن بسرعة متناهية وغيرت في الحكومة والمواقع المهمة, ووصلت بها الحال إلى العمل على تصفية كل من يشتبه به على أنه ضد التدخل الإيراني سياسياً وعسكرياً, وذلك من خلال عمليات إرهابية كما حصل لخلية الأزمة في القيادة السورية وتصفيتها بعملية تفجير وهي مجتمعة نصبت لجهة إرهابية مجهولة.. أعتقد أن غياب قيادة سياسية معارضة و متمرسة لتلك الإنتفاضة سهلت عملية التدخل الإيراني وفتحت لها المجال في تحويل الإنتفاضة والثورة إلى أزمة وحرب طائفية مكنتها من السيطرة على كامل سوريا كما سيطرت على العراق. وكذلك سهلت روسيا والمجتمع الدولي وموقف أمريكا المتذبذب طريقها لتكون سوريا أرضاً سهلة لتحرك الإيراني فيها عسكرياً وأمنياً وسياساً لتكون إمتداداً لها والجبهة المتقدمة لثورتها حسب وصف قادتها من خلال نشر عشرات الآلاف من المقاتلين تحت قيادة ( قاسم سليماني ) الذي إشتهر في حروبه الطائفية في كل من العراق وسوريا وحتى في اليمن عدا عن لبنان الذي لم تعد دولة لطالما أن حزب الله يتمسك بسيادتها وقراراتها المصيرية.
أما عن الأزمة بين بغداد وأربيل, أعتقد أنها من صنيعة طهران أيضاً. وهي نتيجة لحكم العلاقات الإقتصادية التي كانت تربط أربيل بأنقرة, وكذلك وقوف أربيل مع الثورة السورية وانضمام المجلس الوطني الكردي في سوريا إلى الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية التي ترى في إيران على أنها ” دولة إرهابية تساعد دمشق لتدمير سوريا وإبادة شعبها لتتسنى لها التدخل والسيطرة على كامل سوريا “… وبالتالي, فكان لابد من معاقبة أربيل على موقفها السياسي من الأزمة السورية وكذلك تحسين علاقاتها مع تركيا التي كانت تساعد المعارضة السياسية والعسكرية في سوريا منذ البداية.
بدأت طهران الإيعاز لحكومة ( نور المالكي ) لإثارة خلافات بين بغداد وأربيل بدءً من موضوع كركوك إلى موضوع موارد المنافذ الحدودية والمطارات وصولاً إلى كوبونات النفط والكشف عن حسابات وارداتها من التصدير لتصل إلى قطع حصة إقليم كردستان من الميزانية التي تقدر بـ %17 من واردات العراق من النفط وغيرها من الواردات وكذلك الإمتناع عن دفع رواتب البيشمركة, وذلك منذ بداية عام 2014 . كان ذلك في حقيقة الأمر إجرءات غير مبررة من جانب نور المالكي وبشكل متسارعة وكأنه يهدف من وراء ذلك إلى إشعال حرب بين أربيل وبغداد, لكن في حقيقة الأمر كانت تلك الإجراءات بمثابة عقوبة بأوامر من طهران لحكومة أربيل لقاء مواقفها السياسية من الأزمة في المنطقة.. وما توصلت إليه حكومة أربيل لإجراء الإستفتاء كان نتيجة طبيعية لتلك التهديدات من المالكي ومن بعده حيدر العبادي التي تدخل في إطار إما الإنصياع إلى طهران وبالتالي يكون الخلافات قد رأت طريقها نحو الحل أو الإستمرار في معاقبة أربيل من خلال إستفحال الأزمة المفتعلة.. وهذا ما رفضته حكومة الإقليم وعلى رأسها رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني.
لكن من المؤسف جداً أن تنضم تركيا إلى الصف الإيراني في معاقبة الإقليم, في حين أن الإقليم تُعاقب من قبل إيران نتيجة لقوف الإقليم مع السياسة التركية تجاه الأزمة في سوريا.. ويبدو أن تركيا قد غيرت من مواقفها بشكل جذري عن مجمل الأزمة وانصاعت لإرادة إيران في السيطرة على المنطقة مقابل ( المجهول الذي يذهب تركيا إليه ).. فإيران لها إستراتيجية وضحة في جيوسياسية المنطقة وهي ذاهبة إلى السيطرة عليها مهما كلفتها من تضحيات لطالما أنها اكتسبت الحرب في كل من العراق وسوريا, وهي مسيطرة على لبنان من خلال حزب الله. أي أن الهلال الشيعي قد أثبت وجوده إن لم يكن ( بدراً ) كما ساه أحد قادة الحشد الشعبي في العراق.. أما تركيا فماذا سيحصل من ( الكعكة في كل من سوريا والعراق ) لطالما الكعكة قد ابتلعتها إيران نتيجة الموقف الأمريكي المتذبذب والمتهالك أمام إيرا وروسيا.. فهل تستحق كل هذه التنازلات من قبل تركيا لإيران فقط من أجل أن لايحصل الكرد على حقوقه في سوريا؟
غريب ما نشاهده في هذه الأيام وسط مشهد متناقض غير محمود نتائجه.. سوريا لم تصل إلى نهايات أزمتها كما يدعي بعض المحللين لأسباب كثيرة, والعراق ستتخلص من الدواعش لتدخل في نفق أكثر دموية لايمكن خروجها إلا ممزقة ومدمرة لايمكن الوقوف على رجليها إلا بعد عقود طويلة نتيجة لسياسات خاطئة تجاهها إقليمياً ودولياً.
8/10/2017