المنطقة بعد نهاية داعش والإرهابيين

عبد العزيز مشو
 
لم يكن أشد المتشائمين متوقّعاً لما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة عموماً فالبوعزيزي تفاجأ بالبركان الهائج المضطرب الهش القابل للانفجار وبحركةِ مفاجئة لتلامس التيارين السالب والموجب معاً خلفت على إثرها انفجاراً هائلاً في المنطقة برمتها وأغرقتها بالحمم البركانية المقذوفة من الفوهة لتشهد أهوال مأساوية صعبة جداً من قتلٍ للأبرياء وَتدميرٍ للمدن وهجرةً مكثفة باتجاه الدول الأوربية وغيرها من الدول تسببت بفراغ بشري واضح في هذه الدول , فلم ينفع هروب بن علي من سدة الحكم في تونس بل كانت الشرارة الحقيقية لإشعال فتيل الأزمات بالمنطقة إجمالاً ولم يكن كافياً تنحي حسني مبارك وعلي عبدالله صالح أو مقتل معمر القذافي أو حتى إعدام صدام حسين أو في ظل تمسك الرئيس بشار بحكم سوريا
فكل هذا لم يكن سبباً رئيسياً ووحيداً من أسباب إشعال فتيل هذه الثورات أو الأزمات في هذه المناطق فلم نشهد حلولاً جذرية لإنهائها بل ظهرت بشكل واضح تراكمات الماضي وثقافة الحزب الواحد وثقافة الأنا الموروثة العائدة للعهد الإسلامي فأدت لظهور الارهاب في مجمل هذه الدول كسوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وظلت راكدةٍ في أخرى بغية المصالح الواضحة لبعضٍ من الدول صاحبة القرار في منطقة الشرق الأوسط لكنها لن تطول كثيراً وستظهر بأي وقت .
فكانت الانطلاقة المفاجئة والسريعة جداً لإرهاب داعش في كل من سوريا والعراق وبسط سيطرتها على العديد من المناطق بهاتين الدولتين مخلفاً إرثاً كارثياً من ثقافة الجهل والتطرف مما شكل خطراً حقيقاً على آمن وسلامة الأمريكان والأوربيين والروس ومصالحها النفطية بهذه المناطق لتتسارع بالتعاون مع بعض القوات الكردية سواءً في سوريا أو العراق وبعض القوات العربية وبالتنسيق مع قوات الحلفاء وطيرانها الحربي ليتم القضاء عليه تقريباً في أكثر من منطقة وحشره في بعض الزوايا وحتمية القضاء عليه نهائياً بحلول الربيع القادم وبدء مرحلة ما بعد داعش .
فمن الملاحظ للتطورات الجارية في المنطقة نتوقع سيناريوهات معقدة جداً أذ نلاحظ تغيب واضح للأمريكيين في منطقة الصراع الدائر لكن بتطبيق أفكار ترامب العملية المتوجه نحو القارة الأوربية بتطويق روسيا بصواريخ بالستيه وفي شرق القارة الأسيوية حول الصين وكوريا مع تطلعات مستقبلية مبهمة في العراق وسوريا والتركيز على الاكراد في العراق وسوريا حتى وأن دفع هؤلاء نوعاً من الضريبة ولكن الأمريكيين يضعون الإسرائيليين في المواجهة المباشرة مع الأتراك والإيرانيين معاً وهو ذات الموقف التي تنتهجه روسيا نحو خطئها التاريخي بالتخلي عن الكورد سابقاً وهو ما يؤكده التوجه الخليجي والتركي نحو روسيا والاستفادة من قدراتها العسكرية والروس يدركون من فقدانهم للقارة الأوربية فوضعت ثقلها العسكري بسوريا وتحاول  مضاعفة حصصها النفطية في الخليج العربي وسوريا والروس يبحثون عن سوريا خاضعة لها في المستقبل وكسب مزايا مربحة في تركيا التي تدفع ضريبة أخطائها المتكررة تجاه الأمريكان ولرهانها الخاسر والفاشل في إنجاح ثورة الشعب السوري مما جعلها تقدم التنازل تلو الأخر في مناطق تقاسم النفوذ لتضع نصب أعينها بعض المناطق في سوريا خوفاً من امتداد النفوذ الكردي نحو الغرب وتتزاحم مع الإيرانيين للسيطرة على الاقتصاد الكردي في كردستان العراق أما إيران فتحارب على أكثر من جبهة فتحاول زعزعة أمن الخليجين عبر حرب اليمن وكسب ود القطريين وتحاول جاهدة ترسيخ مشروعها في سوريا ولبنان لكنها خسرت الرهان في مناطق أخرى . فجل هذه السيناريوهات قيد التنفيذ الفعلي وهي المرحلة التي تلي نهاية داعش وبقية الإرهابيين في المنطقة ولكن كم من الزمن يحتاج هؤلاء للتنفيذ وهل فكروا جميعاً بشعوب المنطقة أم أنهم يبحثون فقط عن مصالح دولهم الخبيثة ولا يهمهم الشعب فيها وإن دفع المزيد من الضرائب  ؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…