افتتاحية جريدة آزادي*
بقلم : رئيس التحرير
ذلك للتدخلات البينية ولتراكم الاحتقانات نتيجة بقاء العديد من عوامل التوتر بسبب القضايا والمشاكل العالقة التي ظلت لعقود من الزمن دون حل والتي رأت سبيل انفجارها في تداعيات التفاعل مع المتغيرات الدولية لتصطدم مع مصالح أنظمتها والقوى المناهضة لعملية التغيير الجارية في العالم ، بمعنى أن جوهر الصراع في المنطقة عموما يكمن بين قوى التغيير التي ترى فيه ضالتها وتحقيق مصالح شعوبها وبين القوى المناهضة له والتي ترى فيه خسارتها وضياع مكاسبها وامتيازاتها..
ومع صدور قرار مجلس الأمن رقم / 1757/ تحت الفصل السابع القاضي بتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ومرتكبي سلسلة جرائم الاغتيالات التي تلتها ، ازداد الوضع احتداما ، تجلى ذلك في المواجهة العسكرية بين مقاتلي “فتح الإسلام” وبين الجيش اللبناني في موقع نهر البارد ، والاحتراب الدامي بين حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين و ما سينجم عـنها من مخاطر لاسيما بعد قمة شرم الشيخ الرباعية الأخيرة بين ( الرئيس المصري مبارك والعاهل الأردني عبد الله ورئيس السلطة الفلسطينية عباس ورئيس حكومة إسرائيل أولمرت) كما ازدادت معها حدة الضغوط الدولية على سوريا وإيران ، ترافقا مع توافد المزيد من القوات الدولية إلى المنطقة – اليونيفيل ومعظمها أوربية – وتتخذ من السواحل اللبنانية المجاورة للساحل السوري مركزا لها ، وفي هذا السياق من المزمع إرسال قوات عسكرية أمريكية إضافية إلى منطقة الخليج يقارب عددها المائة وتسعين ألف مقاتل (بحسب تصريح وزير الدفاع الأمريكي) إضافة إلى قواتها المتواجدة في العراق وقواتها المتحركة عبر أساطيلها البحرية وكذلك قواعدها القائمة في دول (قطر ، تركيا ، أفغانستان ..) المحيطة بإيران في تهديد مباشر لهذا الأخير ..
ما ذكر أعلاه يعزز دلائل ومؤشرات ميل الجانب الدولي لخيار القوة العسكرية مع المنطقة مرة أخرى ولاسيما مع كل من سوريا وإيران وذلك بأسلوب قد يختلف مع ما اتبع في العراق( ذلك حسب المحللين السياسيين) ، كأن يكون البدء بالتزامن معا بغية فصلهما عن بعضهما وقد يكون المدخل نحو سوريا عبر لبنان وفلسطين وبأجندة غربية وإقليمية ، ذلك بعد انجاز المحكمة الدولية ومباشرتها للعمل واتخاذها الإجراءات والمستلزمات الضرورية لها ، وصوب إيران بضربات أمريكية قد تكون على حين غرة أو تكون استباقية تجاه مصادره النفطية بغية شل قدراته الاقتصادية ونحو مفاعله النووية من أجل تعطيل تخصيبه اليورانيوم ، إضافة إلى تأليب الوضع الداخلي الإيراني واستنهاض المعارضة السياسية وتفعيل الصراعات المذهبية والقومية وحالة التذمر والاستياء العام من النظام الديني القائم على المذهبية والعنصرية ..
وهنا ومن خلال تضافر جهود ومساعي قوى المجتمع الدولي صوب بؤر التوتر وخصوصا في منطقتنا يبدو واضحا أن ما يجري في العالم هو حصيلة توافق الدول الصناعية الثمانية الكبرى ومعها بقية دول الاتحاد الأوربي بالإضافة إلى هيئة الأمم المتحدة والقوى الديمقراطية والمنظمات الدولية غير الحكومية التي تساند الشعوب في سبيل حقها وتدافع عن حقوق الإنسان أيا كان انتماؤه ولونه ، وأن عملية التغيير الكونية الجارية لم تتوقف وستستمر ، وأن منطقتنا ومن بينها بلدنا سوريا مرشحة لها ، وأن كل قوى مجتمعنا السوري وكافة مكوناته الوطنية السياسية منها والقومية (عربا وكردا وسريانا ..) بكل ما تحملها من قوى المعارضة السياسية الديمقراطية تؤثر الخيار السلمي في التغيير والتحول الديمقراطي على أي خيار آخر، خاصة وأن هناك ما زال بصيص أمل ولو ضعيف لهــذا الخــيار ينبغـــي أن لا يضيع درءا للبلاد مـــن الأخطار ، يتجلى ذلك في تحرك الدبلوماسية الدولية والعربية واللجنة الرباعية الدولية واللجنة الرباعية العربية المنبثقة من قمة رياض الأخيرة ، وتعزيز الأمل في تحقيق هذا الخيار متوقف على مدى جدية النظام واستعداده في التعامل لتوفير شروطه ووضع مستلزماته الأساسية ، منها مع الجانب الدولي وتتلخص في التفاعل الحقيقي مع المتغيرات العالمية ومد جسور من الثقة مع المجتمع الدولي والتعاون الجدي معه في مكافحة الإرهاب ومحاربة أسلحة الدمار الشامل..، ومنها مع الجانب الإقليمي وتتلخص في التجاوب مع اللجنتين الدولية والعربية من أجل إنجاز عملية السلام مع إسرائيل ومد يد العون والمساعدة من أجل استتباب الأمن والطمأنينة في كل من فلسطين ولبنان والعراق والحد من العلاقة مع نظام إيران الديني ورأب الصدع مع الجانب العربي ..، وأخرى مع الوضع الداخلي وتتلخص في تخليه ( النظام ) عن امتيازاته السياسية والأمنية ، وإطلاق الحريات الديمقراطية ، وإطلاق سراح السجناء السياسيين دون استثناء ، ورفع الأحكام العرفية ، وإلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية كافة ، ووضع دستور جديد عصري للبلاد يقر صراحة بالتعددية القومية والدينية والسياسية ويقر بالمساواة التامة فيما بينها دون تمييز ، وقانون للأحزاب السياسية ، وآخر للانتخابات وثالث للمطبوعات وكلها تناسب المرحلة وتطوراتها، وإلغاء السياسة الشوفينية المتبعة حيال الشعب الكردي ونتائجها السلبية ، والاعتراف الدستوري بواقع وجود الشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية كثاني قومية في البلاد وحل قضيته القومية حل ديمقراطي في إطار وحدة البلاد ، وبالتالي توفير أسس بناء دولة الحق والقانون وضمان التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع والحياة السياسية الجديدة المبنية على الأسس الديمقراطية..
هذا وفي خضم الصراعات الحادة والتناقضات التي تجتازها منطقتنا ويمر بها بلدنا سوريا عبر مرحلة حساسة وهامة جدا في حياته السياسية ، فإن القوى الوطنية بكل مكوناته السياسية والقومية والمذهبية مدعوة إلى رص الصفوف وتضافر العمل والجهود درءا للمخاطر وضغطا باتجاه الخيار السلمي عبر الحوار الديمقراطي المتكافئ للتحول والتغيير نحو آفاق جديدة تواكب العصر وتساهم في بناء حياة سياسية عصرية تنتفي بداخلها كل عوامل الاستئثار بالسلطة والثروة ليكون الجميع شركاء حقيقيين في الوطن ويكون الكل جنودا مخلصين لبناء صروح الوطن وتوفير كل عوامل تقدمه وازدهاره ويتعايش أبناؤه في ربوعه بتآخ ومودة .
—-
* جـريدة صادرة عن مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحـزب آزادي الكـردي في سـوريا / العدد 387 / تموز 2007
—–