في الذكرى السادسة لاغتياله، فكرمشعل التمو باق كجبال كردستان، معطاء كسهولها

اكرم حسين
جاءني صباحا صوت ريزان شيخموس  متحشرجا حزينا ومنكسرا “اريد ان اراك خارج المدينة امام مطحنة درباس في التاسعة والنصف بقناة السويس “،تزاحمت الافكار والهواجس في رأسي الصغير الذي لم يرتاح يوما نتيجة انشغالاته بالسياسة والشأن العام ،  ترى ما السبب الذي دفع ريزان يطلب اللقاء بي خارج البيت او المكتب الذي ارتاده يوميا في العاشرة صباحاً ؟. 
استعجلت الذهاب الى الموعد وانا اسابق الزمن لسماع ما لديه وماذا يريد ؟ صعد الى السيارة واغلق النافذة قائلا فقدنا الاتصال بمشعل ! واغلب الظن انه قد اعتقل ليلة البارحة بعد خروجه من كوباني اثناء توجهه الى حلب ! صعقت لسماع الخبر ولم اصدق ما جرى ! لان مشعل في اليوم السابق جاءني الى المكتب  واخبرني بذهابه الى اللاذقية لزيارة عارف دليلة بعد ان قضى حكمه ، سألته عمن سيرافقه في الطريق ؟ قال سنذهب انا وجوان وغربي الى كوباني وسألتقي ابراهيم كابان كي ينضم للتيار  وسأزور المحامي رديف مصطفى واتابع طريقي الى اللاذقية ، اما جوان وغربي فسيذهبان من هناك الى الرقة لحضور اجتماع اللجنة الكردية لحقوق الانسان حيث كانا اعضاء فيها ، قلت له لن ادعك تذهب لوحدك بل سآتي معك رغم انشغالاتي ؟ رد علي بهدوئه المعتاد  سأصحبك معي الى حلب فقط  وسأتابع من هناك الطريق الى اللاذقية مع اشخاص اخرين –تبين لي لاحقا بان من كانت سترافقه الى اللاذقية هي هرفين اوسي القادمة من دمشق – انزعجت كثيرا وقلت لمشعل ليس لدي أي عمل في حلب ، بل كنت سآتي من اجلك كي لا تكون وحيدا في طريق طويل لا يعرف المرء عواقبه ، وما دام الامر كذلك لن اتي . كان جوان جالسا يستمع  الى حديثنا قال لمشعل انا ايضا لن اتي معك الى كوباني  وسأذهب بمفردي الى الرقة مباشرة  ، وهذا ما كان فقد خرج مشعل من القامشلي برفقة غربي حسومتوجها الى كوباني قبل غروب شمس ذلك اليوم الذي تم فيه اعتقاله ، التقيا ابراهيم كابان ثم تناولا العشاء في بيت رديف مصطفى وحوالي الثانية ليلا خرج مشعل لوحده متوجها الى حلب حيث كانت في انتظاره زاهدة رشكيلو لكنه لم يصل ،لان دورية تابعة للأمن الجوي اعتقلته عند جسر قره قوزاق بتاريخ 15-8-2008 
توجهنا الى منزلي ، صغنا معا بيان الاختطاف ، قمنا بنشره على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية  الاخرى ،انتشر الخبر وبدأت الاتصالات ، حاول رديف الاستفسار عن الموضوع لدى الجهات الامنية في كوباني الا انها انكرت اعتقاله ، وسرت اشاعات وقصص كثيرة ومثيرة حول موضوع الاختفاء ، استنفر الجميع اهله اصدقائه لكن دون جدوى ، لان النظام اصر على انكار وجود مشعل  لديه ، مما ولد لدينا القلق على حياته والخوف من تصفيته 
لملم تيار المستقبل اوراقه وبدأ بإصدار تصاريح اعلامية يومية عن تداعيات الاعتقال وتم اقامة اعتصام اما منزله للكشف عن مصيره تحدث فيه كل من هرفين وحسن صالح وحملا النظام مسؤولية حياة مشعل والكشف عن مكان اعتقاله،  اما الاحزاب الاخرى فقد قاطعت الاعتصام وخاصة تلك التي كانت تكن الحقد والعداء لمشعل وتياره الشبابي الذي انشأه ، لأنها كانت تجد فيه البديل لعطالتها وخنوعها ، وخاصة مواقف مشعل السياسية والوطنية الجريئة في وجه الاستبداد والمتوجهة الى الشباب وكسر الطوطم الحزبي الذي بات من الماضي ، حراس الاستبداد وزوار الاموات والمقابر
بعد اثنا عشر يوما من الاختطاف تم تقديم مشعل الى النيابة العامة في دمشق ، تنفس الجميع الصعداء لان مشعل لم تتم تصفيته وزال عنه الخطر. 
بقي مشعل في السجن على مواقفه ومناهضته للاستبداد ، فبدأ بكتابة رسائل السجن التي كان يرسلها مع بعض السجناء الذين  تنتهي محكوميتهم  ،نشرت معظمها في صحيفة المستقبل التي لم تنقطع واستمرت بالصدور حتى بعد اعتقاله .
من داخل السجن تواصل مشعل مع الديمقراطي الكردستاني –العراق وطلب ارسال هرفين للقاء مسؤولي الحزب ورغم معرفتنا بعدم جدوى اللقاء لان الديمقراطي يرتبط بعلاقات تاريخية مع البارتي ولن يستبدله او يشاركه باخرين ، الا اننا نزولا عند رغبة مشعل ارسلنا هرفين الى اقليم كردستان ، لكنها عادت بخفي حنين مما خلق لدى مشعل ردود فعل متشنجة .
تشكل المجلس السياسي الكردي واحزاب الحركة الوطنية الكردية التي ضمت معظم الاحزاب الكردية على الساحة السورية وكان للتيار دور فاعل في الصيغتين ، الا ان مشعل اصر على الخروج من صيغة احزاب الحركة وهو في السجن ، ونزولا عند رغبته اصدر ريزان بيانا باسم مكتب العلاقات العامة اعلن فيه انسحاب التيار من احزاب الحركة الوطنية الكردية بسبب عطالة الاحزاب المكونة له وعدم مواكبتها تطلعات الشارع الكردي الذي التحق بالثورة السورية في 2011 
خرج مشعل من السجن واستقبلته الجماهير الكردية على الاكتاف وقال كلمته الشهيرة عندما خرج من السجن تحت خيمة الاستقبال مخاطبا الاحزاب الكردية قائلا (لا انتمي اليكم بل انتمي الى الثورة والى الشباب خيارنا هو مع الشباب ما يقوله الشباب نحن معه ) الامر الذي اثار سخط الاحزاب وادى الى انسحابها  من تحت الخيمة ، وبعد عدة ايام التقينا مشعل في منزله ، جاء فيصل يوسف وزرادشت محمد وبعد نقاش معمق عن الثورة ومتطلبات العمل في المنطقة الكردية  تم الاتفاق على عقد لقاء تشاوري كردي يعقبه لقاء وطني سوري وتم اضافة كل من جوان يوسف وايمان ابراهيم كممثلين عن كل من ائتلاف شباب سوا واتحاد تنسيقيات شباب الكرد الى اللجنة التحضيرية ، الا ان الامور لم تجري كما كانت تشتهي سفننا الثورية  واستبدل زرادشت بالمرحوم عبد الرحمن الوجي ،اقتصرت الدعوة على مشعل-فيصل-الوجي  في 15-9-2011 وخرج بتوصيات لازالت تكتسب راهنتيها ، الا ان تطورات الاحداث اللاحقة وخاصة اغتيال مشعل لم يدع للقاء ان يأخذ ابعاده الكردية والوطنية السورية !
ساهم مشعل في عقد مؤتمر الانقاذ في استنبول وشارك فيه عبر السكايب بعد ان منعت قوى النظام انعقاده في القابون ، الا ان اصرار المؤتمرين على تغيير مسودة البيان الختامي للمؤتمر و عدم “الاعتراف بوجود الشعب الكردي كقومية رئيسية في سورية ورفض حقها في الوجود “ادى الى انسحابه من المؤتمر وعدم الالتزام بنتائجه واصدار بيان قال فيه “نعلن للرأي العام الوطني والكردي بأننا لن نقبل أية مساومة على الوجود والحق الكردي في الجزء الكردستاني الملحق بسوريا , وسنعمل على بلورة رؤية قومية تحقق طموح شعبنا الكردي في الحرية”
ساهم مشعل وبقوة في تقديم صورة ايجابية عن الكرد في الوسط العربي السوري ودافع بشدة عن حقوقهم حيث اعتبره الحقوقي ناجي طيارة في حديث خاص معنا انا و جوان عندما التقيناه في بيت مشعل بانه خير من يمثل الكرد ويدافع عن حقوقهم لان مشعل كان محاورا من الطراز الرفيع ومثقفا عموميا يقتحم ولا يهاب الاسئلة الاشكالية والمقلقة التي تطمح الى خلق بديل عصري يواكب تطورات المرحلة التي تفرضها  ضمان حقوق المكونات والالتزام بحقوق الانسان .
كان مشعل يعتقد بان المشكلة في العقليات والمفاهيم وانماط التفكير والطواطم التي انشئت في العقل الكردي وسيجته بسياج من الاسلاك الشائكة كي لا يمكن تلمسه ، ولذلك حلل في كتابه رؤية نقدية لظاهرة التخلف الكردي ناقش فيه بإسهاب هذه المواضيع ، وسلط الضوء على الابويات الحزبية الرافضة لكل تغيير يهدد مصالحها او يزعزع عروشها الوهمية .
في محاولة اغتياله الاولى اتصل بي وطلب مني ان التقيه في منزله وهناك  رأيت اللجنة التي كلفها بإعلام الاحزاب الاخرى بمحاولة اغتياله  من بين اللجنة  كانت زاهدة وكلبهار محمد وغيرهم ، كان منزعجا وقلقاً جدا لان البعض من قادة الاحزاب قد رد عليهم  بان ما يقوله مشعل لا يمكن ان  يحدث في أي فيلم هندي .
قبل اغتياله باسبوعين المح بانه مهدد بالاغتيال نتيجة بعض المعلومات التي حصل عليها من مصادره الخاصة ، نصحته بالخروج سريعا لكن يد الخيانة والغدر كانت اسرع منه فاغتيل في 7-10-2011 في مدينة القامشلي وبذلك سقطت نجمة مضيئة من سماء كردستان وسوريا .
ست سنوات مرت على رحيل  مشعل ، والقتل لم يتوقف في سوريا  , مجازر ارتكبت ، فاقت دير ياسين و صبرا وشاتيلا ، ومجازر صدام حسين في حلبجة على مرأى ومسمع العالمين العربي والإسلامي
بماذا أحدثك يا مشعل, هل أحكي لك حكاية بابا عمر أم حكاية كوباني , أم حكاية تل حميس والشدادي والهول وتل ابيض والرقة ودير الزور وباب السباع والمدن الاخرى ، حكايات لا نهاية لها في كافة البلدات والمدن السورية ، هل احدثك عن استفتاء باشوري كردستان من اجل استقلال كردستان وخيانة اصدقاء الامس الذين تحولوا الى خنازير وقردة ! 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…