الإستفتاء الكردستاني …بين لاهوت التحرير الإسلاموي والمسيحي

كمال أحمد 
بعد تحديد موعد الإستفتاء، في إقليم كردستان العراق ، بتاريخ 25 / 09 / 2017 ، وحتى بعد ‘إجرائه، لإستبيان آراء سكان الإقليم، بمكوناته المختلفة، من كرد وعرب وتركمان وآشور وسريان وأرمن وغيرهم، وبأديانهم وبمذاهبهم المختلفة من مسلمين سنة ، وشيعة ، وكاكائيين، ومسيحيين، ويزيديين، وشبك، وغيره من مكونات النسيج الإجتماعي الكردستاني، هذا الإستفتاء الذي ينحصر فقط في الوقوف على آراء سكان الإقليم الكردستاني  العراقي، على البقاء ضمن دولة العراق، أم أنه يرى ويفضل  العيش في دولة كردستان المستقلة؟؟؟ ، وهذا الحق في تقرير المصير، كفله جميع الشرائع السماوية  والوضعية، وإزاء هذا الحدث ، وهذا الإجراء، وهذه الممارسة ، والتي تعتبر من الحقوق البديهية  والأساسية لأي مجموعة بشرية، وخاصة ونحن على أعتاب الألفية الثالثة، كان هذا الموقف السلبي والمناهض للإستفتاء على حق طبيعي وبديهي، والذي أجمع عليه الكثير من الدول الإسلامية في المنطقة،
 ولكن كان اللافت، وإلى حد، ومستوى الصدمة ،أنها ناهضت ليس بسياساتها  الرسمية  الصادرة عن الدول فحسب، ولكن أيضاً حتى المرجعيات الدينية الإسلامية  في هذه الدول، بمذاهبها الرئيسية ، السنية والشيعية ،،  وهذا يدلل على أنّ المشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي ، ليست مشاكل سلطوية فقط، بل مشاكل عضوية وبنيوية واجتماعية وثقافية وعقدية متشعبة تتعلق بطبيعة العقليات  والذهنيات الشعبية ،وتقاليدها وقيمها وطريقة تفكيرها، ونظرتها للحياة والعالم، ومعتقداتها على مختلف أنواعها.  والتي ساهم في تكوينها بلا شك ، الموروث الاسلامي المتواتر طيلة ألفية ونصف ،وهذا يشير ويدلل ، على أنّ هذا الموروث الإسلامي ، ببعديه الثقافي ، والعقدي ،(( والذي يعتبر ويشكل الركيزة الأساسية في بنية السلوك الممارساتي اليومي لمعتنقي ومريدي هذه الثقافة ))  مازال على مسافة   قد تبدو أنها طويلة ، بينها وبين الحقوق الإنسانية المجردة والمطلقة ، للشعوب والإنسانية ، بشكلها العام والشامل ، والذي يحتاج ويتطلب إلى الكثير ، من جهود الإصلاح ، وإعادة قراءته، وغربلته ، وتنقيته من الغث الكثير ، الذي مازال عالقاًبه ،  لذلك يمكن إختزالها بالمثل  والمأثور القائل ::”ما أسهل تغيير الرؤوس!!! ولكن ما أصعب تغيير النفوس! !!” هذه النفوس التي مازالت تحمل و تختزن الكثير من الرؤية الإقصائية ، والإلغائية، والنظرة الدونية ، إلى الآخر المختلف ، سواء ، المختلف ، دينيا، أو مذهبياً ،أو طائفياً  أ و قومياً ، ولا نبالغ ، إذا قلنا  حتى، قبلياً، أوعشائرياً، أو جهوياً   
 وكما يقال ” فهذا الوالي من ذاك الشعب” ،لذلك ، فإن المعضلة الحقيقية التي تحول دون تقدم هذه البلدان، وتحقيق العدالة الإجتماعية بين مكوناتها المختلفة، لا تكمن فقط في الديكتاتوريات الحاكمة، بقدر ما تكمن في المجتمعات والشعوب، التي تحكمها تلك الأنظمة المستبدة والفاسدة. مما يدلل إلى وجود أزمة بنيوية في الثقافة الإسلامية الموروثة ، والمتواترة عبر القرون الماضية ،والتي مازالت تمجد “الأنا ” أو” الذات ” المتضخمة ، والتمحور حولها ، والسائدة  لدى معتنيقي ومريدي هذه الثقافة ،ضد الآخر المختلف ، سواء بالدين ، أو المذهب ، أو الفكر ، أو اللون ، أو القومية ، أو اللغة ،  وكما يبدو ، لم تستطع النصوص القرآنية ، ولا الأحاديث النبوية ، من ترويض وتشذيب وتهذيب ، الثقافة  الإقصائية ، والإلغائية لدى هؤلاء ، مما يدلل  أيضاً على العلاقة العضوية بين ، الخلفية العقدية لهؤلاء ، وبين السلوك والممارسات  ، والمواقف من الحقوق الأساسية ، للآخر المختلف ، حيث مازال ثقافة التكفير بالنسبة للأديان والمذاهب المخالفة ، أي  الآخر المختلف عقدياً  ( المشركين –الناصبة – الرافضة ) ، وكذلك النظرة الدونية للقوميات المخالفة قومياً، أي الآخر المسلم ، غير العربي، أو ما سميوا ب” الموالي ” في عهود  وظل الدولة الأموية ، والعباسية  فيما بعد ، ثم القوميات الاسلامية غير الفارسية ، في ظل البويهيين الفرس عندما سيطروا على الدولة العباسية في أواخر عهدها،  أو في ظل دولة إيران  الصفوية  فيما بعد، المتعددة القوميات والأعراق ، ثم القوميات الاسلامية غير التركية ، عندما  إنتقل النفوذ  السلطوي  في الدولة العباسية إلى السلاجقة الأتراك ، ثم سيطرة الأتراك على الخلافة الإسلامية ، بعد أن ورثوها من المماليك عام 1517 م  ، وأرسوا دعائم السلطنة  العثمانية ، مما يدلل على أن ّ العقل الباطن لهؤلاء ، مازال يذخر بالموروث السلبي ، الإقصائي ، لكل آخر مختلف 
 – لذلك فإنّ هذا يعيدنا إلى ما أشار إليه ، المفكر الإسلامي الإصلاحي  عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه ”   (طبائع الاستبداد) إلى العلاقة بين الاستبداد الديني والاستبداد السياسي، وقال في ذلك: ” تضافرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، والبعض يقول: إن لم يكن هناك توليد فهما أخوان… بينهما رابطة الحاجة إلى التعاون لتذليل الإنسان ” وكذلك ” بأن بين الاستبدادين السياسي والديني مقاربة لا تنفكّ، متى وُجد أحدهما في أمة جرّ الآخر إليه، أو متى زال زال رفيقه ”  وأيضاً ” من يسعى  إلى الإصلاح السياسي ، عليه أولاً أن يبدأ  بالإصلاح الديني (( ومما يجدر بالذكر  هو إلمامه أي  ” الكواكبي ”  بالثقافة الغربية ، حيث ،درس كتب فُولتير ورُوسّو ومُنتسكيو واليفيري فيتوري، وتشبّع بآرائهم الحرة، ولكن الكواكبي هضمها، وعدّلها بما يناسب البيئة الشرقية والعقلية الإسلامية، وزاد عليها من تجاربه وآرائه ” وتَعشَّق الحرية، وكرهَ الاستبداد أشد الكره ))، وحلّل دور الاستبداد في إفساد الأخلاق كما أنه أجرى مقارنة ذكية بين العقلية الشرقية والغربية في الذهنية السياسية فقال: ” وهكذا بين الشرقيين والغربيين فروق كثرة، … مثال ذلك: الغربيون يستحلفون أميرهم على الصداقة في خدمته لهم والتزام القانون، والسلطان الشرقي يستحلف الرعية على الانقياد والطاعة ”  ومن آراء الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد): ” المستبد لا يخشى علوم اللغة، … وكذلك لا يخاف المستبد من العلوم الدينية المتعلقة بالعلاقة  ما بين الإنسان وربه، …. ولكن  ترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة، مثل الحكمة النظرية، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسة المالية، والتاريخ المفصَّل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تكبّر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه، وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النوال، وكيف الحفظ ”  (أحمد أمين: زعماء الإصلاح، ). 
 – دون التطرق إلى الشرائع الوضعية ، كمواثيق الأمم المتحدة ، وبروتوكولات  حقوق الانسان ،  كون  موضوع البحث في مقامنا هذا هو ” اللاهوت ” وتأثيره على سلوك  وممارسات ، مريدي ومعتنيقي  الديانات  المختلفة ، وحيث أنّ الخطاب “اللاهوتي العباداتي” ، وهو مقاربة العلاقة بين الفرد  وربه ، التي يسعى من خلالها ، الفرد المؤمن يديانة معينة ، التقرب من الله ، وإبتغاء رضائه ، والحصول على مكانة ومقام متميزفي جنان الآخرة ، وهذا يتوقف على مدى ورعه ، وجهوده العبادية ،أما الجانب الثاني  والآخر من اللاهوت  ، وهو الجانب أو “اللاهوت  المعاملاتي “، وهي العلاقة  التعاملية  والتبادلية بين الذات ، أو الأنا ، وبين الآخر من شركاء الأوطان والأديان ، وقد إختزله الفقه واللاهوت الإسلامي بالحديث النبوي : عن أنس بن مالك قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، رواه البخاري ومسلم .، وإختزله الفقه واللاهوت المسيحي  في أقوال السيد المسيح يسوع في ” الموعظة على الجبل” التي وردت في انجيل متى 5-7)): نقتطف منها : 
” فلمَّا رأى يَسوعُ الجُموعَ صَعِدَ إلى الجبَلِ وجلَسَ. فَدنا إلَيهِ تلاميذُهُ، فأخَذَ يُعلِّمُهُم قالَ: . عامِلوا الآخَرينَ مِثلَما تُريدونَ أنْ يُعامِلوكُم. هذِهِ هيَ خُلاصةُ الشَّريعةِ وتَعاليمِ الأنبياءِ. . ..هنيئًا للمُضطَهَدينَ مِنْ أجلِ الحقِّ، لأنَّ لهُم مَلكوتَ السَّماواتِ. …وإذا كُنتَ تُقَدِّمُ قُربانَكَ إلى المَذبَحِ وتذكَّرتَ هُناكَ أنَّ لأخيكَ شيئًا عليكَ، فاَترُكْ قُربانَكَ عِندَ المَذبَحِ هُناكَ، واَذهَبْ أولاً وصالِـحْ أخاكَ، ثُمَّ تَعالَ وقَدِّم قُربانَكَ…يا مُرائيُّ، أخْرجِ الخشَبَةَ مِنْ عَينِك أوَّلاً، حتّى تُبصِرَ جيِّدًا فَتُخرِجَ القَشَّةَ مِنْ عَينِ أخيكَ…سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: عَينٌ بِعَينٍ وسِنٌّ بسِنٍّ….أمَّا أنا فأقولُ لكُم: لا تُقاوِموا مَنْ يُسيءُ إلَيكُم….مَنْ لطَمَكَ على خَدِّكَ الأيْمنِ، فحَوّلْ لَه الآخَرَ…. سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ: أحِبَّ قريبَكَ وأبغِضْ عَدُوَّكَ. ..أمَّا أنا فأقولُ لكُم: أحِبُّوا أَعداءَكُم، وصَلُّوا لأجلِ الّذينَ يضْطَهِدونكُم، فتكونوا أبناءَ أبيكُمُ الّذي في السَّماواتِ. لا تَدينوا لِئلاَّ تُدانوا…فكما تَدينونَ تُدانونَ، وبِما تكيلونَ يُكالُ لكُم….”
برؤية ومقاربة  تحليلية ، وتفكيكية ، لمفهوم ومصطلح “اللاهوت ” يمكن القول، بأنه مجموعة  من القيم والمعايير الأخلاقية ، التي إختزلها  ” الله ” في ذاته ، بتمامها وكمالها  ومطلقها ،(( وهنا تجدر الاشارة إلى نظرية ومفهوم “وحدة الوجود ”  أو الحلول ” لدى المذاهب الصوفية( حيث يقول الحلاج : ما رأيت شيئاً إلاّ رأيت الله فيه،  والتي يسعى الانسان من خلالها ،  تمثل وتقمص القيم الالهية إلى درجة ما  دون بلوغ الكمال والمطلق ، بحيث يشعر الصوفي بأن القيم الإلهية قد حلت فيه ،  والحسين بن منصور الحلاج  الذي  قضى شهيداً  جراء عقيدته الصوفية ، وقطعت أطرافه على خلاف ، بأوامر من الخليفة العباسي ” المقتدر ”   مثالاً ))  وتم تبليغ هذه  القيم النبيلة إلى الكائن الإنسي  العاقل ، عن طريق  أنبيائه ورسله ، ليسعى  بعدها ، هذا الكائن الإنسي العاقل ، بعد إقتناعه وإيمانه بما بشره بها ، هؤلاء الأنبياء والرسل ، من هذه القيم المطلقة ، بأن يتجسدها ويتمثلها ، سلوكاً وممارسة ،  أولاً :  في علاقته الفردية بينه ، وبين الله الموصوف ب” كلي القدرة والمعرفة ” وهو مايسمى في الفقه الاسلامي  ب “فقه  العبادات ”  وثانياً :في علاقته  الإجتماعية مع الآخر ، ” كونه كائن إجتماعي ” وهو مايسمى .ب ” فقه المعاملات ” وأن الميزان والمقياس في سلوك المؤمن هو، ما تم إختزاله إسلاميا ، في الحديث النبوي ، ومسيحياً ، في الموعظة على الجبل ، اللذين سبق ذكرهما 
 – ماهولاهوت  التحرير المسيحي ؟ : لاهوت التحرير في المسيحية هو فرع من علم اللاهوت العام الذي يناقش غفران الخطايا ونيل الخلاص. فالتحرير هنا، بمعنى التبرير من الخطيئة. ويعتقد لاهوت التحرير بأن الله يتحدث للبشرية بشكل خاص عن طريق المعدمين وبأن الكتاب المقدس لا يمكن فهمه إلا من منظور الفقراء. والمقهورين  والمستضعفين، لذلك إنضوى تحت لواء لاهوت التحرير ، مجموعة من التيارات  التي نشأت ،  سواء ضمن الكهنوت المسيحي ، ويمثلها ،  منها  ، التيار الروحي الرعوي الذي يلتزم بمبادئ الإنجيل، والتيار السياسي الذي يدعو ليس العلمانيين فقط، بل الكهنة أيضًا لممارسة السياسة،وتيار الكنيسة الشعبية، والذي يعتبر أن كنيسة الشعب هي مصدر الحرية المسيحية،والتيار الخريستولوجي،  الذي ينظر للسيد المسيح على أنه محرر الإنسان من الظلم والقهر والفقر، وهناك تيارات  أخرى كانت  خارج الكهنوت المسيحي ، مثل ،التيار المنهجي الذي يعتمد على العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع وعلم الإنسان وعلم الاقتصاد.. إلخ، والتيار الاجتماعي الذي يركز على التحليل الاجتماعي ،والتيار التاريخي الذي يدعو لإعادة قراءة تاريخ أمريكا اللاتينية، والعلاقة بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي والصراع الطبقي والأخذ بالتحليل الماركسي
 – رأى ووجد بعض رجال الكثلكة، أن كل شعوب أميركا اللاتينية تعيش في سجن كبير، حيث تكرّس مئات الرهبان والكهنة لخدمة المطالب الشعبية والبحث عن دور الكنيسة في التحوُّل الاجتماعي الجديد.، وبالتالي هناك ضرورة لتحرير هذه الشعوب من هذا السجن الكبير المظلم. وهذا  يتطابق مع الدعوة الإنجيلية إلى الحرية والعدل والحق والمساواة.  وعدم الإكتفاء بالصلوات  والدعوات ، بل الانحياز الفعلي لمصالح الممستضعفين ، والمقهورين ، أي الإنخراط  والتماهي العملي في النضال الجماهيري ، والتحول إلى مفهوم  ” ما يسمى الكهنوتي المناضل ، أوالكهنوتي العضوي ” كما كان غرامشي ، اليساري الايطالي ، يطلق عل المثقف المنخرط  والمتماهي في النضال السياسي الجماهيري ب ” المثقف العضوي ”  وهكذا صار لاهوت العبودية ، مقدمة للاهوت التحرير، وابتدأ التبشير بإنجيل الفقراء والمقهورين ، ارتكازاً إلى ثلاث مفاهيم لبناء المجتمع الجديد:1. إثارة الوعي لدى الجماهير لكيما تدرك أهمية التغيير.2. التحرير من الظلم والفقر والقهر.3. المشاركة في الإصلاح.
وإشتد بريق نجم حركة لاهوت التحرير في أمريكا الجنوبية في فترة السبعينات،  حين أظهرت ، إعلان محبة الله لجميع البشر” و ضرورة الانحياز  لقضايا  تحررالشعوب من الاستعمار ، وقضايا تحقيق العدالة الأجتماعية، من حيث المشاركة العادلة والمنصفة ، في تقاسم الثروة والسلطة ،وبذلك  ، ومن أجل ذلك ، تحالفت مع الحركات  والقوى الماركسيةو الحركات اليسارية. وتآلفوا  في النضال السياسي لأجل المحرومين ضد هيمنة النخب الغنية ،مستندين على المأثور القائل : يجب على المسيحي أن يحب جميع الناس، ولكن بطرق مختلفة، فنحن نحب المقهور بدفاعنا عنه بتجريده من أغلال القهر، أما الطاغى فنحن نحبه بتوجيه النقد اليه ومحاربة طغيانه، فكلا الموقفان نابعان من محبة مسيحيه تشمل الطرفان.
ومن هذا المنطلق يمكن للاهوت التحرير أن يقدم النموذج في ضرورة تبنى المسجد والكنيسة ودور العبادة في الأديان كل الأديان (ماوراء كونيه أو كونيه) احترام ثقافات الديانات الأخرى مع احتفاظ كل دين بعقيدته الخلاصية، ويوحد بينهم خوض معركة العدالة وتحرير الإنسان ،الأمر الذى يتطلب تبنى طقوس في قلب الحياة الإنسانية، وفي خضم نضالات الإنسانية اليوميه، فالوقوف الى جانب المقهورين  والمستضعفين والمظلومين الفقراء،  هو ممارسة حياتيه،  وليس مجرد قراءات وصلوات طقسيه.
 – الإصلاح الديني المسيحي وظهور البروتستانية : يمكن القول  بأنّ الحركة الإصلاحية الدينية ، التي قادها ” مارتن لوثر ” كانت ثورة حقيقية ، على الكنيسة الكاثوليكية ، في فترة زمنية من حياتها ،والتي بدأت مع أوائل القرن الخامس عشر ،  وإتسمت وحفلت  بالكثير من الممارسات السلبية ، وفساد الأكليروس  المالي ، وحتى الجنسي أيضاً، وسلطات البابا المطلقة الدينية منها والدنيوية ، “وكان رجاله (النظام الكنسي) يمسكون في أيديهم السلطة الدينية والدنيوية معًا.. والويل لمن تحدثه ،أو تسول له نفسه ،بأن يثور على نظام الكنيسة، أو يقف في وجهها، لأنهم عندئذٍ كانوا يسلمونه للسلطة المدنية ، لإصدار الحكم عليه ثم يكون نصيبه عامود (خازوق) الإحراق بعد ذلك في الميادين العامة، أما السلطة المدنية فما كانت تعمل إلا في خضوع لأوامرهم ومؤامراتهم”..وهي ممارسات تتناقض مع تعاليم  المسيحية ، التي  تُفصل بين الأمور الدينية والأمور الدنيوية، وتعترف بالفصل بين الدين والسياسة، وليست المسيحية دين ودولة، استناداً الى قول السيد المسيح للمجربين مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ “أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر وما لله لله” ( إنجيل متى 21:22)… وسقوط الكنيسة الكاثوليكية في خطأ الجمع بين السلطتين الزمنية والدينية، أعطى الفرصة للبعض بالاحتجاج. ، وكما  أنّ التجارة بصكوك الغفران ، بالاستناد إلى عقيدة زوائد القديسين ، وعقيدة المطهر ، في العقيدة الكاثوليكية ،  حيث كان يقوم فيهم الكهنة ، (سماسرة بيع صكوك الغفران )بخطبهم البارعة  لجمهور المؤمنين ، يُحدثهم عن فوائد صكوك الغفران ، ويختتمون  خطبتهم  بالعبارة الشهيرة التي سجلها التاريخ ” “في نفس اللحظة التي ترن فيها نقودكم في الصندوق تخرج النفس المطهرية حرة منطلقة إلى السماء”.وأيضا بروز النزعة القومية  لدى المسيحيين غير اللاتين ،  مثل البريطانيين والألمان  وغيرهم ، ضد الثقافة اللاتينية ، وهي ثقافة السلطة البابوية الحاكمة في روما ، وكان يمنع ترجمة الإنجيل المدون باللاتينية ، إلى أي لغة أخرى ، من قبل النظام الكهنوتي الكاثوليكي ، بغية الابقاء على هيمنتها وسطوتها التي إمتدت  منذ عام 384 م ولغاية عصر النهضة ، أي مايقارب ألف عام ، ،وكان القرنان الخامس عشر و السادس عشر ، يوصفان بعصر النهضة في أوربا ، حيث تقدمت وتطورت العلوم على نطاق واسع ، و بالإشارة إلى المأثور القائل ” أنّ الثابت الوحيد  هو التغير ” أي أنّ الحقائق نسبية ،أي ما يعتبر اليوم  بأنّه من الحقائق المطلقة، تراها بعد ظهور المعارف الجديدة ، وخاصة العلمية منها ، أنها فقدت مصداقيتها   ومشروعيتها ، والمثال على ذلك ،عندما  أعلن كوبرينكس أن الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور حولها. وليس كما كان يعتقد سابقاً لدى المجامع الكنسية ،  بأن  الأرض هو مركزالكون، وأيضاً ظهور وإختراع آلة الطباعة. سنة 1450م ، وهذا ساعد على سرعة انتشار الأفكار، ولاسيما التي تعارض وتنتقد الكنيسة البابوية.
 – إذن في هذه البيئة الدينية المسيحية القلقة ، والتي كانت تموج بالكثير من الإرهاصات ، التي تنبئ بولادات جديدة ،  ظهر مارتن لوثر،  وفي 31 أكتوبر 1517م كان يوافق عشية عيد القديسين، حيث يتجه و يقبل الآلاف من كل مكان إلى كاتدرائية “فيتمبرج”  للحصول على الغفران، بشرائهم صكوك الغفران ،  وانتهز مارتن لوثر هذه الفرصة ،وعلق لوحة على باب الكاتدرائية ،تحتوي على خمسة وتسعين إحتجاجًا ،ضد صكوك الغفران باللغة اللاتينية، وكان قصد مارتن من الكتابة باللغة اللاتينية، وعدم كتابتها بلغة الشعب الألمانية،  أنها رسالة موجهة لعلماء الكنيسة بقصد تصحيح الأوضاع… وتعجب مارتن عندما وجد هذه الاحتجاجات، تُرجمت إلى الألمانية ولغات أخرى وطُبعت وانتشرت في ألمانيا وخارجها، وشملت هذه الاحتجاجات ما يأتي:1) ليس للبابا سُلطة على نفوس المنتقلين. (الاحتجاج1-29)2 – الغفران يتم عن طريق واحد وهو التوبة. (الاحتجاج 30-68)3- مهاجمة الذين يرتكبون الشر بحجة أنهم قد اقتنوا صكوك غفران كاملة. (الاحتجاج 69-90)4-  تحذير للشعب من الأنبياء الكذبة الذين ينادون للشعب بالسلام وهم كاذبون، ولن يدخل أحد الملكوت بالمال. (الاحتجاج 91-95)
 – ويمكن الاستنتاج مما تم عرضه ، بأن الثورة اللوثرية البروتستانتية  الاصلاحية ، وما تبعها من حروب السنوات الثلاثين في أوربا ،( 1618م – 1648 م ) التي كان في أساسًها،  بسبب الصراع الديني بين الكاثوليك والبروتستانت ، وبالرغم من مآسيها وضحاياها ، فإنّ هذه الثورة الاصلاحية ، قدآتت أكلها ، وإنتهت الحرب بصلح وستفاليا الشهير عام 1648 م.وكانت الضحية الخفية للحرب هي الكنيسة الكاثوليكية ،التي إضطرت إلى التراجع بموجب هذا الصلح.  وفقدت الكثير من إمتيازاتها السلطوية. وعاد الأمراء والنبلاء  مرة أخرى يقررون عقيدة رعاياهم. وممارسة سلطاتهم ، بعيداً  عن سلطات البابا المطلقة ، وتم الفصل وعلى نطاق واسع بين الدين والسياسة .وظهور الدول والأقاليم القومية ، وأنهى صلح وستفاليا سيطرة اللاهوت على العقل في أوروبا، وأفسح المجال أمام  محاولات  إعمال العقل وإجتهاداته، وزالت الكثير من القيود،  أمام حرية الفكر والابداع والابتكار العلمي  ، وزاد النشاط الفكري والفلسفي .
 – لذلك يمكن القول ، ((وبعد الاشارة مرة أخرى ، إلى ما أورده الكواكبي ، في كتابه طبائع الاستبداد ، ” إذا أردت الاصلاح في السياسة ، عليك بالاصلاح الديني أولاً، )) وبذلك ، كان الاصلاح الديني ، ويمكن تسميتها ، بالثورة الدينية البروتستانية ،  التي بشر بها ، وقادها مارتن لوثر ، كانت هي  الرحم ، الذي حمل  بذور وولادة ، لاهوت التحرير،وهو إنحياز رجال الكهنوت  المسيحي ، وحتى التعاون مع التيارات العلمانية ،لنصرة  ودعم قضايا المستضعفين والمقهورين ، من الذين طالهم  المظالم ، سواء أكانت إجتماعية ، أو سياسية ، مما آل وأدى ،إلى  أنّ لاهوت التحرير، كان نتاج  تفاعل بين الماركسية والكاثوليكية لإقامة الفردوس على الأرض ” هكذا كان بروز لاهوت التحرير سباقًا في أمريكا اللاتينية بسبب التفاعل الحقيقي بين الحركات الاجتماعية الماركسية والإشتراكية وبين الكنيسة الكاثوليكية، وهذا مفقود في بعض مناطق العالم رغم وجود مشكلة الفقر والمظالم الاجتماعية .. وكان من نجاحات لاهوت التحرير هذا التقارب الذي أدخل القضية الاجتماعية إلى قلب الاهتمام الديني. ويمكن تعميم القول الآن أن فكرة لاهوت التحرير هي باختصار جعل الدين أكثر اهتمامًا بالإنسان وبالمجتمع، وهو يحاول القيام بمهمة مزدوجة تبشر بالفردوس في الأرض وفي السماء ،ولا يؤجل سعادة الإنسان .وهناك الكثير من رموز هذا اللاهوت  التحرري ،  في أمريكا اللاتينية  ، مثل  غوستاف غيتييرز وهو قسيس ولاهوتي من البيرو.، ورئيس أساقفة السلفادور أوسكار أرنولفو روميرو (اغتيل عام 1980) ،واللاهوتي البرازيلي ليوناردو بوف، والأب اليسوعي جون سوبرينو ورئيس الأساقفة هيلدر كامارا من البرازيل.  أما في المناطق الأخرى من العالم ، يمكن الاشارة إلى   المطران مكاريوس  رئيس وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية كأول رئيس لقبرص المستقلة من عام 1955 وحتى وفاته عام 1977.، وأيضاً المطران هيلاريون كابوتشي ، الذي ناضل وبذل الكثير في سبيل القضية الفلسطينية ، وأيضاً ديزموند  توتو ، الاسقف الحائز على جائزة نوبل للسلام، وكان الرجل الذي وصف بانه “ضمير” جنوب افريقيا صوتا بارزا خلال نضال البلاد ضد حكم الاقلية البيضاء.
 – الاصلاح الديني الإسلامي: بالإشارة إلى الظروف  السلبية التي كانت سائدة ،في أوربا ، والممارسات الإستبدادية ،والسلطات المطلقة ، الدينية والدنيوية ، التي كان يهيمن عليها البابا ، والفساد المتفشي ضمن حاشيته من الكهنة والأكليروس ، ومحاكم التفتيش ،  وغيرها ، والتي كانت  بمثابة التربة الخصبة ، لظهور مارتن لوثر ، بمشروعه الإصلاحي ، وأفكاره التنويرية،
 –   “السؤال الكبير ” هو ، هل  واجه الإسلام والمسلمين ، خلال المراحل والمحطات ، على مرالتاريخ،إبتداءً من بدايات عصر الدعوة وصولاً إلى ما نحن فيه الآن،( دولة  داعش  والنصرة  والفصائل الحليفة  وملحقاتها )   ظروفاً مشابهة  لما واجهت أوربا في ظل حكم الكنيسة الكاثوليكية ، والسلطات المطلقة للبابا والفساد المتفشي بين قبائل الكهنة والأكليروس  ؟؟؟؟
 – الإجابة عليه ، تكمن في الموروث والتراث الاسلامي ” وهو تاريخ و ممارسات  حكام المسلمين  ، ” المسكوت عنه ” والذي يفصح بكل صراحة وشفافية ،  ودون أي لبس أوغموض ، ب ” نعم ” ويمكن القول ، بأنّ الظروف في بعض مراحله التاريخية ، كانت أشد قتامة وسواداً  مما مرت على أوربا ، وأن الكثير من المظالم والإرتكابات ،  كانت تمارس بإسم الدين ، وكانوا الفقهاء ،( والغالبية منهم كانوا  ضمن فئة فقهاء السلاطين ) يلوون أعناق النصوص لتبرير المظالم والفجور لولي الأمر ، ذو المشيئة والحكم المطلق ،  وبإستنطاق التراث المسكوت عنه ، يتبين من أنّ الحكم الرشيد لم يدم  طويلاً بعد وفاة الرسول ، حيث هناك الكثير من القرائن التي تدل، على بروز الفساد المالي ، والاداري ، والإستبداد والطغيان ،  إبتداء من عهد الخليفه الثالث  وما بعده ، مروراً بالعهد الأموي ( التحول إلى الملكية العضوض ) ثم الخلافة العباسية ، والفاطمية ،  والمماليك ، والخلافة العثمانية ، وأيضاً الممالك والامارات الاسلامية المستقلة عن المركز ، ولم يكن أي منها بمنجي مما ذكر من المفاسد والطغيان .
 -ولإظهار السوءات والإرتكابات ، والمظالم والمفاسد ، التي وثقها الكثيرين من مؤرخي التراث الإسلامي ، يتطلب الكثير ، الأمر الذي لا يسعه هذا المقام ، ونكتفي بذكر بعض العناوين من الثراث الاسلامي ، المسكوت عنه ،للقارئ الكريم ، ممن يرغب في الاطلاع  ، على الجانب غير المضيئ من تاريخ المسلمين ، الذي لايختلف كثيراً عن الذي كان يدور ، في أوربا إبان ظهور مارتن لوثر بمشروعه البروتستانتي الاصلاحي ،  وهي غيض  من فيض ( 1 )كتاب – من تاريخ التعذيب في الاسلام –تأليف د. هادي العلوي  2) كتاب-..الاغتيال السياسي في الاسلام- تأليف د . هادي العلوي ..3 ) كتاب -الامامة والسياسة – تأيف ابن قتيبة الدينوري ..4 )كتاب – تاريخ المخابرات الاسلامية  عبر العصور – تأليف كرم حلمي فرحات  ..5 )كتاب الاغاني –تأليف ابو الفرج الاصفهاني  ) 
–  وهنا وبالمقارنة مع الاصلاح الديني المسيحي، يطرح  السؤال الآخر أيضاً ، ألم يكن هناك مصلحين في التاريخ الاسلامي ، تصدوا لهذه المفاسد  والطغيان المرتكبة من قبل  الحكام  و  بإسم الدين ،؟؟؟ الجواب أيضاً هو ” نعم ” وهناك الكثير ، والكثير ،من هؤلاء ، ابتداءاً  من أواخرعصر  الخلافة الراشدة ، مروراُ بالأمويين ، ثم العباسيين ، والفاطميين ، والمماليك ، والعثمانيين  ، كما أسلفنا ، ولو تمعنا في النشاط الاصلاحي للتنويريين ، الذين عاصروا ، المراحل الأخيرة ، من حياة الدولة العثمانية ، مثل ( الشيخ محمد عبده—ورفاعة الطهطاوي –وجمال الدين الأفغاني -، وعبد الرحمن الكواكبي- ومحمد رشيد رضا   وغيرهم، تراهم  كانوا وجلين ، من الخروج من دائرة  المفاهيم والمصطلحات والثوابت السائدة  ، ونعني هنا تلك العلاقة الملتبسة بين الدّيني والسياسي، بين الدّين والدولة والمواطنة، وزجّ الدّين بلا هوادة في الصراعات السياسيَّة،  مثل مفاهيم الخلافة والحاكميَّة ودار الحرب والسلم والجاهليَّة والكفر والجهاد والجماعة والأمَّة..وظلوا محكومين بالنصوص التي يدل ظاهرها ، على وحدة الدين والدنيا ، مثل الأيات (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ  . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  – وقوله :  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ،ولم تصل جرأتهم إلى حدود  ملامسة ومناقشة  جوهر المشكلة ، وهي علاقة الدين بالسياسة ، والحضورالمرتبك والمتناقض للدّين في المجال العام،.
 –  لماذا نجح المشروع  الاصلاحي المسيحي ، وفشل الاصلاحي الاسلامي ؟؟؟  إن سر نجاح مارتن لوثر ، في ثورته الاصلاحية البروتستانتية ، كانت  عبارةو قول السيد المسيح للمجربين مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ “أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر وما لله لله” ( إنجيل متى 21:22)…  ” ومعناها فصل الدين عن الدولة،بينما اعتبرها  معظم الاصلاحيين الاسلاميين أنها  تخالف نصوص القرآن صراحة بقول الله (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)، وهنا يمكن القول بأنّ جوهر المشكلة هي ، القيود التي تمنع  الخروج من الدائرة المغلقة ، أي إعتبار الاسلام ” دين ودولة ” وفي الحين عينه ، أن كل فرقة ومذهب من البضع والسبعون  فرقة ومذهبا في الاسلام ، تعتبر نفسها ، أنها ” الفرقة الناجية ، وأنها تمثل الإسلام الصحيح ،و ترى هذه الفرق وهذه الملل والنحل ، أن تكون وتدار  الدولة الاسلامية العتيدة ، وفق فقهها ، وشريعتها ،( السنة –الشيعة – الاباضية –الزيدية – الخ، الخ ، الخ ) ولذلك ، كما أن البعض يرى ، بأنّ ” الاسلام دين ودولة ” وأن الاسلام هو الحل، هناك بالمقابل ، من يرى بأن في هذا الشعار تكمن المشكلة  ، وليس الحل ، كما ذهب الشيخ الأزهري ” علي عبد الرازق ” في كتابه ” أصول الحكم في الاسلام ” التي كانت صرخة في أجواءعاصفة وضاع صداها !!!
 – السؤال االمطروح على ضوء ذلك : هل هناك  ، ما يسمى بلاهوت التحرير الاسلامي ؟؟؟ نرى بأنّ الجواب هو ” ليس في الأفق المنظور  ما يبشر بذلك ،  خاصة ،  ظهور عجز المتنورين والاصلاحيين  الاسلامويين ، عن  الإنحياز للحقوق المطلقة للإنسان ، بعيداًعن المؤثرات والنزعات الدينية والقومية ، و طالما لم يتم الفصل بين ، إدارة الدولة لشؤون الناس ، تبعاً لتغير الزمان والمكان ، وبين مهام الدعوة  إلى  جوهر القيم والأخلاق والمبادئ الدينيَّة المناهضة لأفكار التطرُّف والعنف والإقصاء، والمؤسَّسة في جوهرها للتعدُّد والتنوُّع الديني والثقافي، الذي يقوم على التعارف ومكارم الأخلاق واللَّاإكراه، 
 –  ويمكننا القول الآن ، بأنّ من أفضال  وفضائل ” الإستفتاء” العتيد ، في كردستان العراق ،  أنّه كشف  ما يخبئه الطبقات ” الجيوتاريخية ” من  سلوكيات الجاهلية ، والقبلية ، ونزعات العنف ،والإلغاء ،   والغزو على  جغرافية الإقليم الكردستاني ، لدى شركاء الأوطان والأديان ، وأن هناك من الثوابت التي لا تحتمل الشك وهي : ملخص ما قاله نيتشة” حفنة من القوة خير من قنطار من الحق ” وأنّ الحقوق تؤخذ ولا تعطى “وعلى الكردستانيين  أن يتوحدوا ، وفي ذلك قوتهم ، وأن يقتنعوا وبكامل اليقين ، بأن خطوة الاستفتاء كانت ، في الاتجاه الصحيح ، وفي التوقيت المناسب ، وليست مغامرة كما قد يعتبرها البعض ،وسيتقبل دعاة الغزو والاجتياح ، نتائج الاستفتاء كأمر واقع ، ليس بدافع الشهامة والمروءة ، ولكن من قبيل “لا حول ” ، مع قليل من المعاناة  التي قد يتعرض لها الكردستانيون  ، ولتكن سحابة صيف عابرة ، لعلها أيضاً تعتبر حافزاً ، على إعادة ترتيب الأوراق والحسابات، على ضوء ما تم كشفه من مواقف ، على النطاق الداخلي، والإقليمي ، والدولي ،  
 – وهنا ما لفتني أيضاً ،ومن  المفارقات الغريبة ، هي   إنتخاب ” حليمة يعقوب”  رئيسة  لدولة سنغافورة  في الآونة الأخيرة ، والتي (   والدها  من الهند  وأمها من ملاوي  وزوجها  من اليمن )ويتميز الدين في سنغافورة بمجموعة متنوعة من المعتقدات والممارسات الدينية بسبب المزيج العرقي المتنوع من الشعوب القادمة ، من مختلف البلدان أي  يشكل 80% من سكانها  من الصينيين ،  والديانات الرئيسيةهي : البوذية (51 %) المسيحية(15 %) والإسلام (14% ) مع ديانات ومعتقدات أخرى ،  وهذا يدعنا إلى الاستنتاج ، إلى القيم الحميدة التي يذخر بها المعتقد البوذي ، الذي يشكل نسبة 51% من السكان  ، بينما طالب نواب البرلمان العراقي ، من شركاء الأوطان والأديان ، بمذهبيه الشيعي والسني ، ودعوا إلى عزل النواب  من الكتل الكردستانية  من البرلمان ، ومحاكمتهم ، على “جريمة التعبير وابداء الرأي” من خلال الاستفتاء …والسؤال الأخير برسم القادم من الأيام، هل مازال هناك من القبول، والحيز، والمجال ،للبقاء ضمن العراق الموحد الواحد ؟؟؟؟!!!! 
المصادر والمراجع 
1) وليم سيدهم اليسوعي، لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، (لبنان: دار المشرق، 1993)
2 )- صموئيل حبيب، لاهوت التحرر دراسة وتقييم، (القاهرة: دار الثقافة، 1994)
3 )حقوق الانسان بين الأخلاق والسياسة –عبد الرزاق الدواي
4 ) فلسفة الفكر الديني بين الاسلام والمسيحية —لويس غرديه—ج .قنواتي 
5 )إصلاحي في جامعة الأزهر –أعمال مصطفى المراغي وفكره –تأليف –فرنسين كوستيه 
6 ) آفاق الحوار الاسلامي – المسيحي  –تأليف زيدان معدان
7 ) الأنماط الثقافية للعنف —تأليف  باربرا ويتمر – ترجمة ممدوح عمران 
8 ) تاريخ المسيحية الشرقية –تأليف عزيز سوريال عطية 
9 ) أفول السنة—التهجير الطائفي –وميليشيات الموت –وحياة المنفى-تأليف– ديبورا آموس
10 ) رسالة في الأصول البروتستانتية-والسياسة الخارجية الأمريكية –تأليف   سمير مرقس  
.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…