دهام حسن
لا يمكن لأحد أن ينفي دور الأفراد القادة ، في التاريخ ، وأثرهم في قيادة الحركات الشعبية الكبرى ؛ لكن بالمقابل علينا أن نقر ، أن هؤلاء الأفراد ، لا يهبطون من السماء ناضجين مكتملي المزايا من قوة ونبوغ ، وكاريزما ، تؤهلهم لقيادة الثورات الاجتماعية ، والحركات الشعبية ، بل هم نتاج مجتمعاتهم ، ووليد ظروف أفرزتهم ، ليلعبوا بالتالي دورهم المتميز الذي لا يغمطهم التاريخ حقهم ..
فمن منا لم يمر بذاكرته شخصية سبارتاكوس الذي قاد ثورة العبيد ، بغض النظر عن النتيجة التي منيت بها حركته وهي الإخفاق ، ولصلاح الدين الأيوبي مكانته التاريخية فقد أنصفه الأعداء قبل الأصدقاء ، وأيضا مارتن لوثر الذي قاد شقاق المذهب البروتستانتي عن الكنيسة كحركة إصلاحية .
وقد ساعدته الظروف ربما بسبب المستحدثات العلمية ، منها قبل أي شيء ، اكتشاف الطباعة..
ونابليون بونابرت قائد الحملات الفرنسية على أكثر من دولة في أوربا خاصة ، والتاريخ يعج بالأسماء ..ستالين مثلا ، وجمال عبد الناصر كان يتمتع بشخصية كاريزمية على الصعيد القومي العربي ، مع العلم أن كثيرا من هؤلاء الخالدين الكبار ربما لم يكونوا بمواصفات تجعلهم جديرين بهذا الاحتفاء من قبل شعوبهم ، وسوف نوضح هذه الفكرة لاحقا..
علينا بداية ونحن هنا نستذكر بعض رجالات التاريخ المشهود لهم بالدور الكبير في صناعة الأحداث ، أن نعود إلى ما بدأناه ، بأن هؤلاء ليسوا سوى نتاج ظروف مجتمعاتهم في درجة من تكونها ، لهذا ينبغي ألا ينظر إلى ما تحصل من تغيرات كبرى ، بأنها جهود هؤلاء الرجال ، بل يجب اعتبار هذه المنجزات بأنها منجزات لتلك الشعوب التي أفرزت هؤلاء الرجال القادة ..
إن شخصية الإنسان تتكون – رغم الجهد الشخصي للفرد – فهي تتكون بالتفاعل مع البيئة الاجتماعية ، أي الظروف الخارجية المحيطة به ، والتبدل الذي يطرأ على شخصية الفرد يتماشى ويتزامن مع تبدل الظروف ، فالظروف الثورية تخلق بالضرورة قيادات ثورية ، وبمواصفات قد تبرز عند هذا أكثر مما تبرز عند ذاك الأخر ، أما بروز هذا الاسم بالذات فهو عائد للصدف .
فلو لم يكن نابليون بونابرت قائدا للحملات ، لخرج لنا قائد فرنسي آخر بمواصفات تزيد أو تقل عن مواصفات بونا برت ، أما التكوين النفسي فيتولد من ظروف الحياة ويتغير بتغيرها بتعبير إلياس مرقص وهذه الفكرة العلمية مستمدة من ترنيمة ماركس التي تقول : ” إن الظروف تخلق الناس بقدر ما يخلق الناس الظروف ” .
إن تأليه أمثال هؤلاء القادة على ما لعبوه من دور في التاريخ ، له آثاره السلبية على الحركات ومستقبلها وكثيرا ما وجدنا كيف أن ماركس و أنجلس ، يزعجهما الإطراء الزائد ، وكانا يعنفان بالكلام من يكيل لهما المدح ؛ لماذا ذلك برأيهما ؟ لأنهما كانا يدركان ، أن التغييرات الكبرى الحاصلة تعود إلى جهود الشعوب ، فلا يمكن تجاهل هذه الحقيقة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن التركيز على الأفراد يستبعد دور الهيئات والمؤسسات ، ويغيب ويستصغر عمل القوى البشرية ، ويخلق بالتالي حالة غير مرضية بتجاهل هذه العوامل أو العناصر الداخلة في التغييرات الحاصلة ؛ ثم أن كثيرا من هؤلاء الأفراد القادة كما نوهنا قبل قليل ليسوا بتلك المواصفات الجديرة بالتخليد ، فعبد الناصر لم يكن سوى ضابط صغير مفعم بالوطنية ، لكن الشعب المصري كان في حالة غضب وغليا ن من النظام الملكي ، ومن ورائه البريطانيون ، وكأنما كانوا يبحثون عن منقذ ، وكان عبد الناصر هو المنقذ المبتغى ، فكانت ثورة يوليو التي فجرها الشعب المصري ، وقادها الضباط الأحرار ، ويصادف أن يكون بين هؤلاء الضباط جمال عبد الناصر ، ليسطع نجمه بعد ذلك ؛ ولشخصية ستالين قراءتها التاريخية أيضا ، فهو تسلم الخلافة بعد وفاة لينين في عام 1924 وفي القيادة حينذاك كان ثمة عديد ممن يفوقون ستالين ذكاء واستيعابا ، لكن ستالين بعد أن تمكن من السلطة تخلص من منافسيه وراح ينشئ جوائز أطلق عليها اسمه تمجيدا لشخصيته علما أن خروشوف الذي جاء بعده وكان معه في قيادة الحزب وصفه بالقاتل ، وكتب عنه آخر، أنه من أصل 129 عضوا من أعضاء اللجنة المركزية ألقي القبض على سبعين بالمئة منهم وأعدموا، رغم ذلك فقد طارت شهرته ، وإذا كان قد اقترنت باسمه انتصارات الحرب العالمية الثانية عند بعضهم ، فمنهم من قال : لولا وجود ستالين لانتصرنا بخسائر أقل … الكلام التالي هنا يعود لأحد الإثينيين على ما يرجح ، إذ يقول : إن أخطاء القادة تملأ المقابر..
وقد ساعدته الظروف ربما بسبب المستحدثات العلمية ، منها قبل أي شيء ، اكتشاف الطباعة..
ونابليون بونابرت قائد الحملات الفرنسية على أكثر من دولة في أوربا خاصة ، والتاريخ يعج بالأسماء ..ستالين مثلا ، وجمال عبد الناصر كان يتمتع بشخصية كاريزمية على الصعيد القومي العربي ، مع العلم أن كثيرا من هؤلاء الخالدين الكبار ربما لم يكونوا بمواصفات تجعلهم جديرين بهذا الاحتفاء من قبل شعوبهم ، وسوف نوضح هذه الفكرة لاحقا..
علينا بداية ونحن هنا نستذكر بعض رجالات التاريخ المشهود لهم بالدور الكبير في صناعة الأحداث ، أن نعود إلى ما بدأناه ، بأن هؤلاء ليسوا سوى نتاج ظروف مجتمعاتهم في درجة من تكونها ، لهذا ينبغي ألا ينظر إلى ما تحصل من تغيرات كبرى ، بأنها جهود هؤلاء الرجال ، بل يجب اعتبار هذه المنجزات بأنها منجزات لتلك الشعوب التي أفرزت هؤلاء الرجال القادة ..
إن شخصية الإنسان تتكون – رغم الجهد الشخصي للفرد – فهي تتكون بالتفاعل مع البيئة الاجتماعية ، أي الظروف الخارجية المحيطة به ، والتبدل الذي يطرأ على شخصية الفرد يتماشى ويتزامن مع تبدل الظروف ، فالظروف الثورية تخلق بالضرورة قيادات ثورية ، وبمواصفات قد تبرز عند هذا أكثر مما تبرز عند ذاك الأخر ، أما بروز هذا الاسم بالذات فهو عائد للصدف .
فلو لم يكن نابليون بونابرت قائدا للحملات ، لخرج لنا قائد فرنسي آخر بمواصفات تزيد أو تقل عن مواصفات بونا برت ، أما التكوين النفسي فيتولد من ظروف الحياة ويتغير بتغيرها بتعبير إلياس مرقص وهذه الفكرة العلمية مستمدة من ترنيمة ماركس التي تقول : ” إن الظروف تخلق الناس بقدر ما يخلق الناس الظروف ” .
إن تأليه أمثال هؤلاء القادة على ما لعبوه من دور في التاريخ ، له آثاره السلبية على الحركات ومستقبلها وكثيرا ما وجدنا كيف أن ماركس و أنجلس ، يزعجهما الإطراء الزائد ، وكانا يعنفان بالكلام من يكيل لهما المدح ؛ لماذا ذلك برأيهما ؟ لأنهما كانا يدركان ، أن التغييرات الكبرى الحاصلة تعود إلى جهود الشعوب ، فلا يمكن تجاهل هذه الحقيقة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن التركيز على الأفراد يستبعد دور الهيئات والمؤسسات ، ويغيب ويستصغر عمل القوى البشرية ، ويخلق بالتالي حالة غير مرضية بتجاهل هذه العوامل أو العناصر الداخلة في التغييرات الحاصلة ؛ ثم أن كثيرا من هؤلاء الأفراد القادة كما نوهنا قبل قليل ليسوا بتلك المواصفات الجديرة بالتخليد ، فعبد الناصر لم يكن سوى ضابط صغير مفعم بالوطنية ، لكن الشعب المصري كان في حالة غضب وغليا ن من النظام الملكي ، ومن ورائه البريطانيون ، وكأنما كانوا يبحثون عن منقذ ، وكان عبد الناصر هو المنقذ المبتغى ، فكانت ثورة يوليو التي فجرها الشعب المصري ، وقادها الضباط الأحرار ، ويصادف أن يكون بين هؤلاء الضباط جمال عبد الناصر ، ليسطع نجمه بعد ذلك ؛ ولشخصية ستالين قراءتها التاريخية أيضا ، فهو تسلم الخلافة بعد وفاة لينين في عام 1924 وفي القيادة حينذاك كان ثمة عديد ممن يفوقون ستالين ذكاء واستيعابا ، لكن ستالين بعد أن تمكن من السلطة تخلص من منافسيه وراح ينشئ جوائز أطلق عليها اسمه تمجيدا لشخصيته علما أن خروشوف الذي جاء بعده وكان معه في قيادة الحزب وصفه بالقاتل ، وكتب عنه آخر، أنه من أصل 129 عضوا من أعضاء اللجنة المركزية ألقي القبض على سبعين بالمئة منهم وأعدموا، رغم ذلك فقد طارت شهرته ، وإذا كان قد اقترنت باسمه انتصارات الحرب العالمية الثانية عند بعضهم ، فمنهم من قال : لولا وجود ستالين لانتصرنا بخسائر أقل … الكلام التالي هنا يعود لأحد الإثينيين على ما يرجح ، إذ يقول : إن أخطاء القادة تملأ المقابر..
هناك أحد المفكرين يقول : ” أنا لا أؤمن ببطولة فردية ، يمكن أن تنبثق من العدم ، أنا أعتقد ببطولة يحركها التاريخ فليس الأفراد هم العظماء ، وإنما التاريخ هو الذي يجعلهم عظماء “..
تصوروا ..
لو وضعنا نابليون بونابرت ، أميرا في دولة خليجية ، أو قائدا لجيش في إحدى دول العالم الثالث ، فماذا يصنع أكثر من جنرالات اليوم، فهل كنا نتوقع منه شيئا خارج المألوف .
نعود ثانية لنقول يجب التركيز على الفرد المجتمعي ، الذي يكون في ترابط عضوي مع المجتمع، لا ينفك عنه ، يقوى بقوته،ويضعف بضعفه ، وليس التركيز على الفرد الأنا المنعزل الذي يأتي بالمعجزات ، المجتمع هو الذي يفكر ، ومن خلاله الفرد المجتمع ، و يبقى للفرد دوره المقدر المحفوظ ..
تصوروا ..
لو وضعنا نابليون بونابرت ، أميرا في دولة خليجية ، أو قائدا لجيش في إحدى دول العالم الثالث ، فماذا يصنع أكثر من جنرالات اليوم، فهل كنا نتوقع منه شيئا خارج المألوف .
نعود ثانية لنقول يجب التركيز على الفرد المجتمعي ، الذي يكون في ترابط عضوي مع المجتمع، لا ينفك عنه ، يقوى بقوته،ويضعف بضعفه ، وليس التركيز على الفرد الأنا المنعزل الذي يأتي بالمعجزات ، المجتمع هو الذي يفكر ، ومن خلاله الفرد المجتمع ، و يبقى للفرد دوره المقدر المحفوظ ..
تحضرني هنا فكرة ، لها علاقة بموضوع مقالنا هذا ، فإذا ما أمعنا اليوم النظر في واقع الحركات ، والتنظيمات ، والأحزاب السياسية ، في واقع العرب المتخلف ، نجد أن كثيرا من هؤلاء الأفراد القادة الممجدين ، ينبتون في بيئات لا تعرف الديمقراطية ، وفي غياب الحريات العامة ، وأيضا في غياب المؤسسات الشرعية المنتخبة ، حيث ينتفي التمثيل الصحيح ، والاختيار السليم للقادة ، فالقائد اللاديمقراطي ، الذي يأتي بالسبل غير الشرعية سرعان ما تجده في الأنظمة التوتاليتارية تحاط بهالة من التعظيم والتقديس ، فيظهر أقوى من حزبه ، ونادرا ما تجده يرخي زمام الأمور ، أو يسلمها لرفاقه في القيادة ، فهم لا يتحركون إلا وفق إرادته وتحت سمعه وبصره ، ومن هنا كان التغيير لا يتم إلا بالانقلابات وحدها في إطار الدول ، وهذا التغيير القسري فقد كثيرا من حظوظ النجاح في العقود الأخيرة كما يبدو..
أما في الأحزاب التي هي خارج السلطة ، فكان نصيبها الانشقاق تلو الانشقاق ، فهل بقاء الرفيق خالد بكداش أمينا عاما للحزب الشيوعي السوري رغم ما تميز به من مزايا قيادية ، هل بقاؤه نحو ستة عقود أمينا عاما للحزب ظاهرة سليمة مهما أوتي من قدرات مفترضة ؟ وهل عجزت النساء أن يلدن مثل هؤلاء ؟ أليس هذا استبعاد للهيئات الحزبية ، وتهميش لدور الآخرين ؟ ألا يتحمل هؤلاء القادة وزر الحط من دور المؤسسات والهيئات ؟ ألا يعيش الرفاق في القواعد حياة هامشية ؟ وبدون أن يكون لهم أي دور يذكر ؟ لست بانتظار الجواب الذي لن يفحم أحدا..! لقد تزامن تعظيم وتأليه الإسكندر المقدوني وهو في مقتبل الشباب ؛ والفضل يعود للنهضة الفلسفية والعلمية التي عرفت بها اليونان ، دون أن نغفل عن تلك الفترة أن بعضا من نوابغ الإغريق كانوا يباعون في سوق الرقيق ، أو يرغمون على تجرع السم ، أي أن القوة والفرادة لا تنبع من شخصية الفرد ، بل تخلقها الظروف الاجتماعية بوجه خاص ، فالفرد القائد يقوى بقوة الطبقة التي تقف وراءه، ويضعف بضعفها
أما في الأحزاب التي هي خارج السلطة ، فكان نصيبها الانشقاق تلو الانشقاق ، فهل بقاء الرفيق خالد بكداش أمينا عاما للحزب الشيوعي السوري رغم ما تميز به من مزايا قيادية ، هل بقاؤه نحو ستة عقود أمينا عاما للحزب ظاهرة سليمة مهما أوتي من قدرات مفترضة ؟ وهل عجزت النساء أن يلدن مثل هؤلاء ؟ أليس هذا استبعاد للهيئات الحزبية ، وتهميش لدور الآخرين ؟ ألا يتحمل هؤلاء القادة وزر الحط من دور المؤسسات والهيئات ؟ ألا يعيش الرفاق في القواعد حياة هامشية ؟ وبدون أن يكون لهم أي دور يذكر ؟ لست بانتظار الجواب الذي لن يفحم أحدا..! لقد تزامن تعظيم وتأليه الإسكندر المقدوني وهو في مقتبل الشباب ؛ والفضل يعود للنهضة الفلسفية والعلمية التي عرفت بها اليونان ، دون أن نغفل عن تلك الفترة أن بعضا من نوابغ الإغريق كانوا يباعون في سوق الرقيق ، أو يرغمون على تجرع السم ، أي أن القوة والفرادة لا تنبع من شخصية الفرد ، بل تخلقها الظروف الاجتماعية بوجه خاص ، فالفرد القائد يقوى بقوة الطبقة التي تقف وراءه، ويضعف بضعفها