الاستفتاء والمجتمع الدولي

ريزان شيخموس 
لقد بات موضوع الاستفتاء من أجل استقلال كردستان من أكثر مواضيع الساعة إثارة وصخباً وضجيجاً على المستوىين المحلي والعالمي سياسياً واعلامياً، وصل هذا الضجيج الى مرحلة أن يصدر مجلس الأمن الدولي بياناً يُبين فيه  موقفه من هذا الاستفتاء ، وهذا أمر مثير جداً بالنسبة للشعب الكردي ، الذي أصبح قضيته القومية تشغل العالم بأسره . وانه يؤشر على ضرورة حل هذه القضية بأسرع وقت ممكن بما تخدم الاستقرار والسلام العالمي ووفق مصالح الدول الكبرى بعيداً نسبياً عن المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة والتي تنص صراحة بحل قضايا الشعوب وفق المعايير الديمقراطية وتكمن في حق الشعوب في تقرير مصيرها.
السؤال الذي يؤرق الكثير من المراقبين الكرد ويثير لديهم تساؤلات مشروعة وخاصة في هذه الظروف المصيرية التي تمر بها قضية شعبهم ” مرحلة الاستفتاء ” ، هل يفهم من هذا الصخب العالمي بأنه قد توحد العالم في مواجهة إرادة الشعب الكردي نحو حقه في تقرير مصيره وإعلان دولته الوطنية المستقلة ؟ ولاسيما بعد الاهتمام الذي لاقاه الكرد اثر الإنجازات العظيمة التي حققتها بيشمركة كردستان في حربهم الضروس مع تنظيم خطير كتنظيم داعش الإرهابي. إن الكرد وقادتهم كانوا يتوقعون ان يكافؤوا على ما قدموه من التضحيات العظيمة في هذه المواجهات الخطيرة , حيث كان لهم الدور الأساسي في تحطيم أسطورة داعش وتحرير معظم المناطق  من سطوتهم 
وبطشهم ، وبالتالي ساهم الكرد في استقرار المنطقة وإحلال السلام فيها .
لذا ان التبريرات التي تقدمها الكثير من الدول المعارضة للاستفتاء من اجل استقلال كردستان بانه قد يزعزع استقرار المنطقة أو قد يضعف المحور المقاوم للارهاب و تنظيمه الأساس داعش ، أن هذه التبريرات غير مقنعة مطلقاً ولا تعبر عن حقيقة الواقع العراقي أو الكردستاني. بل ما يفهم من هذه الحجج بأن هذه الدول تسمع فقط من حكومة بغداد أو من الدول المجاورة لها. ولكن في الحقيقة ان الشعب الكردي يملك الكثير من اجل مستقبل المنطقة والعالم ، وان الشعب الكردستاني سيكون اكثر استعداداً وأكثر قدرة في مواجهة التنظيم الإرهابي داعش وأثبت ذلك من خلال مواجهاته السابقة حيث قدم آلاف الضحايا في هذه المواجهة واستطاعت البيشمركة ان تقدم الكثير في هذا المجال رغم عدم امتلاكها الامكانات العسكرية الضخمة والتي حجبت عنها حكومة بغداد.
اي ان استقلال كردستان سيكون عامل مساعد للاستقرار والسلام والتوازن في المنطقة وسيستمر في محاربة الارهاب وتنظيم داعش ، ولاسيما انه عانى من الاٍرهاب والانظمة الارهابية و تعرض لمئات المجازر الرهيبة ، والأنفال ، والسلاح الكيماوي المحرم دولياً ، والهجرة المليونية ، وبالتالي لن يتراجع مطلقاً في دوره الفاعل في محاربة الارهاب والسعي الجدي من اجل استقرار المنطقة وإحلال السلام فيها.
ان المجتمع الدولي مطالب أكثر من اي وقت مضى ان يلتفت الى الشعب الكردستاني وأن يدعمه في هذا الاستفتاء والذي يعبر عن إرادة الشعب الكردستاني في تقرير مصيره واستقلاله، وان يحترم ويقدر التضحيات العظيمة التي قدمته هذا الشعب في مواجهة الارهاب, وعلى هذا المجتمع وخاصة الدول التي لديها نفوذ واضح في المنطقة، أن تضغط على حكومة بغداد لقبول نتائج الاستفتاء لانها تتحمل مسؤولية هذا القرار الذي اتخذته الاحزاب الكردستانية ، بعد أن تحولت هذه الحكومة إلى موظفين ينفذون أوامر النظام الإيراني. لذا ان حكومة بغداد رفضت منطق الشراكة مع الشعب الكردستاني حيث لم تنفذ الالتزامات الأساسية في الدستور العراقي وخاصة فيما يتعلق بالبند ١٤٠ و الالتزامات المالية وموضوع البيشمركة ومسألة النفط وغيرها من المواضيع المهمة ، حتى انها رفضت الحوار مع القيادات الكردية لحل كل المواضيع المعلقة منذ أكثر من عشر سنوات .
ان الشعب الكردستاني لم يعد يثق بهذه الحكومة التي رفضت الشراكة معه بل بالعكس تنسق مع أنظمة الدول الغاصبة لكردستان وتجتمع معها وتخطط لافشال هذه العملية الديمقراطية ومواجهة مصير وإرادة الشعب الكردستاني ، لان هذه الأنظمة منذ اغتصابها لكردستان تقمع وتقتل الشعب الكردي ووتخطط لانهاء هذا الشعب وصهره في بوتقة شعوبها وأنها رغم استمرارها في عداءها للشعب الكردي وحقوقه القومية واستخدام كل الأساليب وآلات القتل والتدمير بحقه لكنها فشلت في كل ذلك واستطاع هذا الشعب ان يبقى صامداً ومقاوماً لكل ذلك ومالكاً لارادة فولاذية من اجل حقه .
ان الشعب الكردستاني وأحزابه السياسية وحكومته وبرلمانه بقيادة الرئيس مسعود بارزاني قرر ان ينفذ الاستفتاء في الخامس والعشرين من هذا الشهر ولن يتراجع عن قراره رغم كل الضغوطات التي يتعرض له من حكومة بغداد والانظمة الغاصبة لكردستان والعديد من الدول ، وبات من الواضح أن شعبنا وفي كل مهرجاناته الضخمة قال كلمته بوضوح ” نعم للاستقلال ” ، وكما قال الرئيس برزاني رمز الاستقلال ان موضوع الاستفتاء اصبح بمتناول الشعب الكردستاني وانه لن يخذله أبداً.
وان التاريخ لن يعود الى الوراء مطلقاً وبالتالي لن يقبل شعبنا الا بالاستقلال عنواناً لكل حوارته المستقبلية وانه لن يصبح بعد اليوم حصان طروادة لأحد، وان إرادته وصموده أقوى من كل الضغوطات والتحشدات الإعلامية منها أو العسكرية ، وان الشعب الذي يملك هذه الإرادة لن يرضخ لكل هذه المصاعب أو الضغوطات.
 وعلى المجتمع الدولي ان يعلم ان شعبنا يملك الكثير ليقدمه للمنطقة والعالم ، وستصبح كردستان رمزاً للاستقرار والسلام والتوازن في المنطقة ومحاربة  الارهاب .
المقال منشور في جريدة كردستان العدد ٥٦٩

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…