هل الكورد في عجالةٍ من أمرهم؟

جان كورد
بعض الناس يتساءلون، وهم يرون التحديات والمصاعب والترويع والتهديد بالتجويع التي قد تعترض طريق استقلال جنوب كوردستان، عما إذا كانت قيادات الكورد قد عزمت أمرها على “حرق المراحل” قبل الإقدام على “استفتاء 25/9/2017″، وفي الحقيقة هذا تساؤلٌ يجب أخذه بعين الاعتبار، وسط الزوابع العاتية التي لاتهب من ناحية بغداد فحسب، وإنما من جانب أنقره وطهران أيضاً، ولأن بعض زعماء وقادة العالم “الديموقراطي” قد شطبوا على “حق تقرير المصير للشعوب” بصدد الإقليم الذي ربما صدّق أنّ العالم المتمدّن لم يعد يضع مصالحه فوق مبادئه. 
في الحقيقة، أثبت هذا الاستفتاء أن قروناً عديدة من تضحيات الأمة الكوردية في سبيل حريتها واستقلالها لم تكن كافية لقبول المتمدنين والديموقراطيين بحقها في نيل حريتها وصون كرامتها كأمةٍ مستقلة، وهي التي وقفت ولا تزال في الخندق الاوّل في الحرب على الإرهاب ، وهذا عارٌ على جبين الزعماء الكبار والصغار، وعلى منظمة الأمم المتحدة التي كان من المفترض أن تدافع هي قبل الكورد عن “حق تقرير المصير “، هذا الحق المثبت في ميثاقها العالمي منذ عقودٍ من الزمن. 
وأثبت هذا الاستفتاء أن الكثيرين من “جيران الكورد”، وهم عربٌ وترك وفرس، غير مقتنعين أصلاً حتى ب”الفيدرالية” المتواضعة لشعبنا في إقليم جنوب كوردستان، فلو كانت الحكومة العراقية مقتنعة بهذا لما قطعت الرواتب عن موظفي وبيشمركة كوردستان لسنواتٍ عديدة، في الوقت الذي تزعم أن “كوردستان جزءٌ عزيزٌ من العراق.” ومعلوم أن حكومة ملالي إيران لا تقبل باستخدام مصطلح “الفيدرالية” كلياً، كما أن الحكومة التركية التي يبدو أنها خرجت عن طورها منذ الإعلان عن الشروع في الاستفتاء الكوردي، تغرم المسؤولين الأتراك الذين يتلفظون ب”كوردستان”، فكيف ستقبل ب”فيدرالية” لكوردستان؟ 
وهكذا نجد أن “الاستفتاء” قد أظهر صحة الفكرة التي تقول: أن نكون أو لا نكون! فالحوار الذي يدعون إليه ليس إلاّ من قبيل “اخلع نعليك فإنك في حرم السلطان أو في عتبات ولي الفقيه” الذي لا يعترف بالحدود كلها، فكيف يعترف بفيدراليتك؟ 
الحوار مع بغداد يبدأ أولاّ بالتنكر لإرادة شعب كوردستان وبالتراجع عما قرره هذا الشعب، أي أنه “حوار الطرشان” لا يغني ولا يسمن من جوع. فمتى اشتد ساعد القائمين بأمر الحاكم الفارسي في بغداد فسيهاجمون كوردستان حتماً، فهذا ما نقرأه من سيماهم وألفاظهم وتهديداتهم. 
صحيحٌ أن وزير خارجية سوريا السيد وليد المعلم قد أبدى في تصريحٍ له الموافقة المبدئية على الحوار مع الكورد من أجل “إدارة ذاتية كوردية” في سوريا، في هذه الظروف بالذات، إلا أن هذا يذكرنا بالعرض الذي عرضه صدام حسين على القيادة الكوردية في عام 1970 وعدّله تماماً بما يحقق سيطرته التامة على كوردستان فيما بعد، وبالتأكيد لو كان هذا العرض الذي ذكره السيد المعلم جاداً فلماذا لم يتم ذكره منذ سنوات؟ فهل هذا لإرغام المجلس الوطني الكوردي، المنتسب لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، للتنصل من مسؤولياته في المعارضة والارتماء في أحضان النظام الذي يريد السيطرة على شمال سوريا كلياً، حيث يزداد الوجود الأمريكي المقلق كثافةً؟ أم أنه يريد منح حزب الاتحاد الديموقراطي مفتاحاً للبيت الكوردي، يفتحه ويغلقه متى ما يشاء على من يتبعه ويعارضه؟ أم أن هذه خطوة استباقية لمنع التقارب بين سلطة الأمر الواقع في غرب كوردستان والقيادة الكوردية المتوجهة صوب الاستقلال في جنوب كوردستان؟ أم أنه مشروعٌ عملي بضماناتٍ دولية “إيرانية – تركية – روسية!!!” لإبعاد الولايات المتحدة عن شمال سوريا؟  
بغض النظر عن مصداقية أو عدم مصداقية دعوة رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي، الأضعف حلقةً في نظام بغداد التابع لإيران، فإن الزعم المستمر لكثيرين من الإعلاميين والسياسيين العرب بأن “الاستفتاء حقٌ طبيعي للشعب الكوردي ولكن ليس الآن!” يبدو ككذبة نيسان. إذ ينتظر الكورد منذ قرون مثل هذا اليوم التاريخي في حياتهم السياسية، وقد توحدوا بصددها كحالةٍ استثنائية في تاريخهم، وأدلوا بأصواتهم بنسبةٍ عالية حقاً، رغم التهديدات من كل جانب، وجرى كل شيءٍ في أجواء احتفالية وعيدية وتآخٍ وتآلف بين كل مكونات كوردستان القومية والدينية، ثم يظهر الإعلاميون العرب ليقولوا للكورد: “معكم حق أيها الإخوة، ولكن عليكم إلغاء نتائج الاستفتاء إلى وقتٍ آخر!”، ماذا يعني هذا الاستهتار بإرادة شعبٍ من الشعوب؟ إنه يعني لي ولكثيرين من أحرار الكورد (نحن لا نعترف بكم كشعب له إرادة.)
الكورد لم يكونوا في عجالةٍ من أمرهم أيها السادة، بل تأخروا جداً، ولم يغتنموا فرصة سقوط “حارس البوابة الشرقية” الذي تم إخراجه من جحر ضب، ففي ذلك الوقت بالذات كان على الكورد إعلان استقلالهم، حتى من دون استفتاء، وقد كتبت آنذاك مقالاً بهذا الصدد، فعاتبني أحد نشطائنا الديموقراطيين جداً وقال: “نحن والعرب إخوة في النضال وحلفاء!”
واليوم، يكشّر الأعداء العنصريون عن أنيابهم مثل أمراء الدراكولا المتعطشين لدماء شعبنا، ولكن الشعوب لا تتنازل عن كرامتها وسيادتها حتى وإن أبيدت… والكورد في جنوب كوردستان واثقون من أن إخوتهم وأخواتهم في سائر أنحاء كوردستان الأم، وحيثما يتواجدون، سيكونون لهم جنوداً في القتال، فلقد توحدت هذه الأمة تحت رايتها وخلف قائدها الشجاع مسعود بارزاني الذي سيقود المسيرة إلى النصر، رغم كل التحديات والتهديد بالتجويع والإبادة، بإذنه تعالى. 
فهنيئاً لهذه الأمة التي عبّر جزءٌ منها عن إرادته رغم كل التحديات وتضامنت معه أجزاؤها الأخرى بقوة.
‏27‏ أيلول‏، 2017     
kurdaxi@live.com
  facebook: kurdaxi1

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…