آن للكردي أن يحدث ضجيجاً في هذا العالم

ماجد ع  محمد
“العالم بأسره يفسح الطريق للشخص الذي يعرف وجهته”
رالف إميرسون
بعد أن أمر مجلس الأمن القومي الإيراني بإغلاق المجال الجوي لطهران أمام كردستان العراق بهدف عرقلة عملية الاستفتاء، وبعد أن توعد مجلس الأمن القومي التركي إقليم كردستان وراح يرعد ويزبد في سعيٍّ منه لإيقاف مركبة الاستفتاء، هذا عدا عن استمرار الرفض الشبه دولي من العالمين الغربي والإسلامي عشية الاستفتاء، فحيال كل هذا العداء من قبل المجتمع الدولي ضد حرية شعب بأكمله لا يسعنا إلا أن نذكّر الكرد بعبارة هاريت سويت: “إذا رأيت نفسك محشوراً في وضعٍ صعب، وكل شيء يبدو ضدك إلى أن تشعر أن لا تستطيع الاستمرار في ذلك، ولو لدقيقةٍ واحدة، فلا تتراجع أبداً، لأن تلك اللحظة الحرجة سوف تشهد مولد النجاح”.  
فمن خلال إصرار قيادة الإقليم وتأكيد المفوضية العليا المستقة للانتخابات على عدم التراجع عن عملية الاستفتاء، بات جلياً أن حكومة الإقليم قد خبرت جيداً نوايا الجيران ومواقف الدول على مر السنوات السابقة، وأيقنت القيادة السياسية وشعب الإقليم برمته بأنهم إن لم يتحركوا نحو الهدف المرتجى فما من أحدٍ سيقول لهم تفضلوا هذه هي مستحقاتكم على طبقٍ من ذهب، وهو ما أشار إليه البارزاني مراراً في سياق مقابلاته الأخيرة مع وسائل الإعلام، لذا قررت حكومة الإقليم المضي قدماً نحو الهدف الذي حددوه مع البيشمركة البواسل ومعظم القوى السياسية في كردستان.  
وبالرغم من أن الإقليم اتخذ قراره الحاسم في السير نحو ما هو أبعد من الاستفتاء، إلا أنه من خلال التصريحات المضادة لعملية الاستفتاء من قِبل كبرى الدول والمؤسسات في العالم الغربي والإسلامي، بدا لنا من خلال قراءة مواقف الدول الغربية والعالم الاسلامي أنه لا بأس لديهم بأن تسبى النساء أمام شاشاتهم، وتُستعبد الملل على مرأى نواظرهم فكل ذلك لا يدفعهم للاستنفار، ولا بأس بأن تفتِك أمة بأمة أخرى فذلك أيضاً لا يزلزل أركان الوجدان لديهم، ولا بأس بالقتل على الهوية والتمثيل بجثث الأوادم، أما أن يستفتي المرء أهل بيته بأرقى السبل في شأنٍ يخصه وحده دون غيره فهو الخطأ بنظر الغرب الديمقراطي، وأقرب إلى الكارثة بالنسبة للعالم الإسلامي، فأن يشاور الكردي أهل داره مرةً في العمر فهي الطامة الكبرى لدى المذكورين، إذ غير مسموح للكردي بالنسبة لهم أن يشاور أهل بيته، وغير مقبول لديهم أن يستفتي أبناء الإقليم بعضهم بعضا في مسألةٍ خاصة بهم وليس بالجيران، وبناءً على ذلك فمن شبه المؤكد أن السبب المباشر والواضح لذلك الامتعاض الكوني هو المحافظة على إبقاء الكردي جسراً لهم كما كان حاله طوال القرون الماضية، فالملل التي تتقاسم فيما بينها جغرافية كردستان استخدمت الكردي المسلم كمطية طيعة في متناولهم، استخدموه في حروبهم وغزواتهم ونزاعاتهم وبناء حضاراتهم، وفي النهاية كل منهم حصل على دولته، وقالوا للكردي أنت أخ لنا ولا يستدعي الأمر بأن يكون لك ما لنا، فاختر إذن ورغماً عنك تبعيتك لنا. 
أما بالنسبة للغرب الديمقراطي فيودون للكردي أن يحارب عنهم وعن كل العالم تنظيم داعش ومجمل المنظمات الإرهابية في العالم الإسلامي، كما حارب صلاح الدين الصليبيين نيابة عن العالم الإسلامي، والغربي يود إستخدام الكردي إلى أن ينتهي تنظيم داعش، ويمدحون البيشمركة على ذلك ولكن ولمجرد أن ينتهي تنظيم داعش سيقول الغرب للكرد شكراً لكم على المساعدة وما عليكم إلا التعايش كما السابق مع أنظمة الجور في المنطقة، وفي أفضل الأحوال سيقولون لكرد العراق أنتم خير من ينشر قيم الديمقراطية في الشرق، وبذلك يصبح الكردي مجدداً ضحية الأيديولوجيات وخير قربانٍ لها كما كان حاله مع الأيديولوجيا الإسلامية وبعدها الإيديولوجيا الشيوعية، وبالتالي القول للكردي بأنك بيضة القبان في الخلافات بين مكونات العراق، لذا فمطلوب منك أن توازن بين الكل، وأن تقرِّب أعداء االمذاهب من بعضهم، وأن يحتمي بك عند اللزوم كل المطاردين من المكونات العراقية على اختلافها، بحيث يبقى الكردي هو الجسر الواصل بين الكل، على الكل ان يستخدمه ويمر عبره، ويطلب منه أن يكون الديمقراطي الوحيد بينهم، وعليه أن يستوعب حقد الطائفيين وكراهية أدوات أنظمة المجاورة وعدوانية الشوفينيين، ويمتص غضب الكل، ثم يمسح شتائمهم له بلحيته السمحاء، وفي الأخير يظل الكردي هو العميل للصهوينية والرجعية والإمبرايالية، وبرأي المتواضع أن استمرار قبول الكردي بهذا الجحود المضمخ بالصفاقة لن يجعله قط نبياً بنظر مفكري وساسة ومثقفي وحتى عامة العراق ودول الجوار، بل يجعله قبوله بذلك الواقع الخنوع أقرب إلى الكائن المازوخي، وهذا العار يجب أن يتخلص منه الكردي اليوم قبل الغد، لذا عليه أن يكون أسداً مُقلقاً لراحة دول المنطقة لشهرٍ واحد أفضل بكثير من بقائه خروفاً في متناول سيوف الجيران مدى العمر، والحالة هذه فلعل خير ما نختتم به مقالتنا هو إيراد قول مالكوم إكس: “لقد تعلمت باكراً: أن الحق لا يُعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج إن أراد الحصول على شيء”، وقد آن لكرد الإقليم أن يُحدثوا ضجيجاً في هذا العالم حتى يصلوا على ما يريدون، وإلا فالتبعية والمكوث في ظل الآخرين أسوأ بكثيرٍ من تحمل تبعات ذلك الضجيج .
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…