أول مولود كُردي يحمل اسم: أيلول

ابراهيم محمود

جرّاء العسف والقصف والعصف بالكرد تاريخياً، والصعوبة البالغة في تدوين تاريخهم المجزَّأ، كانت الذاكرة الجمعية ديوانهم الأمثل، وتشكّل أسماؤهم شهادة زمانية ومكانية على هذا التحدي لسياسة المحو والإقصاء ضدهم، ولهم أساليبهم في إطلاق الأسماء على أبنائهم وبناتهم، توثيقاً للوقائع والأحداث، ويأتي اسم أيلول، رغم تعدد وقائعه منافِساً تاريخياً، كما هي واقعة ” 25-9/2017 ” الانعطافية التاريخية هنا في إقليم كردستان العراق، ليُطلق على أول مولود، دون تفريق بين كونه ذكراً أو أنثى، وهو تحوُّل من فصل إلى آخر، وله عراقته الطقوسية، فهو يعني: الولولة والصراخ عربياً، وسامياً: العويل والمناحة انتظاراً للفرج، ولاتينياً من septem : أي الشهر السابع في التقويم الرومي، وكردياً: Rezber ، والسابع له دلالة اكتمالية!
ولا يُعلَم بحقيقة هذا الاسم كردياً، فنصفه يعني” الكرْم/ العنب “، وربما هو استواء العنب، أما إن قلنا : Rêzber ، فسوف نكون إزاء مفهوم دينيّ الطابع: النسْك. وفي الحالات الكافة، في المنطقة وأماكن أخرى، فإن أيلول شهر مهجَّن: ثلثاه صيفي، وثلثاه الآخر ابتداء الخريف، والخريف من معانيه نضج الثمار، واكتمال العقل مجازاً، وليس: الخرافة، أو الخرف تحديداً، ولهذا كانت الشعوب القديمة في المنطقة تعيش حالة عويل ومناحة على فصل منصرم، وانتظاره لاحقاً: البكاء على تموز الذي يعني سامياً” الابن الحق ” ليظهر من جديد في سنة قادمة.
فهل يكون الانتشاء كرْمياً، يُبقي الكرد يقظين وليس شارديد كما يجري وسيجري جرّاء ذلك!
من المؤكد أن الكرد لم يختاروا الكرد ليبتهجوا لماض كان في أيلول 1961، حين انطلقت ثورة البارزاني ضد سلطة عبدالكريم قاسم في العراق، أو يغتمُّوا على أيلول 1964 ومآسي الكرد الداخلية وقتذاك، أو ليعيشوا ابتهاجاً من نوع أكثر حداثة لن يكون الأول من نوعه ولا الأخير في طابعه في مستهل خريف لا يعرَف كيف يكون التالي عليه، أعني ” 25 أيلول 2017 “، فثمة عوامل لها صلة بهذا التاريخ، وربما كان للمعنيين بعلوم الفلك ما هو حرَفي للنظر في هذا التاريخ وتحرّي ما هو سيكولوجي ولاشعوري كردي وخلافه ليكون لهذا الرقم والشهر والسنة دلالة قابلة للتحليل على أكثر من صعيد.
المهم، هو أن اختيار ” أيلول” كاسم يصلح للجنسين، يرتبط بنوعية المقاومة الكردية للتحديات، بغضّ النظر عن جانب التقييم فيه. فما لاحظته هذا الصباح، وأنا أتابع من أكثر من جهة، حركة الناس وهم مقبلون على صناديق الاستفتاء في دهوك، برزوا في أزهى لباس، وضمناً اللباس التقليدي والقومي الكردي، وذقون حليقة، ووجوه تشع فرحاً، كما لو أن مجريات ليل البارحة ومنغصاتها المفترضة وما حملته من تهديدات حدودية لم تعنيهم في شيء، تأكيداً على أنهم اختبروا محناً أقسى وأشد فتكاً، وكأنهم بطابعهم ” الماسي ” لا يعرّفون بمعدنهم النفسي هذا إلا بقدر ما يزدادون انصهاراً ليزدادوا توهجاً، ليس لأنهم يحبّون التلوع أو الميل إلى التألم وكونهم مازوشيين، إنما لأنهم لا يريدون التراجع، لعلَّهم يؤكّدون بأجسادهم بتنوع مراتبها مقولة متداولة لدى أهل السياسة: إنهم – بذلك-لا يخسرون إلا قيودهم! وهنا لا يكون إقبالهم على هذا المنعطف التاريخي إلا ارتقاء بتاريخهم، وهم بذلك، إذا كانوا يفتحون صندوق ” باندورا ” المحظور والمتخم بالشرور، فلأنهم لا يريدون إقامة لهذا الصندوق في بلادهم المرتقبة، صندوق لا دخل لهم في تكوينه وتلوينه، ومحتواه إجمالاً، إنما الأنظمة التي لم تدَّخر جهداً – في العراق ودول الجوار، في تهويل هذا الصندوق وإملائه بالمزيد من الشرور التي تتكلم لغاتها، وتلوّح بشرورها هي، بينما الكرد وهم في حاضنة أيلول، واختيار أيلول هذا بـ” بورقه الذهبي الأصفر ” اسماً لأولادهم: ذكوراً وإناثاً، فرغبة في اختيارهم لصندوق على مقاسهم، وما يوضع فيه يحمل اسم كل منهم، ولمسة يده، وتوقيعه ربماً، وأمله، للتخلص من صندوق الشرور الآخر.
هل سيكون أيلول بداية انعطافة تاريخية منشودة، وعدم الدخول في ساحة شرور جديدة؟ الجواب مخوَّلٌ به قادمُ الأيام وقريباً جداً.
دهوك، في 25 أيلول 2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…