في تحول استفتاء كُردستان إلى مسألة كرامة قومية

حسين جلبي
حوَّل تهويل الدول المجاورة لإقليم كُردستان مسألة الاستفتاء على  تقرير المصير، الذي ستجريه سلطات الإقليم خلال الساعات المقبلة، القضية من حقٍ ينبغي التعاطي معه بالحوار البناء ومعالجته بهدوء، إلى قضية كرامة شخصية لكل كُردي، أخذت بعداً قومياً بعد تهديدات متصاعدة باتخاذ إجراءات عقابية بحق المواطنين الكُرد، كان المعلن عنها هو حصار اقتصادي ومقاطعة قنصلية وإغلاق حدود، لا بل وصل الأمر إلى قرع طبول الحرب في غير مكان، وتمثل بتهديد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالتدخل عسكرياً في أراضي إقليم كُردستان شبه المستقل، بداعي حماية السلم الأهلي، وإغلاق مرجعيته في إيران أجواءها أمام حركة الملاحة الجوية في كُردستان بطلبٍ منه كما قيل، الأمر الذي يصل إلى مستوى ارتكابه جرم الخيانة العظى، كونه يحرض قوة خارجية على إقليم كُردستان الذي لا يزال جزءاً من الأراضي العراقية بشكلٍ رسمي، في حين وصل الأمر في تركيا إلى إرسال الحشود العسكرية إلى حدود إقليم كُردستان، وتكثيف الهجمات الجوية على أراضيه بشكلٍ غير مسبوق، بحجة قصف مواقع حزب العمال الكُردستاني.
والإستفتاء الذي ينوي إقليم كُردستان إجراءه أخيراً، يعتبر تراجعاً عن نظرية طالما آمن بها الكُرد، ومفادها هو أن مشاكلهم تُحل في عواصم البلدان التي يتواجدون فيها، حتى أن رئيس الإقليم مسعود البارزاني ذهب يوماً إلى بغداد، وقابل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، قائلاً بأنه قطع بحوراً من الدماء في سبيل حل قضية شعبه. وربما لم تكن الأمور لتتوجه إلى ما وصلت إليه اليوم، وتصبح مسألة كرامة محركها إزدياد الشعور بالهوية القومية، لو تم احترام الدستور العراقي الذي تم التوافق عليه بعد طي صفحة النظام العراقي السابق، وعدم تنفيذه بشكل انتقائي، واستعمال بعض مواده سيفاً مسلطاً من قبل الحكومة العراقية مقابل تجاهل أُخرى، وفشل الدستور نفسه في معالجة قضايا هامة، أو تعطيله عن ذلك، من قبيل تحجيم ممثلي الإقليم في مؤسسات الحكومة الاتحادية، أو عدم منحه حصته من الموازنة العامة، وبالتالي وقف صرف رواتب الموظفين الكُرد والتلاعب بلقمة خبزهم، ، حيث أدت مثل هذه المسائل، بالإضافة إلى الانتصارات العسكرية التي حققتها البيشمركة على داعش، والنجاح الذي ينعم به إقليم كُردستان مقارنةً مع العراق، وأخيراً ردود الأفعال العاصفة على الإعلان عن الإستفتاء، إلى تهاوي الجسور بين الكُرد وعاصمة البلاد يوماً بعد آخر، إن لم يكن عواصم كل البلدان التي يتواجدون فيها، الأمر الذي عزز رأي كُردياً مستجداً مفاده، أن مشكلة الكُرد تُحل في أربيل، وليس في بغداد أو غيرها.
أما نقطة التحول الأُخرى في موضوع الاستفتاء، والتي قد يراها البعض سلبية، فإنها تتمثل بكل هذا الرفض للعملية بمجملها ولمخرجاتها، الأمر الذي يؤكد، في ظاهره على الأقل اعتماد الكُرد على قواهم الذاتية، وليس على وعود من دول، قد تكون قائمة على مصالح مؤقتة، وهو الأمر الذي سبق له وأن أودى بجمهورية مهاباد الكُردية، التي تأسست في منتصف أربعينات القرن الماضي في كُردستان إيران، وانهارت خلال عام من الإعلان عن ولادتها، بعد سحب روسيا دعمها لها، نتيجة توافق روسي إيراني على المصالح، رغم ذلك يراهن الكُرد على عدم بقاهم لوحدهم إلى الأبد، وذلك في عالم تتغير فيه المواقف والمصالح بين يوم وآخر، خاصة بعد أن أثبتوا علو كعبهم في منعطفات حاسمة، أهمها التصدي للإرهاب. لقد استفاد الكُرد، كما يبدو حتى الآن من تجاربهم، وأصبحوا فوق مستوى اللعب على تناقضات الآخرين، الذين سرعان ما ينسون خلافاتهم عندما يتعلق الأمر بالحق الكُردي، وهو الأمر لذي تمت ترجمته مرةً أُخرى في اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية العراق، تركيا وإيران، الذي جرى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأُمم المتحدة، والذي غاب عن صورته وزير خارجية سوريا، الأمر الذي لا ينفي وجود من يمثله في الإجتماع بشكل أو بآخر.
الإستفتاء الذي يراه الكُرد حلاً يجده الآخرون مشكلةً، والباب الذي يحاولون فتحه على العالم بهويتهم الخاصة، يجده خصومهم المحيطين بهم بوابةً ستفتح عليهم ملفاتهم الكُردية الخاصة. أبعد من ذلك، لا زال الفعل ينتصر على الموقف في هذا العالم المضطرب، خاصةً إذا كان هذا الفعل مستنداً إلى قوة الحق، وكرامة قومية تساهم التصريحات المعادية في شحنها، بحيث أصبح كل كُردي معنياً بعدم المساس بها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…