شفان إبراهيم
يترقب العالم عامة، والشرق الأوسط خاصة نتائج استفتاء جنوب كوردستان. خاصة وأنه منذ نشوء الحدود السياسية المُصطنعة بفعل مؤثرات استعمارية، وما تمخض عنها من نشوء عشرات الكيانات العربية كنتيجة للاتفاقيات الدولية، فإن الشرق الأوسط عاش مذابح وشلالات دماءً لم تنضب حتى اليوم. كُلنا نعيش ضمن رقع جغرافية ناتجة عن مِزاجية أوربية، يتقبلها العربي لنفسه، ويستهجنها للكوردي. يتنعم العربي من خيراتها، وينكُرها للكوردي.
شعوب تُحارب أنظمتها من القاع فقط
بعد سبع سنوات من نتاج الربيع العربي، لا تزال جماعات وكتل سياسي عربية تعيش أزمة اللاقطيعة التامة مع الفكر السياسي للأنظمة العربية. خرجت الأحزاب والتجمعات اليسارية والشبابية وال…إلخ لإسقاط أنظمتها بدعوة مطاليبها للحرية وحقها في العيش بطريقتها. ويكاد هؤلاء أن يقرعوا باب العقد الأول من تظاهراتهم ضد أنظمتهم وحكوماتهم. لكنهم مازالوا يعيشون نتاجات عشرات العقود من تقاطع ذهنياتهم مع ذهنيات أنظمتهم التي زرعتها عبر مناهجها المدرسية والجامعية والخُطب الدينية والخطط الخمسية. باتت العقول الثورية تعيش ازدواجية أخلاقياتها، فهي تعارض تواجد أنظمتها، وتؤيدها في معارضتها للاستفتاء. هؤلاء لا يبحثون عن السؤال الجوهري: لماذا تُحارب الأنظمة الشمولية استفتاء جنوب كوردستان؟ فمخرجات الاستفتاء ستتكفل بإشعال ربيع جديد ضد ما تبقى من الأنظمة الشمولية. وستكون قاعدة هذا الربيع جيل جديد عاش سبع سنوات منذ مرحلة طفولته وحتى اليوم، عاش أسوأ لحظات حياته، خاصة وأن الإقليم الكوردستاني لن يكون خاصً بالكورد وحده. ولو تفكرت النُخب الثورية العربية عن مصلحة أنظمتها في محاربة الاستفتاء لأدركت أن الاستفتاء سيعتبر الخنجر الحقيقي في خاصرة الإرهاب والشمولية والاستبداد في المنطقة برمتها. ويكفي للنخب العربية -إن تفكرت- أن تعلم أن ما مِن نظام شمولي يُحارب فكرة أو رغبة داخل الحدود أو خارجها حتى تكون تلك الفكرة كفيلة بخلق حالة جديدة من الرخاء أو الحرية التي يخشاها المستبد.
دولتنا بعد دحر الإرهاب، ودولتهم بفضل الاستعمار
من الحقائق الجلية في مقارنة كيفية نشوء الدول العربية، وطريقة إعادة الحق الكوردي بعد قرون عديدة من التقسيمات والقتل على الهوية، إن الدولة الكوردية ستبصر النور في جنوب كوردستان بعد دحرها للإرهاب، وبعد سلسلة من الثورات والانتفاضات منذ محمود الحفيد، وعبد السلام بارزاني، وقاضي محمد وجمهورية كوردستان كرافد قوي وأساسي للفكر القومي الكوردستاني، وثورات البارزاني الخالد، وانتفاضة 1991 وحق تقرير المصير 2005 إلى الاستفتاء الذي كان لذراع السروك مسعود البارزني دور الريادة فيه.
سترى الدولة الكوردية النور عَقِبَ سلسلة المقاومة الكوردستانية في وجه سلسلة الطغاة. أما الدول العربية فوجدت معظمها بعد اتفاقية سايكس بيكو وتوزيع مناطق النفوذ بين فرنسا وبريطانيا…..إلخ إضافة إلى أن الدول العربية أبصرت النور بعد خروج الدول الأجنبية /المستعمرة/ لكن النور الكوردي سيشع بعد قرن من الحوار والدعوات للتعايش، إضافة إلى استعادة حق سياسي جغرافي تاريخي، وإعادة الانتشار السكاني عبر رقع جغرافية لم تكن طبيعية منذ قرن.
يُعتبر العلم أحد أبرز رموز السيادة الوطنية، فكيف تكون السيادة وأعلام أغلب الدول العربية قد رُسمت وخطت بيد مارك سايكس، بينما كان العلم الكوردي منذ1920 رُسم ورفع بإيادٍ كوردية صرفة. رُبما كان هذه إحدى أسباب تغيير معظم الدول العربية لإعلامها بعد ذلك بعشرات السنين.
دحرٌ للإرهاب، علمٌ منذ قرن، ملايين الشهداء، وآلاف القرى الكوردية المحروقة والمنهوبة، نسف كل اتفاق بينهم وبين الكورد، ولا تزال بعض العقول تصر على عدم القطيعة للجغرافية الاصطناعية. كما تتعالى أصوات بعض المثقفين العرب متباكين على أطلال أمجادهم وغبار معارك خيلهم، مُتباكين على الإخاء الكوردي – العربي. هؤلاء لم يكونوا يوماً سنداً للكورد إلا حين تكون القضية الكوردية في أوج قوتها والدول العربية/ بعضها، جلها/ في قمة هزيمتها. أي مثقفً وهو بعيدٌ عن هموم وقضايا وجراح جيرانه طيلة عقود من الزمن. نجح المثقف العربي في خلق كل شيء، إلا تمهيد خروج الفكر العربي بحالته السياسية والاجتماعية والفكرية من الحطام الذي خلفته النكبة والنكسة، نسي المثقف العربي فلسطين، ولواء أسكندرون، والجزر الإماراتية، وسيناء، والجولان…إلخ لكنه يحمل رهانات التحالف مع أعدائه في سبيل إجهاض الحلم الكوردي. قدّ يعيش ذاك المثقف شبيهة متلازمة أستكهولم، فأضحى يشعر بالراحة مع حالة الركام الفكري والخُلقي التي أسست لها الشمولية والاستبداد.
رهانات لبقاء الدولة الكوردية.
لا عِبرة في زيادة دول الشرق، بدولة فاشلة أو دولة تنعدم فيها الحريات. سيكون من نتائجه إضافة انتكاسة جديدة إلى انتكاسات الشرقيين. خُلاصة موقف الرئيس بارزاني خلال جميع اللقاءات والكلمات التي ألقيت في الفترة الأخيرة. وبل ستكون المرة الأولى في تاريخ الشرق وشمال إفريقيا أن تنعم الأقليات والقوميات المغايرة بحقوقها دون إراقة الدماء. لقرن من الزمن كان يحلم الكوردي بالمواطنة، وخلال أسبوع واحد طالب التركمان بنائب رئاسة الإقليم، وطالب المسيحي بفدرالية وحكم ذاتي. لم يكن الجميع يتجرأ لا في سوريا ولا في العراق، لا في إيران ولا في تركيا من مجرد التفكير بأبعد من بعض الحقوق الثقافية واللغوية، وفي أفضل الأحوال بحقوق المواطنة. العربي ذاته الذي كان يُردد أمجاد أنظمته القمعية بات يخجل من البقاء ضمن ساحته العربية، يُناشد لقبول الإقليم به، ثم يُطالب بحقوقه.
الطريف في الأمر، إن دعوات ومطاليب مكونات كوردستان أضحت من الموبقات التي تُجفي النوم من أعين الحكام. فالخشية تكبر، خاصة وأن لدول الجوار مكونات لم تذق طعم الحقوق بعدّ.
أيام لاهبة حتى25/9، وأيام حارقة للشرق والاستبداد ما بعد25/9، وترقب الاستقلال مِخْرَز في أعين الطغاة، وتاجٌ على رؤوس الشرفاء.
لذا تُنادي الأنظمة التي أقنعت شعوبها بلزومية العبودية والخنوع: استفتاؤكم يقتلنا.