على حدود كَرْبستان

 ابراهيم محمود
يمضي الكردي وهو بكامل انفتاحه على العالم، وهو كلّي الثقة بنفسه، لأنه عالم بها بأكثر من معنى، إلى أكثر من دولة أوربية، ليعرض ما لديه من معلومات ذات قيمة، ويُري مواهبه للمعنيين بموضوعه. يحتفى به، ولا يمضون في سؤاله كثيراً عمّن يكون، وابن من يكون، وابن أي عشيرة يكون، ومن تكون أمه باسمها الثلاثي، وأين هي الآن، ولا يدققون في أسماء جيرانه ومن تعلموا معه في المدرسة، إنما عن اسمه ومن أين جاء، وما لديه من أفكار وقوى جديدة.
يُفاجأ الكردي ابن الكردي بالحفاوة به، وكله دهشة لا بل وذهول، وتنشَر صوره في منابر شتى، ويُسمع صوته على أكثر من منبر، وتُجرى معه مقابلات، وهو يقدَّم للجمهور الأوربي وغيره باعتباره اكتشافاً عظيماً، فينتعش الكردي، ومن حقه الانتعاش طبعاً .
يتحفز الكردي ليقدّم المزيد، وهو تحت الأضواء، وهو يبهِر وسطه بما هو عليه خلاف الكثيرين ممن يمضون وهم يتلمظون لمرأى أوربية، أو يتوقون للمسها، ويتخدرون ذاتياً وهم يتخيلون وقد ازدادوا قرباً منها، ليثبتوا أنهم قادرون على لفت الأنظار، وكلٌّ منهم يعلِم الآخر بـ” فتـ” ضـ”ـو حاته”، وهو ” آكل نايم شارب بلاش”، ويمارس نزواته ” المثلى “
لا يصدّق الكردي هذا متى يزور البلد الذي خرج منه، وطنه الكردي بصورة ما، أهله الكرد، قومه الكرد، من هم كرد وهم يتكلمون بلهجته، ويتفاهمون بها، ناسياً أو متناسياً بعد سنوات من ” الغربة ” ذات الدلالة، ما كان عليه سالفاً، وما يمكن أن يكون عليه لاحقاً، وكله ثقة أن ما هو عليه المكان بأهليه ليس ما كان عليه حين انطلق منه مقهوراً شبه مهدور.
يكاد يقز قلبه بين جنبيه، وعيناه على جهة محددة: حيث أمضى سنوات طوالاً، وكله لهفة إلى المكان وأهليه مجدداً، خصوصاً وأنه لم يدَّخر جهداً في سبيل التعريف بنفسه لمن احتفوا به أنه ثمرة كردستانية وابن كردستاني وإنسان من صميم كردستان ومنها وإليها يكون، يستدعي صوراً ووقائع ومفارقات، وأحاديث حميمة، وهو يرتّبها ليسردها على من سيلتقي به من أهله وأقربائه ومعارفه ومن يهمهم أمره الكردستاني، وقد اكتسب شهرة يُحسَد عليها.
يحط رحاله في المكان المعلوم، يكون محل عناق أهليه ممن بقوا في المكان، وبعض من المعارف الذين لا زالوا يتذكرونه، يطرحون عليه أسئلة تترى: ماذا فعلت؟ كم مبلغاً جمعت؟ كيف هي أوربا في هذا المجال ؟
كان همه أن يريهم حقيقته، وأين هو موقعه الآن في أوربا، وما تكونه أوربا، وملؤه حماس وغيره، وهو راغب في قول المزيد، حيث تتخلل كلماته عبارات لا تخفي غمزها ولمزها من الواقع الذي خلفه وراءه، وما يمكن أن يكون عليه وضع الكرد لو أنهم أدركوا حقيقة المستجدات في العالم، وما هو مطلوب منهم، ليكونوا في مستوى العصر.
بدأ الفتور يتملكهم، بدءاً بأقرب المقربين إليه، بدءاًبـ” أولي الأمر” الذين توقعوا منه أن يقدم لهم ما يحتاجونه وبمعاييرهم: أن يكون طوع أمرهم، وأن يتبرع بما يستطيع في سبيل ” الكرد والكردايتي ” ولا شيء آخر. لم يطل به المقام في الأرض التي حملها معها، وصور أهله التي أودعها روحه، وهو يعيش وضعية تضييق الخناق عليه.
يدرك الكردي ابن الكردي أن كرديته التي تعلمها وهذّبها وطورها، ليست من طينة الكردية التي توشم أرواح ملايين كرده كردستانياً، والخارج من دائرتها غير مرحَّب به، يستدعي عالم الغرب الذي لم يشأ انتماء إليه مضطراً وكله ألم.
يقف الكردي ابن الكردي الذي أشرت إليه على حدود كربستان” عالم الكرب “، منذ حين من الدهر، ولا بد أن زمن انتهاء هذا الكرب ممدَّد إلى زمن غير معلوم، زمن دائري معتَّم كثيراً، فيمضي إلى حيث وجد نفسه، واكتشفوا فيه كرديته، وهو يعرّف باسمه الجديد: كربستان، ومن يحتفون به يستغربون طول الاسم وطلسم معناه وما الذي صيّره كربستان، إلا أنه يلتزم الصمت هنا….!!؟؟
دهوك
في 18-9/ 2017 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…