البارزاني وتجاوز مفاعيل الصدمة

عمر كوجري
شهدت هولير خلال الأسبوعين الماضيين حراكاً دبلوماسياً كبيراً، وتفاعلاً نشطاً مع رجال دولة في الجوار الإقليمي لـ “دولة كوردستان” أو من الدول ذات التأثير الفاعل في مشهد المنطقة سياسياً، وقد وصل الارتباك العربي والتخوّف من تقسيم العراق لحد إرسال رئيس جامعتها العربية التي لم تكن بذي فاعلية وتأثير يوماً ما، للرجاء من الرئيس البارزاني بوجوب تأجيل الاستفتاء.
وكل من تهبط طائرته في مطار هولير الدولي بيده برنامج واحد، وكلام مختصر وهو: نحن مع حقوقكم ونزوعكم لتشكيل دولتكم “كوردستان” أيها الكرد، ولكن حبذا لو تؤجلوا الاستفتاء إلى إشعار آخر لأن الظروف الذاتية والموضوعية حالياً غير مؤاتية، ولا وقت للرسامين العالميين ليستعيروا فرجاراً ومساطر وأقلاماً ملوّنة لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، بعد كسل دام لمئة عام في متحف الوزيرين سايكس البريطاني، وبيكو الفرنسي .
الرئيس مسعود بارزاني بصبر يكاد ينفد يجتمع مع هؤلاء، ويستمع إليهم، وبروحه المرحة يجادلهم: هل عندكم بديل أفضل أيها السادة؟ هذا ليس مشروع البارزاني، ولا حزبه، ولا أي حزب كوردستاني، هذا مشروع أمهات الشهداء، مشروع عوائل البارزانيين العشرة آلاف، وعوائل 4500 قرية كردية مسحت مع الأرض، ومشروع عوائل مئتي ألف كردي أنفلهم صدام أو علي الكيماوي اعتماداً على آية من القرآن، ومشروع خمسة آلاف كردي من حلبجة فتحوا أعينهم ليناموا نومة أبدية مع غاز السيانيد البعثي، ومشروع الهجرة المليونية حين وضع حرس الحدود التركي سماً حتى في كسرة الخبز، وضرب الشيوخ الكرد، وأهان الكرديات، وأغلق طريق الحياة أمامهم بسياج ليس لها أول ولا آخر.
لكن هؤلاء الذين يحرجهم الرئيس البارزاني بعفويته وعذوبة ابتسامته، وقوة الحق الكردي، لا يعطون البديل، ليس عندهم بديل مغرٍ، أقوى وأكبر من الاستفتاء على استقلال كوردستان، إن كانوا يعرضون بعض الملايين من الدولارات، أو إعادة التناغم مع بغداد، أو إعادة الحق المسروق لموظفي كوردستان، أو إرسال رواتب البيشمركة، فالرئيس بارزاني لن يقبل هذه العروض”غير السخية” وهل هناك عرض أسخى من إعلان دولة كوردستان؟ لا أتوقع.. لا أظن!!
نعم، الضغط الدولي على الرئيس لإقناعه بتأجيل الاستفتاء دون ضمانات أكثر من هائل، ولكن وبصراحة أعصاب الرئيس باردة، ويقابلها بانتظار العرض المغري الذي يبدو أنه لن يأتي وخاصة نحن نلعب تقريباً في الوقت الضائع من مباراة الاستفتاء على استقلال كوردستان.. وهي لصالح أهلنا في جنوبي كوردستان تأكيداً، بل لصالح كل كردي على هذه البسيطة.
الرئيس استطاع بفضل حنكته ومعه المؤسسة السياسية الكردية الواعية والقارئة لنبض أهلها امتص الصدمة، وتجاوز مفاعيلها، ولا بد أننا قادمون وبأقدام ثابتة نحو يوم الاستفتاء بثبات وعزيمة، وهاهو البرلمان الكوردستاني قد التم شمله اليوم، وأبدى تأييده للاستفتاء، وبهذا اكتسب هذا اليوم الأغر مشروعيته الدستورية قانونياً وتحت منصة البرلمان الكوردستاني.
” زاوية العدسة- صحيفة ” كوردستان” العدد 568 – تاريخ 15-9-2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…