جان كورد
في مساء يوم 14/9/2017، أي قبل عشرة أيام فقط من موعد الانتخابات البرلمانية الاتحادية، أجرت قناة التلفزيون الثانية (تست دى ف) الشهيرة والرصينة حواراً مع السيدة مستشارة ألمانيا السيدة إنجيلا ميركل التي فازت بمنصبها لثلاث دوراتٍ متتالية، وهي عازمة على الدفاع عن مركزها هذه المرّة أيضاً، مثل سابقها المستشار الراحل هلموت كول من الحزب ذاته، حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، الذي حكم البلاد لستة عشر عاماً في ظله، وكان من مهندسي الاتحاد الأوروبي وتوحيد شطري ألمانيا التي تعرضت للتقسيم بفوز الحلفاء على قوات هتلر النازية في الحرب العالمية الثانية.
دام الحوار مع السيدة المستشارة مدة 90 دقيقة، وقفت فيه طوال الوقت في وسط مسرحٍ مستديرٍ بجانب طاولة، بحيث يمكنها الاستدارة حسبما هو مطلوب للإجابة عن الأسئلة التي يتم طرحها عليها من الحاضرين الذين كانوا بحدود 60- 80 شخصاً، من الذكور والإناث، من المواطنين الألمان والأجانب الذين حصلوا على الجنسية الألمانية، بحكم ولادتهم في البلاد أو من خلال طول اقامتهم والعمل. إلاّ أنه لم يكن حواراً مصحوباً بالتصفيق السخيف كما يشهده حضور الرئيس السوري جلسات ما يسمى ب”مجلس الشعب” ، كما لم تكن جلسةً للمتملقين التابعين للسيدة المستشارة لا يخرجون من إطار سياستها قيد أنملة، وإنما كان حواراً بينها وبين مواطنين ناقدين، ومن اتجاهاتٍ سياسيةٍ مغايرة لأفكار ومواقف حزبها، بل كانت حوار استطلاعٍ وكشفٍ دقيق عن مواقع ضعف الأداء الحكومي في ظل مسؤوليتها كمستشارة ألمانية، وظلت السيدة بصدرٍ رحب وهي واقفة طوال الوقت لكل الأسئلة والانتقادات والمواقف المضادة أيضاً، بل إنها كانت تنبه الصحافيين إلى أن السائل ربما لديه سؤالٌ آخر، يجب منحه الفرصة الكافية لطرحه.
كانت هناك أسئلة دقيقة وانتقادات عديدة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والمهنية في البلاد، ومنها التقاعد والخدمات الصحية والاجتماعية، نظام الضرائب والضريبة المتوقع إحداثها على استخدام الأوتوسترادات من قبل السيارات الأجنبية، كما هو الوضع سائد في الدول الأوربية الأخرى، وعن التعليم والتوظيف والقطاع الخاص والبيئة و، وكذلك عن الأمن القومي وأمن المعلومات والتدخل السافر للحكومة في مجال مراقبة المواطنين، كما كانت هناك أسئلة متعلقة بالاتحاد الأوربي، ومسائل الهجرة واللجوء، مع قليلٍ جداً من النقد للسيد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، على الرغم من أنه وصف السيدة المستشارة بأنها تمارس سياسة نازية وأن الفكر النازي يسود في ألمانيا، وأثناء ذلك كان العلم التركي يخفق على لوحةٍ ديجيتالية كبيرة إلى جانب العلم الألماني ليعطي صورةً إيجابيةً عن العلاقة بين تركيا وألمانيا.
بدت المستشارة عارفةً بكل ما يُطرَحُ عليها من أسئلة، وكأنها مختصةٌ في ذلك المجال، وبعض السائلين كانوا متوترين أو غاضبين أو متحمسين للإيقاع بها، إلاّ أنها ظلت هادئة، وتحدثت بهدوء وسلاسة معبّرة بذلك عن فهمها التام لمسؤوليتها كمستشارة للبلاد وكمعلمة في الديموقراطية والأداء السياسي الناجح. وكانت هناك أسئلة عن شخصيتها وثيابها وحتى عن سبب منع حكومتها الترخيص لبيع وشراء منتوجات (الكانابيز) المخدرة. وفي نهاية الحوار، ذهبت المستشارة صوب أحد الحاضرين الذي سألها من قبل أسئلةً متعلقة بتجارة السيارات التي تشهد ضعفاً في ألمانيا، وانحنت لتحدثه، في حين لم يقم الرجل من مكانه احتراماً لصاحبة أعلى سلطةٍ في بلاده.
نعم، عشرة أيامٍ فقط تفصل هذا الحوار الهام عن يوم الانتخابات، ومستشارة ألمانيا لا تبحث عن مصفقين متملقين وكاذبين، وإنما عن مواطنين ناقدين لتعرف من خلالهم نقاط ضعف سياستها وخطأ مواقفها ولتسمع هموم مواطنيها… لذا ليس غريباً أن يتم انتخابها لدورةٍ جديدة كمستشارةٍ ناجحة لألمانيا التي فتحت أبوابها لأكثر من مليون لاجئ، في عهد هذه المرأة الصلبة الهادئة، في حين أن بعض بلدان العالم الغنية لم تسمح لبضعة آلافٍ من اللاجئين للبقاء فيها.
وعليه، أقول بأنه هكذا، بصدرٍ رحب ومعرفةٍ جيدة بمختلف شؤون الحياة العامة، وبالصبر والقدرة على الاستماع لما يقوله الشارع الوطني، يمكن بناء الأمم وتطويرها…
واليوم، نرى الشارع الوطني الكوردستاني يريد (الحرية والاستقلال)، ويرى ذلك حقاً مشروعاً له، فهل تقوم الأحزاب الكوردستانية ورؤساؤها بتنفيذ ما يريده شعبها أم تحقق ما يريده سفير الدولة الفلانية أو المبعوث العسكري المكلّف من تلك الدولة لمنع الكورد من تحقيق أي انتصار؟
15 أيلول، 2017
kurdaxi@live.com
facebook: kurdaxi1