هوشنك أوسي
اعتقد أن من غير الطبيعي والمنطقي؛ أن يحظى قرار الاستفتاء في كردستان العراق، وخيار الاستقلال وقيام دولة كرديّة مستقلّة، بإجماع كردي – عراقي، أو بموافقة وإجماع عربي: (سنّي – شيعي) عراقي، أو بموافقة وإجماع عربي إقليمي، أو إيراني وتركي، أو حتّى بموافقة وإجماع دولي…، لأكثر من سبب، بات أغلبها معروفاً. بل من الطبيعي جداً، أو أنها من طباع الأمور، أن يكون هنالك ممانعة ورفض، أو التعامل بحذر وترقّب مع الاستفتاء والسعي الاستقلالي الكردي. من دون أن نغفل بأن هنالك رغبة كرديّة مضمرة، داعمة للاستفتاء والاستقلال، لكن ترتدي لبوس التمنّع أيضاً، سواء على مستوى بعض الأشخاص أو الجهات.
وينطبق على هؤلاء مقولة: “يتمنّعن، وهنّ راغبات”. يعني، سبب تلك الممانعة، ليس حبّاً بالحفاظ على المكتسبات الكرديّة، والقلق والخشية من تبعات قرار الاستفتاء والاستقلال، وما يمكن أن يترتّب على ذلك من تهديدات، اقلّها شأناً؛ الدخول مجدداً في نفق الحروب وويلاتها. بل أسّ الرفض – الممانعة لدى هؤلاء، أن مشروع الاستقلالي يتبنّاه بارزاني وحزبه، والاحزاب الدائرة في فلكه. فلو كان الأمر معكوساً، لربما رأينا الاطراف التي تمانع الاستفتاء والاستقلال، هي نفسها التي تدعمه، في حيال كان خيار مسعود بارزاني هو البقاء ضمن دولة دينيّة – طائفيّة – عروبيّة فاشلة اسمها العراق.
مناسبة هذا الكلام، قرار البرلمان العراقي، وقرار الجامعة العربيّة، الرافضين للاستفتاء. ذلك أن هذين التكوينين الفاشلين، لو اصدرا قراراً يدعم الاستفتاء والاستقلال، لربما كان على كرد العراق التفكير جديّاً في أنهم يسيرون في الاتجاه الخاطئ. وعليه، طالما أن القرار كان الرفض، وهذا ما كان متوقّعاً أصلاً، فهذا يعني أن البرلماني العراقي وبعض الدول العربيّة المؤثرة والفاعلة في الجامعة العربيّة، هي من تدفع كرد العراق نحو الانفصال – الاستقلال. ذلك أنه بكل تأكيد، من يقطع الميزانية على إقليم هو حتى هذه اللحظة جزء من العراق، لن يكون رفض الاستفتاء على مصير الاقليم، هو حبّاً فيه ومواطنيه!.
على الجانب الآخر، الكثير من التحليلات ومقالات الرأي التي تندرج في سياق الرفض والممانعة، نلاحظ فيها التركيز على وجود معارضة كرديّة للاستفتاء والاستقلال، ومحاولة تضخيم هذه الممانعة على أنها قويّة ومؤثّرة وفاعلة، ضد مسعود بارزاني وسياساته!. والتعويل على هذه المعارضة بأنها إحدى قرائن بطلان الاستفتاء وما سينجم عنه!؟. هنا، من غير حسبان وانتباه، يؤكد هؤلاء على وجود معارضة في كردستان العراق. ما يعني وجود تجربة ديمقراطيّة أو شبه ديمقراطيّة على أقلّ تقدير. لكن هؤلاء أنفسهم، وقبل ارتفاع منسوب جديّة المضي نحو الاستفتاء والاستقلال، كانوا يقللون من شأن التجربة الكرديّة في العراق، وبل يطعنون فيها، على أنها دكتاتوريّة وقمعيّة واستبداديّة، وتسحق المعارضة…، إلى آخر هذه المتوالية من التهم. وبالتالي، حين يلزم الأمر لدى هؤلاء، يتم الإشارة إلى وجود المعارضة الكرديّة، وحين لا يلزم، يتم إنكار وجود معارضة، نتيجة قمع واستبداد مسعود بارزاني وحزبه!؟. وعليه، هذا الصنف من التحليل والتعليل، يعبّر عن هشاشة الموقف والمنطق في تقييم الأمور، وإعطاءها حقها، دون مواربة أو تدليس أو تسييس.
كرديّاً؛ الاستقلاليون، في كردستان، وفي أي بلد كان، لم يكونوا بحاجة أبداً للحصول على نسبة مئة بالمئة، حتى يقرروا السير نحو الاستقلال. استقلال أمريكا عن الاحتلال البريطاني، كلّف البلاد حرباً أهليّة دامت ثمان سنوات (1775-1783)، انتهت بالتوقيع على اتفاقية باريس التي قضت باعتراف المملكة المتحدة بالولايات المتحدة الامريكيّة. وعليه، يكفي التيار الاستقلالي الكردي، بقيادة كاك مسعود بارزاني الحصول على 51 بالمئة، حتى ينال التفويض الشعبي الكافي للمضي نحو حق الدولة المستقلة وتقرير المصير. ذلك أنه من غير المعقول ان يقرر 49 بالمئة مصير مئة بالمئة من الشعب الكردي!. وبالتالي، غالب الظنّ أن نتيجة الاستفتاء ستتجاوز الـ60 بالمئة، على أقلّ تقدير. واعتقد أن السيد بارزاني وحزبه، في حال لم يكن هنالك معارضة لهم ولتوجههم وسياساتهم، عليهم ان يساهموا ويدعموا ولادة معارضة، ليست على مقاسهم طبعاً، بل لأن من ضرورات وجود الشيء، وجود الضد، طبقاً لمقولة المتنبّي: “ونَذيمُهُمْ وبهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ… وبِضِدّها تَتَبَيّنُ الأشْياءُ”. زد على ذلك، أن وجود المعارضة، هي ضرورة صحيّة، اجتماعيّة، سياسيّة، اقتصاديّة، ثقافيّة وخدميّة…، وبل ضرورة وجوديّة في مجتمع سوي، تهدف فيه السلطة إلى خدمة المواطن والمؤسسات والقانون.
اعتقد أن الضغوطات على إقليم كردستان، والسيد مسعود بارزاني، ستزداد بعد الاستفتاء. وكلما ازدادت هذه الضغوطات، من المفترض أن تزداد صلابة الإرادة الكرديّة والقرار الكردي في المضي نحو الدولة.
ثمّة من يروّج بين كرد سوريا، أنه ما علاقتنا بكردستان العراق، سواء تحوّل الإقليم إلى دولة أم بقي على حاله ضمن دولة فاشلة وطائفيّة؟!. ما سيستفيد كرد سوريا من قيام دولة كرديّة؟!. وأغلب من يثير هذه المقولات هم إمّا أنصار العمال الكردستاني، أو الدائرين في أفلاكهم، بشكلٍ أو بآخر. ويكفي جواباً على ذلك: وماذا استفاد كرد سوريا من دعمهم للعمال الكردستاني طيلة 35 سنة، وفقدان ما لا يقلّ عن 20 ألف شهيد، وضعفهم من الجرحى والمعاقين طيلة هذه الفترة؟!. لقد دعم كرد سوريا العمال الكردستاني، لأنهم رأوا فيه الخلاص والتحرر والانعتاق من ربقة العبوديّة البعثيّة – الاسديّة، رغم أن حزب اوجلان كان متحالفاً مع نظام الاسد الاب، وقتذاك، ولم يحقق شيئاً مما كان يقال ويروّج عنه!. ومع ذلك، ما زال كرد سوريا قرابين على مذابح سياسات ومشاريع العمال الكردستاني.
أعتقد أن وجود دولة كردية في الشرق الاوسط، سيكون دعماً وسنداً للحقوق والمطالب الكرديّة ليس في سوريا وحسب، بل حتى ولو كانت تلك المطالب في الارجنتين. وشخصيّاً، سأبقى أدعم خيار وحق الاستقلال، استقلال كردستان. وسأكون بالضد من ممارسات السلطة الكرديّة على صعيد الانتهاكات والفساد والمحسوبيات والاقطاعات القلبيّة والحزبيّة. وفي هذا السياق، اعتبر نفسي كرديّاً عراقيّاً، إلى جانب كوني كردي سوري، وتأتي القضيّة السوريّة وتحرر البلاد من فاشيّة طغمة الاسد وأزلامه وأعوانه من الكرد والعرب والعجم…، وحقوق الشعب الكردي في سوريا المستقبل، في رأس أوليات واجباتي وحقوقي. وعليه، من حقيّ ومن واجبي دعمُ استقلال كردستان، ليس بصفتي كردي وحسب، بل بصفتي مناصر لحق الشعوب في تقرير مصيرها.
اعتقد ان الأمر ليس فقط بالنسبة للسيد مسعود بارزاني بل لكل النخب السياسيّة والثقافيّة الكرديّة، دخل خانة: نكون، أو لا نكون. ولم يبق إلاّ أن تُحرق كل المراكب، ويُتخذ القرار النهائي: البحر من وراءنا وأعداء الدولة الكرديّة من أمامنا، ولا خيار غير النضال السلمي الديمقراطي المدني والقانوني على كل المستويات وعلى كافة الاصعدة.
http://www.kurdistan24.net/ar/opinion/eeacd81c-d93b-4bd7-876e-4bc0002fc2d3