جان كورد
وزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، تقول: (إسرائيل مستعدة لأن تقوم بما “يجب القيام به” في سوريا، لكي يبقى الرئيس السوري، بشار الأسد، على قيد الحياة)، ولا تكتفي عند هذا الحد، بل توضّح كلامها بأن طيران بلادها سيقصف القصر الجمهوري في دمشق إن استمر يشار الأسد في انتهاج سياسته الخرقاء هذه، والمقصود بوضوح وجلاء سكوته عن الوجود المتصاعد باستمرار للقوات والمليشيات والمخابرات الإيرانية في سوريا، واتخاذها سوريا جسراً بينها وبين “حزب الله” في لبنان.
فماذا يعني قيام وزيرةٍ للعدالة بتهديد رئيس دولةٍ جارة لبلادها؟ ولماذا السكوت عن تهديد الوزيرة الإسرائيلية لرئيس دولةٍ عربية من طرف زعماء العرب وطباليهم الإعلاميين وجامعتهم الغافلة الناعسة إلاّ عن استفتاء الكورد بصدد استقلال كوردستان؟ بل لماذا سكوت الأسد ذاته؟ والتهديد يتعلّق بشخصه وحياته وقصره الفاخر الذي ظل بمنأى عن الخراب الشامل الذي شهدته سوريا منذ سنين حتى اليوم؟
وقد تتالت تحذيرات وتهديدات النظام لإسرائيل بعد كلٍ قصفٍ قام به طيرانها ضد المواقع العسكرية في العمق السوري، وتضمّنت تلك التهديدات السورية بأن دمشق قادرة على الرد الذي سيأتي حتماً في الوقت المناسب والمكان المناسب، وحتى الآن لم نسمع ولم نرَ شيئاً يحدث من هذا القبيل، رغم أن إسرائيل قامت ولا تزال منذ سنواتٍ عديدة، قبل الحرب السورية واثناءها، بهجماتٍ واسعةٍ ضد مواقع للنظام ولحليفه “الخطير” حزب حسن نصر الله الذي صارت له كلمة هامة في القرار السوري، هذا الحزب الذي يعتبر أن معركته الأساسية مع إسرائيل، ولذلك يقاتل في وسط وشرق سوريا ضد السوريين بالدرجة الأولى، أما رد النظام على المعارضة السورية فيأتي في اليوم ذاته كلما هاجمت قوات المعارضة على جيش النظام. أم أن ما صاغته السيدة وزيرة العدال الإسرائيلية في صورة “نصيحة” من تهديد مباشر وعلى أقنية التلفزيون بقتل الرئيس السوري، لم يكن سوى “مزحة دبلوماسية” من العيار الثقيل؟ ولذلك فإن الرئيس السوري قد يرد عليها ب”دعوة” لزيارة دمشق حال عودة الحياة إلى مجاريها في بلاده؟
لا أعتقد أن الوزيرة الإسرائيلية تمزح مع بشار الأسد، وإنما هي توجه تهديداً خطيراً في صيغة “نصيحة”، وكعادة الإسرائيليين، فإن هكذا تصريح من جانب مسؤولة هامة في الحكومة لا يتم إطلاقه من دون تشاور وتحضير وفذلكة لغوية قبل الظهور في الإعلام، فالإسرائيليون لا يمزحون في الأمور التي تتعلق بأمنهم القومي وبعلاقاتهم مع الدول، وما نطقت به السيدة شاكيد يجب أن يُفهَم ك”تهديد” ذكي للغاية، فالأسد لا يستطيع التوجه بشكوى للأمم المتحدة، لأن هذا التهديد الخطير ليس إلاّ “نصيحة” دبلوماسية لرأس النظام السوري الذي ثمة أسباب أخرى عديدة تحول بينه وبين الشكوى، تتعلّق بوضعه الداخلي وموقعه المتدني في المجتمع الدولي وباحتمال تورّطه في مشاكل كبيرة مع هذا المجتمع بسبب قدرة إسرائيل على تعرية موقفه دولياً وعلى إمكانية قلب الطاولة عليه لما يقوم به من دعم مستمر لحزب الله عبر الأراضي السورية، وهذا الحزب يعتبر من المنظمات الإرهابية.
في مثل هذا الوضع، يتحتم أخذ التهديد الإسرائيلي هذا محمل الجد، وهو يصل إلى حد “قتل رئيس سوريا” في حال استمراره في سياسة جعل بلاده معبراً بين العراق المحتل من قبل إيران وحزب الله اللبناني، وهذا ما سيفكّر به الأسد أيضاً، فالكلام الموجه له ليس من طرف وزيرة العدل الإسرائيلية وحدها وليس مجرّد “نصيحة” تعكس رأيها الحر في الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من خروجه من فمها، وإنما هو كلام يعكس حقيقة الموقف الإسرائيلي المتشدد حيال موضوع العلاقة السورية مع حزب الله ونظام الحكم في طهران، هذا النظام الذي يسعى باستمرار للاقتراب من حدود إسرائيل وشحن كل التنظيمات الإرهابية بالسلاح والمعلومات والخبرات والمستشارين للقيام بأعمال عدوانية ضد إسرائيل، إلاّ أن الحكومة الإسرائيلية تتجاهل أمراً هاماً، هو أن الرئيس السوري غير قادرٍ على إحداث أي تجديدٍ أو تطويرٍ أو تغييرٍ في سياساته إجمالاً لأنه فقد السيطرة على بلاده، والميليشيا التابعة لقاسم سليماني الإيراني متحكمة بدمشق من أطرافها وقادرة على اسقاط نظام الأسد في حال إصدار الأمر بذلك لها من هذا الجنرال الإيراني الخطير، الذي يبدو كحاكمٍ عسكري مطلق الصلاحيات لسوريا والعراق حالياً.
إن عدم قدرة الأسد على إجراء أي شيءٍ لمنع الإيرانيين من السيطرة التامة على سوريا يؤكّد بأن إسرائيل ومعها العرب بحاجةٍ ماسة إلى تقوية ودعم وتوحيد المعارضة الوطنية السورية، والتمهيد من أجل القضاء على النفوذ الإيراني في سوريا من خلال وقف الحرب المدمرة لسوريا أولاً، وإقرار طرد الميليشيا التابعة لطهران منها، والقيام بإعادة بناء البنية التحتية للبلاد ومؤسساتها الحكومية ومطاراتها وإعادة بناء قواها العسكرية، بما يرضي الشعب السوري أولاً ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، وهذا يحتاج إلى:
– تعاونٍ إسرائيلي – عربي مباشر ضد الوجود والخطر الإيراني في العراق وسوريا
– دعمٍ مباشرٍ وقوي من المجتمع الدولي للمعارضة السورية، وفي المقدمة تضافر الجهود الأمريكية – الروسية في مجال تحقيق السلم، مثلما تعاونت الدولتان العظيمتان في مجال الحرب على الإرهاب في سوريا حتى الآن، وهنا يجب الانتباه إلى أن طرد إيران لا يهدف إلى إحلال قوى دولةٍ أخرى في مكان ميليشياتها، إقليمية كانت تلك الدولة أم عالمية، بل تحصين الداخل السوري وتسليمه رويداً رويداً لشعبها عبر المساهمة الدولية الشجاعة والواسعة والهادفة إلى جعل سوريا بلداً مستقراً وآمناً لكل مكوناته القومية والدينية ولجيرانه كلهم وبلداً جاذباً للاستثمارات المختلفة من شتى أنحاء العالم.
14 أيلول، 2017
kurdaxi@live.com
facebook: kurdaxi1