الإعلام الروسي أداة مسمومة تجاه الكرد

أحمـــــــد قاســـــــم
مع إبداء الروس عن حسن نواياها تجاه الكورد وحقوقه المشروعة في سوريا, إلا أنها تذهب في إعلامها نحو إتجاه آخر من خلال تصريحات مسؤوليها وعلى أعلى المستويات يستفزون من خلالها إيران وتركيا ضد التحرك الكردي المشروع على المستويين السياسي والعسكري, وكذلك مشاركتهم في الحرب ضد الإرهاب وعلى رأسهم تنظيم ” داعش “.
في حقيقة الأمر, روسيا تلعب دوراً على ثلاثة محاور متباينة:
المحور الأول مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ضمن دائرة الشرعية الدولية ومحاربة الإرهاب للحفاظ على النظام لطالما أنها حصلت ما أرادت من النظام في دمشق من خلال عقد صفقات ضمن دائرة ” الدفاع المشترك ” وبناء قواعد عسكرية ضخمة في حميميم وميناء طرطوس تتيح لها إقامة أكبر مناورات عسكرية على مساحة البحر الأبيض المتوسط مع إستملاك سماء سوريا عند الحاجة, وبالتالي, تصبح سوريا في الإستراتيجية الروسية الموقع الجيو إستراتيجي في قلب شرق الأوسط.
المحور الثاني مع تركيا وإيران, مستغلة الواقع الكردي والكردستاني في البلدين لإقامة نوع من التنسيق والتعاون بين البلدين بالتعاون مع الدور الروسي في إرساء الأمن والإستقرار في سوريا مع بقاء النظام وقطع الطريق أمام ” تقسيم ” سوريا مشيراً في ذلك الدعم الأمريكي للكرد ومحاولاتهم الساعية إلى تحقيق نوع من الحكم الذاتي في شمالي سوريا من جانب طرفي الحركة السياسية الكردية في سوريا ( تف ـ دم ) المحسوبة على حزب الإتحاد الديمقراطي مع إقامة كانتوناته الثلاث في الجزيرة وكوباني وعفرين, و السعي للربط بين الكانتونات الثلاث وإيصالهما إلى البحر المتوسط !؟” هذا ما يؤكد عليه الحزب على كل المستويات “. والطرف الآخر ( المجلس الوطني الكردي ) الذي يسعى إلى تحقيق الفيدرالية في القسم الكوردستاني من سوريا.. وفي نظر تركيا أن المشروعين يشكلان خطراً على أمن ومستقبل تركيا, وبالتالي, فهي تصرح ليلاً ونهاراً معارضتها على إقامة أي كيان مسقل أو شبه مستقل على حدودها من قبل الكرد.
وفي هذا المجال تسعى روسيا إلى إقامة تعاون بين تركيا وإيران نظراً على أنهما شريكان في مواجهة حدث يشكل خطراً على مستقبل الدولتين معاً وهو ( الحدث الكردي ) الذي يأخذ مساراً تصاعدياً على المستويين الإقليمي والدولي.
المحور الثالث مع الكرد وأطراف حركتهم السياسية, وبالخصوص ( تف – دم ) المحسوبة على حزب الإتحاد الديمقراطي و ( المجلس الوطني الكردي ) كونهما الإطارين الفاعلين على المستويين السياسي والعسكري, لتبين لهما على أن الروس مع تحقيق الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا, وتؤكد مراراً وتكراراً على حضور الكرد في أي مسعى والحوار حول مستقبل سوريا ” من دون الضغط على أهل القرار طبعاً “. وهي في ذلك تبحث عن آلية قد تساعدها في إبعاد المجلس الوطني الكردي عن المعارضة من خلال ” الترويج في الإعلام أكثر من أن تستحق على أن المعارضة هي بالإجمال مجموعات إسلامية سلفية يديرها الإخوان المسلمين يتنكرون للكرد حقوقهم من خلال التأكيد على أنهم مواطنين ومن حقهم ممارسة لغتهم ويحافظوا على تقاليدهم في ظل دولة المواطنة “. من المؤكد, وإضافة إلى الترويج الإعلامي من قبل النظام ضد المعارضة وتشويهها وكذلك إعلام حزب الإتحاد الديمقراطي, كل ذلك يتوحد في مجرى واحدة لتشكل سيلاً يقتحم الفكر الكردي, وبالتالي يخلق نوعاً من الشكوك والفكر الإرتدادي( وهي محقة ) لدى الإنسان الكردي لطالما يؤكد على ذلك النسبة الأعلى من إعلام المعارضة وتصريحات العديد من نُخَبِها السياسية أيضاً.
الآن هناك تصاريح من نوع جديد يعلنها العديد من المحللين العسكريين والسياسيين الروس حول الصراع على ديرالزور.
” يعتقد الفريق يوري نيتكاتشيف أنه إذا دخل الكرد إلى الجزء الأكبر من دير الزور قبل الجيش العربي السوري، فإن هذا يعني في الواقع الفعلي “استيلاء الولايات المتحدة على المنطقة الغنية بالنفط والغاز في البلاد”، وفي الوقت نفسه سوف يشكل هذا أساسا اقتصاديا للكرد للانفصال عن سوريا، كما يفعل كرد العراق حاليا. وإضافة إلى ذلك، إذا سيطر الكرد على دير الزور، فستكون الولايات المتحدة قادرة على ممارسة نفوذها، وبالتالي إعادة الإرهابيين، الذين قدموا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، إلى أوطانهم بهدف “زعزعة استقرار الوضع في هذه المناطق”، كما يقول نيتكاتشيف، وخاصة أنه يلاحظ أنهم باتوا “يستسلمون لقوات سوريا الديمقراطية على نطاق واسع”..
إنها رسالة واضحة لإيران وتركيا تؤكد على أن قضية تقسيم سوريا حقيقة لدى الكرد فيما إذا ساعدتهم الظروف مع إستمرارية الدعم الأمريكي لهم, ما تدفع بتركيا وإيران أخذ كل الإجراءات للحيلولة دون تحقيق ذلك, وبالتالي, تكون روسيا قد شكلت محوراً قوياً في مواجهة المشروع الأمريكي, وحوصرت أمريكا في الزاوية الشمالية الشرقية من سوريا, لتنهزم في المراحل اللاحقة إستراتيجياً.
من هنا قد تلعب أمريكا لعبة أخطر كرد فعل على التحالف الإيراني التركي الروسي في سوريا ” لعبة قلب الطاولة على رأس الكل ” لطالما أنها بسطت نفوذها على الجزيرة ( شرقي الفرات ) وتدعم مشروع الإستقلال في كردستان العراق كرد طبيعي على من يقف أمام مصالحها الإستراتيجية, وكذلك تركز على دعم الحركة الكردية في الشمال الغربي لإيران ( كردستان الشرقية ) مع دعم حركة خوزستان للإستقلال, ناهيك عن الحراك الكردي في تركيا الذي لم يهدأ يوماً… فماذا سيحصل يا روسيا؟
فمن سيتذوق السم الذي يعمل عليه روسيا مع المتغيرات المحتملة؟
أعتقد اللعبة على الطاولة الأمريكية في مواجهة أمريكا كمن يبلع السم مع لعابه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…