إدريس سالم
هناك فرق بين أن يطلب المجلس الوطني الكوردي اللقاء بالمسؤولين الروس والمعنيين بإدارة الحرب ورسم الاتفاقيات والمفاوضات المتعلقة بسوريا ودول الشرق الأوسط مع بقية الأطراف الأخرى، وبين أن تأمره موسكو وتدعوه لإجراء لقاء ومناقشة المجريات والتطورات الراهنة «إن ذهب ENK-S إلى موسكو فربّما نراه غداً في طهران ودمشق»، لكن في كلا الحالتين اليوم الروس هم الأقوى فعلاً وقولاً في الساحة السورية، وهم مَن سيفرضون الشروط والأوامر حسب مصالحهم مع مراعاة مصالح مَن تتعامل معهم، إلا أن ما يبشّر بالخير أن المجلس قد يخرج من ضعفه وقوقعته، بتحريك نفسه خارج نطاق الائتلاف السوري المعارض، وأن العمل في الفنادق ومحاربة مَن في الخنادق لن يحلّ شيئاً، ويسيء إلى دماء الشهداء.
لقد ناقش وفد المجلس الوطني الكوردي مع الخارجية الروسية في زيارته إلى موسكو ضرورة أن تأخذ العملية السياسية حقيقة تعددية سوريا القومية والدينية من الدرجة الأولى، وأن يختار السوريون نظام سياسي من شأنه تأمين الحرية والعدالة والمساواة بين جميع الأقليات، وإيقاف الحرب بوضع حلّ وحدّ لها «لا حلّ سوى التقسيم، وولادة الفيدراليات من رحم الحرب القائمة»، هذا بالنسبة للصيغة الظاهرية للزيارة، والتي تداولها الإعلام والصحافة وناشطي صفحات الفيس بوك وتويتر، فماذا في السرّ؟ وهل من خطر على مستقبل الكورد خاصة وأن المستضيف من أعتى حلفاء الأسد؟ وما هي الملفات الخفية الحسّاسة التي تم مناقشتها؟ وهل المجلس قدّم تنازلات من شأنها أن ينحدر بها مرة أخرى نحو هاوية الضعف والتجميد والتهميش، أم أنه كان ديّكاً رومياً في وجه الدبّ الروسي؟
إن قبلت روسيا مطلب المجلس الوطني الكوردي في ضرورة مشاركته ككتلة مستقلة في مؤتمر الرياض بعد إخفاقات وخروقات الشراكة مع الائتلاف السوري المعارض، فهذا يدل على أنه إما سيجمّد عضويته في الائتلاف أو أنه سينسحب منه في القريب العاجل، والانسحاب والتجميد في نهاية الأمر مجرّد تكتيك وورقة ضغط قوية في وجه الائتلاف «الدولار وأضواء الشهرة ضرورتان لقادة الشعارات والخطابات»، في أن يعترف بالقضية الكوردية وحقوقها وفق الشكل الشرعي المطلوب وأمام الرأي العام الدولي والعربي، وتفعيل شراكة حقيقية دون أي خرق في الوعود والاتفاقات التي بينهما، وقبول الروس لهذا المطلب بالصيغة المطلقة أمر مرفوض.
أعتقد أن روسيا لو منحت الكورد بعضاً من صلاحيات الدعم السياسي والتنسيق العسكري في سبيل أن تكوّن لنفسها كياناً مستقلاً فسيكون المقابل الذي تأخذه روسيا كبيراً، خاصة وأن للروس دور أساسي في الوضع السوري، بسبب مصالحها ومشاريعها في البحر المتوسط، والتي لن تتخلّى عنها إلا بإزالة سوريا من خريطة العالم بقدرة قادر أو برغبة منها، وهذا ما لن يحصل «أمريكا وروسيا بدأتا تشعلان الحروب في الشرق الأوسط بنفسيهما، بعد أن كانتا تشعلانه من خلال الحلفاء والوكلاء»، فهذه الزيارة ليست بعادية خاصة أنها وجّهت للمجلس الذي لا يزال يعمل تحت مظلة الائتلاف «ائتلاف وطني أم إسلاموي؟»، حيث لم توجّه لهم الدعوة عن طريق مكتب علاقات الائتلاف بل وجهت رسمياً له، فهل تعزّزَ لدى المجلس توجه سياسي مرن وتحرّك مستقل في هذه المرحلة؟ هل بات مقتنعاً بأن الائتلاف لن يمنحه أي شيء في المستقبل؟ هل يبحث عن شريك آخر أو استراتيجية جديدة لإيجاد التوازن والتنسيق المطلوب مع الحلفاء في مفاوضات جنيف أو مؤتمر الرياض أو آستانا؟ أترغب في الانضمام الضمني لمشاريع خصمها الأزلي؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة كنتائج لهذه الزيارة.
من ناحية أخرى عليّ أن أشير إلى أمر مهم ولعلّه سيبسّط الأمور ويكشف المستور، حيث اتهم المجلس الوطني الكوردي في كثير من الأحيان حزب الاتحاد الديمقراطي بالخيانة، عندما التقى وفد من حركة المجتمع الديمقراطي مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في موسكو عام 2014، حيث صدر بيان رسمي من قيادة المجلس معلناً أن “الجلوس مع الروس هو جلوس مع النظام السوري“، واليوم يؤكد المجلس ذاته أن روسيا مع حقوق الشعب الكوردي «أهو تهوّر في المواقف أم لعب على الحبال؟»، أليس غريباً هذا التخبّط السياسي أم أنه بالفعل السياسة تمارس هكذا؟ ثم لماذا حلال عليه وحرام على PYD؟ أليس غريباً دعوته للوقوف مع ثورة الشعب السوري ضد النظام المدعوم من روسيا؟ أليس غريباً طرح الفيدرالية بشكل مخجول على الروس كمطلب غير تنازلي في حين يرفضون فيدرالية حزب الاتحاد الديمقراطي المباركة من النظام بشكل أو بآخر؟
بالعودة إلى عنوان المقال هناك الآلاف من إشارات الاستفهام والتي بمجرّد أن يجيب عليها القارئ المتمكّن والسياسي الأكاديمي فسوف يخرج بنتيجة إيجابية، أهمها هل تكون زيارة المجلس الوطني الكوردي لروسيا هي محاولة روسية لإرضاء الأتراك عن طريق المجلس؟ وهل تركيا تريد بناء كركوك آخر في عفرين للمحافظة على نفسها من التمدّد الكوردي وحماية حدودها بتشكيل جدار عازل من القوات الروسية بينها وبين المعارضة السورية المسلحة وبين وحدات حماية الشعب التي نراها كيف تتبخّر ضمن تشكيل قوات سوريا الديمقراطية؟ تزامناً مع الصفقات والمفاوضات الجارية في جنيف السويسرية والرياض السعودية وآستانة الكازاخستانية، التي الهدف منها بالدرجة الأولى هو منح النظام السوري وحليفته روسيا المزيد من الوقت للقضاء على آخر فصائل المعارضة، بتحجيم قوتها العسكرية وتعطيب دورها السياسي والدبلوماسي «السياسة مصلحة متحركة دائماً»، لكن مقارنة هذه الزيارة مع زيارة الوفد الكوردي إلى واشنطن في فبراير المنصرم من هذا العام فهي نصفها للاستهلاك الإعلامي والتشتيت المجتمعي، ونصفها الآخر يبقى موضوعاً على الطاولة إلى أن يأتي يومه ويتم تحريكه واستخدامه وفق المجريات.
ختاماً، على قطبي الحركة الكوردية في غربي كوردستان (ENK-S و PYD) أن يأخذا العبرة من اللقاء الأخير للإعلامي السعودي في قناة العربية تركي الدخيل مع رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني عندما سأله الدخيل عن سبب الوجود الإيراني في السليمانية «معقل الاتحاد الوطني الكوردستاني» أكثر من هولير، فكان ردّه أن السبب لجغرافية السليمانية القريبة من إيران أكثر من هولير، ليكرّر السؤال بصيغة أخرى على أنه بسبب التقارب السياسي، فكان أن جاوب بحكمة وحنكة أن السبب جغرافي فقط.
إذاً على كلا القطبين أن يتوقفا عن تفكيك المجتمع وتشريد الشعب، بالتخوين والعمالة والتهم والشتائم المشترك والمتبادل، وأن يتحلّيا بروح النقد البنّاء وممارسة السياسة بالأفعال الممكنة لا بالشعارات البرّاقة، ويطالبا بإيجاد مَخرج مشترك بتأسيس منصّة كوردية شاملة لحمل المهام في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها الشرق الأوسط بشكل عام والكورد بشكل خاص، أو أن الضياع والهلاك سيكون مجدداً من نصيب الكورد «إن كان أشرس حزبيين كوردستانيين PDK و YNK اتفقا بعد حروب وصراعات مريرة فلماذا لا يتفق ENK-S و PYD قبل أن يدخلهما أعداءهما مرحلة الصدام العسكري؟».
إدريس سالم
كاتب وصحفي كوردي