قرّاء الغسيل الوسِخ من الكُرد

ابراهيم محمود
ليس مستغرَباً في أوساطنا القرائية، إن صحّت التسمية، هذا الإقبال على متابعة ما يُسمَّى أيضاً بـ” الغسيل الوسِخ “، وإن كان القول مدعاة لتحديد نوعه وجنسه ومغزاه وكاتبه. سوى أن الملاحَظ، من خلال متابعتي لطبيعة القراءات الكردية هنا وهناك، هو أن أحدهم إذا تعرَّض لجانب معتبَر فضائحياً: سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً وجنسياً حول حزب، جماعة، طرف، أو شخص معين له اعتباره الاجتماعي، خصوصاً إذا كانت ” الريحة مستعِرة ” يقفز عدّاد القراءات كعداد الكهرباء إلى مستوى قياسي وفي زمن قياسي، بينما لو أن الأمر تعلَّق بعمل هو مأثرة إنسانية، قومية، وطنية، سياسية وثقافية من قبل طرف أو شخص، وفي مجال محدد، يبرز عدد القرّاء مخجلاً. لا بد أن قرّاء الحالة الأولى مثقَلون بداء الوساخة إذاً .
أي ” رادياتور ” قادر على تخفيض حرارة هذا الغسيل الضاغط على محرّك النفس وقواه؟ إذا أردنا تجاوزاً لهذه العدوى وتشعباتها، وهي بمضاعفاتها المتعددة الأبعاد ؟
هذا يستدعي النظر في الموضوع في نطاق زاوية كاملة، وتتبع خيوطه وتشعباتها:
أين يكمن مصدر الغسيل الوسخ؟ ولماذايتم تداول الغسيل الوسخ ورغم معرفة جوانب مختلفة فيه؟
مَن وراء هذا الغسيل الوسخ؟ وكيف يكونون؟ وأين يقيمون أو ينتشرون عدداً وعدَّة ؟
ما المستوى الثقافي لهؤلاء الذين يهتمون بموضوعات في هذا المضمار، وطرق تناولهم لها، وموقعهم ومكان إقامتهم؟
كيف يمكن التفريق بين ما يُعَد غسيلاً وسخاً، وهو يلوّث كل من يمسه أو يجسه أو يتحسسه أو يتنفسه، وما ليس قابلاً لأن يُسمى بهذا الاسم؟ ثم: ماذا وراء هذا الخلط عبر التعميم دون التفريق في الزمان والمكان والهدف؟
متى يظهر المحكي أو المكتوب حول الغسيل الوسخ؟ أي في ظرف ومكان ومن هم معنيون به ومراميهم ؟
لماذا يظهر الغسيل الوسخ بأسماء إلى جانب صور الذين يقبِلون على التنافس أحياناً في التعرض له والكتابة عنه، وحتى إقامة حلقات معينة بصدده، وعلى أعلى مستوى: إعلامياً وثقافياً، كما هو الارتفاع المفاجىء في درجات الحرارة، وانخفاضها بالسرعة ذاتها؟ رغم أن المفاجىء للناس ليس كذلك في تفسيره الطبيعي/ المناخي، وكذلك الحال بالنسبة للمسمى بالغسيل الوسخ، إذ ما إن يتم تحرّي محفّزاته، وأساليب الكتابة عنه، أو القول فيه، ومن يتولون أمر القيام بهذه ” المهام ” ذاتياً/ طوعياً، أو بتكليف/ توجيه ما، حتى يتبين أن ليس هناك من دقة، ولا بأي شكل في حقيقة المسمى بالغسيل الوسخ، إنما مادة لها صلة بجملة مواد اجتماعية، سياسية وثقافية، وما للتربية الاجتماعية والسياسية والنفسية من دور مؤثّر في نشر ” فيروسها ” بشكل غير متوقع، وهو ما ينبغي توقعه إن عرِف نوع البناء الاجتماعي وأولو أمره، إلى جانب كون المادة هذه لا يجري اختلاقها أو صنعها خارج حدود البلد، المجتمع، أو المدينة…الخ، بقدر ما تكون بذورها أو شتلاتها أو بيوضها محضَّرة لحالات على تماس مباشر بالصراعات القائمة.
في المجتمعات الغربية، يمكن التعرف إلى المقابل: من نوع فضيحة ووتر غيت، أي ما تم خرقه مؤسساتياً أو قانونياً، ومن مستوى قيادي رئاسي، أو ” فضيحة ” كلينتون ” الجنسية، وكيفية إثارتها، رغم أن في عالمنا الشرق أوسطي، وبين الكرد أنفسهم ثمة ” فضائح ” يومية: جنسية، أخلاقية وسياسية…الخ، وفي الوقت الذي تتم متابعة الجاري في الغرب بالطرق المعتادة قانونياً وعبر متابعة إعلامية بالصوت والصورة، وفي جلسات مفتوحة، ومحاكمات متلفزة، لا شيء من هذا الشيء في عالمنا ” السالف الذكر: من الغسيل الوسخ حقاً، والمرتبط بالنفوذ الشخصي السياسي والأمني والسلطوي وحتى ما يدخل في نطاق الابتزاز، دون أن يتطرق أي شخص أو طرف إعلامي وغيرهما إلى ذلك، إلا عبر تسريبات يشار إلى جذاذات من ذلك في الخارج، وما في ذلك من إشكال في العلاقة وتأكيد عنف مهدّد وموعّد.
هذا يستدعي النظر في القاعدة المعلوماتية التي ينبني عليها الوعي الثقافي أو النقدي على صعيد المجتمع، وفي نطاق المؤسسات التعليمية والتربوية، وفي الصحافة وحتى التآليف ذات الصلة وتوقيتاتها، وكيف تتشكل هذه القاعدة، ومن هم الفاعلون فيها، ومن يستثمرونها، وما يترتب على ذلك من خروج عن جادة الصواب: الحقيقة، وطالما أن تسمية الوسخ لا يلغي الغسيل، عدا عن أن سوء إدارة الخطأ، إذ ليس من مجتمع وليس فيه منغصات” أوساخ ” مع فارق المعالجة، إذ حين يعتَّم على هذا ” الوسخ ” ولا يتخلَّص منه، يغدو غسيلاً وسخاً يعرّي مجتمعاً بأكمله.
يشكّل قراء الغسيل الوسخ ظاهرة معقَّدة جرّاء وضعية اجتماعية، سياسية وثقافية مرضية مزمنة، تنشَّط، وتجدَّد، للاستفادة منها، تنفيساً لمكبوتات، وإبقاء لها عملياً في آن، وحاجة هؤلاء في تصدعاتهم النفسية إلى أكثر من ” فرمتة ” مركَّزة ” ولأكثر من مرة.
الحديث عن الغسيل الوسخ، كما تقدَّم، يرتبط بمجتمع مثقل بالوساخات، ومكبات نفايات الأخلاق، والعاملين فيها بشكل منتظم، بينما يلعب هؤلاء القراء دور الداخلين في حاويات القمامة، حيث يمكنهم أن يعثروا على ما هو مثير من اللعاب، سوى أن الرائحة النتنة للحاوية ومكوناتها، تتلبسه، وملحقاتها الذبابية، بما يفوق قدرة أي مضاد حيوي، وفلترة مدروسة لتطهير هذه النفوس والرؤوس، طالما أن هناك نفوساً فاسدة ورؤوساً كاسدة وراء هذا الغسيل ” الزنخ “!
دهوك، في 10-9/ 2017  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…