مَن الخاسر، والمُستفيد الأكبر من نقل قافلة داعش؟

إدريس سالم
في صفقة ألغت كل نظريات المؤامرة السابقة بشأن أصل تنظيم داعش والجهات التي يُزعم أنها تقف وراءه وتدعمه، حيث وصفها الرافضون لها بالجهنمية والخديعة الكبرى والموالون بالانتصار السياسي ودحر الإيديولوجيات المتشدّدة «المؤكّد أنها عار تاريخي على جبين حكّام العرب»، إذ نُقل ما يقارب 300 مقاتل من عناصر تنظيم داعش مع عوائلهم من منطقة جرود عرسال اللبنانية إلى مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي على الحدود السورية العراقية الخاضعة لسيطرة التنظيم، وبحافلات مرفّهة معزّزين مكرّمين مَحميين «غالبيتهم قناصون وخبراء ألغام ومفخّخات وضباط كبار»، تحت مبرّرات بعضها ظاهر للعيان وبعضها الآخر مُبطّن مرتبط بمخطّطات المخابرات. 
إلا أن التنسيق الذي كان في السرّ بين بشار الأسد وحسن نصر الله ونوري المالكي وقاسم سليماني على إدارة داعش مخابراتياً بات اليوم في العلن وسط صمت دولي «السكوت إحدى علامات الرضا!»، فبحسب المدافعين عن الاتفاق والمهلهلين بنجاحها أن منطقة البوكمال حاضنة للتطرّف والإرهاب، مما يعني أن التحالف الدولي سيقضي عليه هناك. فليسألوا أنفسهم: لماذا لم يقضِ التحالف وطيران روسيا وسوريا عليهم هناك في جرود عرسال مع الجيش اللبناني بدل تقديم خدمات مرفّهة لهم ونقلهم بحافلات كبيرة إلى الحدود العراقية دون أن يعترض طريقهم أيّ أحد؟ لماذا نجح هذا الاتفاق في حين فشلت كل اتفاقيات السلام والهدنة ووقف إطلاق النار ونقل المساعدات الإنسانية والطبية بين المعارضة والنظام السوري في كل حصار أو مجزرة أو باء أو معركة طاحنة؟ «في هجوم داعش على مدينة كوباني قام طيران التحالف الدولي بإسقاط الأسلحة للطرفين المحاربين، والواقع يشير إلى أن تأسيس التحالف جاء للقضاء على داعش!».
في المقابل لماذا يمتعض العراقيون والسوريون من 300 عنصر من داعش على الحدود، ويعتبرون أنها مؤامرة خطيرة ضدّ أمنهم القومي، بينما يتغاضون عن وجود الآلاف داخل المدن السورية والعراقية أضف إليها أنظمتهم الشوفينية؟ ولماذا بعضهم يعتبر هذا الاتفاق الذي حصل بين حزب الله اللبناني من جهة «حزب الله حزب طائفي ووظائفي يأتمر من القم الإيراني ويمول منه، هدفه حماية النظام السوري وليس الشعب اللبناني» وتنظيم داعش من جهة أخرى أنه مؤامرة ضد استقلال كوردستان أو ورقة ضغط قوية لإلغاء استفتائه أو تأجيله؟ أم أن هناك تعاون سوري – إيراني – عراقي على عرقلة الاستفتاء المزمع إجراءه في إقليم كوردستان، وضرب مناطق النفوذ الأمريكي؟ «هل تحتمل المنطقة اندلاع صراع شيعي – كوردي يضاف إلى الصراع الشيعي – السني الحالي؟».
لعلّ تعطيب أو تحجيم داعش في دولة خلافته المزمعة كان أمراً مؤقتاً، إذ أنه سيبقى ببساطة خاملاً لبضع سنوات، وسيظهر مرة أخرى كنوع آخر من داعش 2 وتحت مسميّات أخرى وبنفس الأهداف، تماماً كما تحوّلت القاعدة إلى جماعات إرهابية أخرى، بسبب فوضى الدول الفاشلة والحاضنة للديكتاتوريات والسياسات القمعية في أفغانستان واليمن، وعليه فإن ما يحدث في العراق وسوريا قد يفتح الباب أمام بزوغ جماعات جهادية أخرى وأقرب إلى الراديكالية، في حال أراد الدول العظمى على عدم حل الأزمة السورية وتمديدها «المفاجئات وخلط الأورق قد تلعب دورها لتحقيق مكتسبات أفضل»، ولعل صدقية هذا الكلام وتحويله إلى واقع ملموس جاء على لسان السفير الأمريكي السابق لدى العراق “زلماي خليل زادة“ معتقداً بأنه من الممكن أن تتأسّس دولة كوردية في غربي كوردستان قبل 15 إلى 20 عاماً، إذاً فهناك احتمال كبير على أن يأتي بعبع إرهابي آخر على غرار حركة الطالبان الباكستانية وتنظيمي القاعدة وداعش، أو ربّما تهبط التنظيمات الإرهابية المتطرفة من حالة الصعود إلى الهبوط، خاصة وأن العراق وسوريا أصبحا منبعاً للإرهاب وفروعه، وهو أضعف الاحتمالات. 
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: «ما الهدف من نقل آلة الإرهاب من لبنان إلى العراق؟». إن القافلة الإرهابية التي نقلها تجّار الحروب وسماسرة المعارك كانت بإدارة إيرانية مباشرة، ولم تكن وليدة المصادفة «لا مكان للصدف في سياسات إيران ووكلائها!»، خاصة وأنها تخوض حربها من خلال جيوش غير إيرانية، بينها الجيش العراقي والجيش السوري، توازيها ميليشيات الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني والميليشيات السورية المستحدثة، ولهذا الحدث هدفين كلاهما استكمال للآخر. 
فالهدف الأول يكمن بالدرجة الأولى في محاربة إقليم كوردستان ومعارضة ورفض مشروع استقلاله، الذي يجري على قدم وساق، هنا يجب أن نتذكّر أن الموقف الإيراني ليس حباً في وحدة العراق وتداعيات تفكّكها، وإنما خوفاً من إثارة الكورد في إيران وزعزعة استقرارها الداخلي وما يترتّب عليه من مطالبتهم إيران بشيء مماثل، فهي ترى أن قيام دولة كوردية بالقرب منها يهدّد أمنها واستقرارها، خاصة وأنها تعمل منذ سقوط نظام صدام حسين على الاستيلاء على العراق ككل دون خروج مناطق منه عن طوعها، وكذلك فإن هذه الدولة إن ظهرت فسوف تحدّ من التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية ويبرزها في دور العاجز الضعيف عن لعب دور الحامي في المنطقة وتوجيه أحداثها بما يخدم مصالحها، وإيران ستعمل جاهدة على هذا الهدف. 
فيما الهدف الثاني يكمن في مدى رغبتها العارمة للتسلّل إلى المحافظات السنية العراقية التي دفع أهلها الدمار والدماء للتخلّص من داعش وانتهاكاتها، وليعودوا مجدّداً لذبح السنة، بدعم من الشيعية العراقيّة التي يديرها قاسم سليماني من وسط المراكز الحسّاسة ببغداد، والذي يمسك بالكثير من خيوط المشهد السياسي في العراق، ويعمل على توجيهها بما يحقق مصالح إيران الرامية إلى إحياء وإعادة الإمبراطورية الفارسية، أي أنها ماضية في خطتها الإجرامية لتصفية سنّة العراق، مهما يكون شأن الإرادة الإقليمية والدولية «هل أمريكا وإسرائيل ستقفان للحدّ من تحقيق هدفي إيران من صفقة نقل الإرهاب وبيد الإرهابيين وجعل الشرق الأوسط شرقاً شيعياً؟».
اختصاراً لكل هذا الكلام، فإن المسرحية التي مثّلها كل من حزب الله اللبناني وحرس الثوري الإيراني ونوري المالكي ونظام الأسد من جهة، وداعش من جهة أخرى قد انتهت بإبرام صفقة سياسية ناجحة فيما بينهم، حصلوا بموجبها على إعادة الأمن والاستقرار وعلى طريقتهم «على الشعب أن يدرك أن هم مَن يزعزعون أمنهم واستقرارهم، وينغّصون عليهم عيشهم!!» وكسب تأييد شعبي وإقليمي ضد ما يسمّى بحسب مزاعمهم الجماعات الإرهابية المسلّحة، إذ انتهت المعارك التي زُعم أن الجيش اللبناني خاضها ضد التنظيم داخل جرود عرسال اللبنانية وبقرب القلمون السورية بانتصار الجيش وانهزام التنظيم «لماذا يحصل المهزوم على امتياز التفاوض، والاتفاق مع مَن يعتبرون أنفسهم حماة الأرض والعرض؟ ولم هذا المهزوم هو مَن يكتب شروط هزيمته، وليس العكس؟!».
والمؤكد أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على مزيد من التحوّلات المفاجئة والصراعات الجديدة، والذي لن يقتصر على سماسرة ووكلاء الدول الراعية للإرهاب والحروب وحدها، بل سيصل نيرانها إلى تلك القوى نفسها، لأن صانعو ومنفذو الحروب والأزمات لن يتركوا الشرق الأوسط لقمة سائغة لإيران الشيعة المهووس بأحلام استعادة أمجاد حضاراتها، وعلى الكورد أن يكونوا أكثر حذراً واتزاناً وتفكيراً عميقاً، وألا يقايضوا على بناء دولتهم وأخذ حقوقهم مقابل أن يكونوا بنادقاً أو قنابلاً تستخدم في سبيل إطفاء نيران الأزمات والصراعات القادمة، بل عليهم أن يكونوا قوة للدفاع عن شعبهم لا للإيجار بيد مَن تآمر ضدّهم، والرسالة موجّة بشكل خاص إلى ENK.S و PYD اللذان يتآمران على قوت الناس ويلعبان بمشاعرهم، وينفقان أموالاً رهيبة في مشاريع لا تخدم الكورد ولا تطلّعاتهم القادمة. 
إدريس سالم
كاتب وصحفي كوردي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…