المنتخب السوري بين مطرقة النظام وسندان المعارضة

دلوفان عبدو
منذ اندلاع الثورة السورية وإلى هذه اللحظة والشعب السوري منقسم بين معارض ومؤيد للنظام، وإن كان المعارضون يشكلون الأكثرية، وهذا الموقف الذي أبداه الشعب السوري بمعارضه ومؤيده كان له تأثير على كافة المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، وحتى الرياضة لم تكن استثناء، حيث انقسم كل شيء بين مؤيد ومعارض، ولم يغب عن المعارضة السورية التي شكلت حكومة في الخارج ودعت الشرعية لنفسها أن تشكل اتحاد للرياضين السوريين الأحرار في قطر، وأن تنضم للمجلس الوطني السوري المعارض وتجذب الكثير من الرياضيين السوريين المنشقين عن الهيئات الرياضية التابعة للنظام.
كانت من أهم المحطات الرياضية التي شهدتها سورية في ظل الثورة هي مشاركة المنتخب السوري للتصفيات الآسيوية المؤهلة لتصفيات كأس العالم لكرة القدم في روسيا 2018، وقد أثير هذا الحدث سجالاً سورياً مرة أخرى، وجذب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وألهب النار المشتعلة أساساً، وكثر الحديث عن هذه المشاركة بين مؤيد ومعاض للمنتخب، وخصوصاً أن المنتخب السوري قد بلغ مرحلة متقدمة وهو على وشك المشاركة ولأول مرة في تاريخ كرة القدم السورية في نهائيات كأس العالم لكرة القدم.
وبلغ انقسام الشعب السوري بين مؤيد للمنتخب ومعارض للمنتخب في المباراة الحاسمة التي جمعت المنتخب السوري مع المنتخب الإيراني على ملعب آزادي في العاصمة الإيرانية (طهران)، وظهرت اختلافات وتباينات في الآراء من جديد، وأهم هذه الاختلافات تحول بعض المعارضين للنظام مؤيدين للمنتخب ولكل منهم حججه، ونستطيع التصنيف على الشكل الآتي:
أولاً: المؤيدون للمنتخب: وهم ينقسمون إلى فئتين:
الفئة الأولى: المؤيدون للمنتخب والمعارضون للنظام
وأكثرهم من الرياضيين والمهتمين بالرياضة وعشاق كرة القدم، ويرى أنصار هذه الفئة أن المنتخب يمثل الشعب السوري ويمثل الرياضة السورية والرياضيين السوريين لا النظام الذي هو بكل الأحوال مجرم وقاتل ومصيره الرحيل عاجلاً أم آجلاً، ولا بد من الفصل بين الرياضة والسياسة، وأنهم منذ أمد كانوا بانتظار هذا الانجاز العظيم.
الفئة الثانية: المؤيدون للمنتخب من المؤيدون للنظام
وكان من رأيهم بأن هذا هو انتصار للنظام ويحسب له، وأن ظنهم لم يخب بالنظام وأن هذا هو أقوى رد لجميع المتآمرين والمحسوبين على المعارضة، وخصوصاً أن المنتخب يحمل العلم ذو النجمتين الذي يرفعه النظام، وكان هذا الحدث كافياً لكي ينزلوا للشوارع في الداخل السوري، ليهتفوا باسم الرئيس الذي يدخل في كل شاردة وواردة، وكأنه مَن كان يسجل الأهداف ويحقق الانتصارات، فغطت صفحاتهم بصور المنتخب مع العلم ذو النجمتين مهلهلين مصفقين منتشين.
ثانياً: المعارضون للمنتخب والمعارضون للنظام: 
انتقد المعارضون للنظام المنتخب ومشجعيه بسخط شديد على أن هذا المنتخب يمثل النظام ويضرب بعرض الحائط جميع الدماء التي أسيلت على يده، وأن النضال والثورة كانت من أجل الحرية والكرامة، وجاء هذا المنتخب وأفسد كل ما أنجزه المعارضون، وكما أن الداعمين للمنتخب متواطئون مع النظام ضد الثورة، ويجب مقاطعتهم ومحاربتهم فرض عين، وكأن المنتخب هو سبب كل هذا البلاء الذي حدث ويحدث في سورية وهو سبب كل هذه الدماء والدمار.
وككل حدث إيجابي كان النظام حاضراً بآلته الإعلامية، ليحول هذا الحدث عن مساره ويمتضي هذا الانتصار الذي سجلت كسابقة في تاريخ المنتخب السوري لكرة القدم  والذي هو على وشك التأهل لهذا الحدث الرياضي العالمي (نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي ستقام في روسيا 2018) مقتحماً نفسه ليسجل هذا الانتصار نقطة لصالحه على حساب المعارضين له سياسياً، محاولاً تلميع صورته المشوهة ولسان حاله يقول للرأي العام الداخلي والإقليمي والعالمي:
أن سورية بخير وعلى ما يرام ولا يغركم ما تشاهدونه في الإعلام من قتل وتدمير وتشريد واعتقالات ونفي وكيماوي ولاجئين ونازحين.. الخ، وأن هذا الكلام عار عن الصحة وهو جزء من المؤامرة الدولية التي حدثتكم عنها مراراً وتكراراً، وأن الحياة طبيعية بل وأفضل من ذي قبل كما ترون، ها هو منتخبنا لكرة القدم يحقق الانتصارات ويتحدى الإرهابيين والمغرضين.. 
يتجاوز النظام كل الأخلاقيات التي هو منها عدم، ومتجاوزاً القصف والدمار والقتل والتشريد وملايين اللاجئين والنازحين والمعتقلين والمنفيين.
وهنا لا بد من تذكير النظام ببعض من جرائمه الذي قام به ضد الرياضيين السوريين الذين لم يكونوا استثناءً بل شملهم إرهاب النظام وإجرامه، وكان لهم من القتل والتعذيب والتشريد والنفي نصيب كباقي السوريين على قدم المساوة، وهنا نذكر بعض الرياضيين الذين قضوا حياتهم واستشهدوا على يد النظام الأسدي:
– هيثم كجو: اغتيل اللاعب هيثم كجو نجم نادي الجهاد أحد الأندية الرياضية السورية في حادث سير مفتعل من قبل النظام عام 2002.
– أحمد سويدان: لاعب نادي الكرامة والمنتخب السوري للشباب سابقاً، قتل في حمص بعملية للقوات الحكومية ودون تعويض لأهله. 
– غياث طيفور: الملاكم الذي قتل على يد النظام. 
– صبحي نحيلي: لاعب منتخب سورية بألعاب القوى، قتل في الثورة.
– عليوي قطيفان: لاعب كرة سلة سابق في نادي الشعلة، استشهد بعد إطلاق النار عليه خلال مشاركته في مظاهرة سلمية بمدينته درعا.
– يمان الجوابرة: لاعب منتخب سورية بالكيك يوكسينغ قتل أيضاً في الثورة.
وهذا غيض من فيض ووردته على سبيل الذكر لا الحصر  ناهيك عن الرياضيين المعتقلين لدى النظام، ومنهم أبطال وأصحاب انجازات عظيمة.
كما لا زال نادي الجهاد – نادي مدينة قامشلو – يعاني وإلى الآن من ويلات القمع الذي مارس عليه من قبل النظام، ولا زال اللاعب هيثم كجو ماثلاً في ذاكرتنا، حيث كان نجماً لنادي الجهاد ونادي الشرطة في الدوري السوري والذي توفي عام 2002، إثر تعرض السيارة (الفوكس) التي تقل النادي لحادث سير مفتعل أثناء توجه لاعبي النادي لمدينة دير الزور للعب ضد نادي الميادين، وأصابع الاتهام تتوجه نحو النظام بتدبير هذا الحادث. 
والسبب الذي أثير حفيظة النظام أن الجماهير وعشاق نادي الجهاد من الكرد كانوا يخدشون كبرياء النظام بتجمعهم في بلاد يحكم بقانون الطوارئ ومنع التجمع، حيث غير مسموح بالتجمع حتى ولو بملعب كرة القدم، وبلغ جنون النظام الحد به أن استجلب زبانيته من المستنقعات الأمنية والشبيحة وحشدهم بالسلاح الأبيض والعصي والحجارة عام 2004، وعلى أثرها حدثت انتفاضة عارمة انتفض فيها الكرد عن بكرة أبيهم، ولكن النظام لم يهدأ حتى قضى على نادي الجهاد الذي كان يملك ما يقارب الـ 5000 منتسب ليصل بهم الحال إلى العقوبة بعدم السماح لهم باللعب والتمرن على الملعب الخاص بهم، ولم يبقَ لهذا النادي ذكر لسنين عديدة والنزول من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثانية، إلى عدم الظهور والاضمحلال، إلى أن أنقذته الثورة ليعود مرة أخرى تدريجياً ويلملم ما تبقى منه.
أما بالنسبة للمنتخب السوري الحالي فلا أعتقد أن هذا المنتخب يمثل النظام بل هو يمثل إرادة الشعب السوري، حيث تجد داخل المنتخب لاعبين يمثلون جميع الأطراف من مؤيد ومعارض للنظام، وكمثال نذكر موقف النجمين المتألقين في المنتخب السوري من الثورة وهما فراس الخطيب وعمر السومة.
– فراس الخطيب: 
نجم المنتخب السوري الحالي والمحترف في نادي القادسية الكويتي، حيث كان سباقاً في إعلان موقف من النظام، كأول نجم سوري يبدي موقفه على العلن خلال مهرجان نظمته الجالية السورية في الكويت، قال فيها “أود أن أعلن أمامكم ولأول مرة أنني لن ألعب مع المنتخب السوري طالما هناك مدفع يطلق قذائفه”.
– عمر السومة:
كان السومة رمزاً من رموز الرياضيين السوريين الثوريين، ولم يخفِ موقفه المؤيد للثورة وأظهره للعلن لأول مرة في نهائي بطولة غرب آسيا حيث فاز فيها المنتخب السوري على المنتخب العراقي، وعندها قام السومة بحمل قميص طبع عليها علم الثورة السورية متوجهاً للجماهير السورية المعارضة المتواجدة في الملعب، وكما أنه عبر مراراً وتكراراً على صفحته الشخصية في الفيس بوك عن تضامنه مع الثورة، بنشر صور لشهداء قضوا حياتهم في دير الزور على يد قوات النظام.
ولا بد في النهاية من قول الحقيقة، بأن هذا الانتصار الذي جاء بعد هذه السنين السبع العجاف يسجل في أرشيف الرياضة السورية، ويصل اللاعبين السوريين للعالمية والنجومية ويفتح الأبواب أمامهم للعب في الأندية العريقة، وأن المنتخب يمثل إرادة الشعب السوري الحر، ويبرهن على أنه شعب حيوي وحر ومرن وشجاع وجبار، وهي مدعاة للفخر للأجيال القادمة بما صنعه السوريين في ظل الظروف القاهرة، وأن المنتخب لم ولن يكون محسوباً على النظام، حيث هناك فصل بين سورية كدولة وشعب عريق وبين نظام مجرم راحل وإن رفع المنتخب للعلم الذي يتبناه النظام وصورة المجرم بشار لم يكن طوعاً حيث مكرهاً أخاك لا بطل ولو شققنا على وصدور اللاعبين لوجدناهم مع سورية والثورة السورية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…