كوردستان غير قومية لكنها وطن الكورد

يوسف بويحيى (أيت هادي المغرب)
إن معنى القومية بالمفهوم الإجتماعي يختلف قطعا عن مفهومها السياسي المتداول في المجتمعات القابعة تحت أنظمة الإستعمار ،هنا قد نقف لتفسير موقف الكورد من قوميتهم على أنها جوهر ذاتهم التي ترى نفسها كوردية و لا شيء آخر ،إذ أن الوعي القومي لا يمكن التنبؤ به من العالم الخارجي لأنه فطرة فقط يحتاج إلى حافز خارجي لوصولها مرحلة الإدراك ،و من بين هذه الحوافز التهميش و الإحتقار و القمع الخارجي الممارس على الذات المضطهدة من طرف الذات المتسلطة المختلفة.
تداول مفهوم القومية لذى الشعوب المضطهدة بمثابة خطاب وعي يطمح إلى عدم إنصهار لب الذات في بوثقات القوميات الأخرى بما يسمى في علم الإجتماع “الإستيلاب” ،هناك فرق بين السعي وراء تحرير الذات من التزييف و إثبات وجودها كنسخة أصلية مستقلة عن باقي ما يحوم من حولها ،و بين السعي لإبتلاعها في حضن ذات مغايرة لا تشبهها في شيء.
إننا لا نختلف مع الإنسان العربي الذي يرى نفسه عربيا من منطلق قومي عربي و لا يشكل ذلك أي ٱعتراض لما نراه و نبتغيه في أنفسنا ،لكن هناك فرق بين أن يرى الإنسان نفسه عربيا و بين أن يعمل ٱنطلاقا من داخل منظومة سياسة القومية العربية الساعية لتعريب الشعب الكوردي و الأمازيغي و ٱستعمارهما ،هنا قد تجاوز حق و مشروع الذات إلى ذات الغير.
إن فهم الشعب الكوردي لمقومات الدولة القومية لا تتجاوز ذات كل فرد كوردي يرى نفسه كورديا حرا لا يطمح في بناء ذاته على الذات العربية و الفارسية و التركية كما مورس عليها و عانته من طرف هاته الأخيرة ،إن تأسيس دولة كوردستان غير قومية بمفهومها الأصولي بمعنى دولة متسامحة تتسع إلى كل من عليها في كل المجالات لكن تبقى دولة شعب كوردي يحمل جنسيتها و ثقافتها و تقاليدها و يتكلم لغتها الكوردية الأم لغة رسمية.
إن الخوف الذي يندد به معارضي الدولة الكوردية ليس بفهم الكورد لمعنى القومية ،بل إلى الثقافة المدسوسة من طرف الأنظمة الغاصبة لكوردستان عن مفهوم القومية ،حيث كان هدف كل من القومية العربية و التركية و الفارسية رؤية الكوردي على التوالي عربيا و تركمانيا و فارسيا ،كما هو الحال في الثورة البلشڤية الروسية و النازية الألمانية…
إن ما أكده الرئيس “مسعود البارزاني” فيما يخص دولة غير قومية بحتة هي فكرة منطقية و ديموقراطية تتطابق كليا مع الواقع و محترمة مبدأ الإختلاف ،و تتماشى إيجابيا وفق التغيرات و التطورات الفلسفية و المنهجية و السياسية على مفهوم القومية بغية عدم الوقوع في نفس المعضلات و الكوارث النازية و البلشڤية و العربية…
إن مفهوم القومية السليمة مستقرها الروح و ليس الجسد ،فدولة كوردستان قومية كوردية بروح شعبها و ليس ببند دستوري منصوص ترعاه الدولة ،فالمواطن سيرى نفسه كوردستانيا مستقبلا فهذا في حد ذاته وعي قومي يحسب للشعب الكوردي و كوردستان على الرغم من ٱختلافات الذوات.
تأسيس دولة كوردستان تحترم حقوق الأقليات الموجودة هي رمز لمعنى الدولة الديموقراطية الصحيحة و فهم دقيق لبنود العقد الإجتماعي لبناء وطن حداثي معاصر يتماشى مع قيم الإنسانية و العلوم و أطروحات الواقع ،لكن دون المساس بمقدسات هذا الوطن التاريخية التي زهقت من خلالها أرواح الشعب الكوردي وحده.
من يرى نفسه إنسانا غير كوردي مثلا عربيا أو تركمانيا…في دولة كوردستان ،فالإستقلال لن يغير في شخصه و من ذاته شيء ،سينعم بكامل حقوقه و واجباته كمواطن كوردستاني ،لكن إن كان يريد نظام الدولة عربيا وفق مايراه في ذاته فليبحث له عن ذلك في بلد آخر من بلدان شبه الجزيرة العربية…،لأن كوردستان ليست عربية و لم تكن قط عربية و لن تكون عربية أبدا و المعنى واضح.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…