دونالد ترامب واحتمالات الإقالة

 رودوس خليل
تخلت الإدارة الأمريكية في السبعينات عن الأكراد وثورة القائد الخالد الملا مصطفى البارزاني التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الانتصار وتحقيق الحلم في دولة مستقلة وكانت الولايات المتحدة تشهد في حينها محاكمة الرئيس نيكسون أدت في نهايتها إلى عزله وفي ضوء إعلان الكرد في كردستان العراق على أجراء استفتاء على تقرير المصير في الخامس والعشرون من أيلول تشهد الساحة السياسية في الولايات المتحدة ضجيجاً وحديثاً عالياً لمحاكمة الرئيس ترامب وعزله حدثين تاريخين للكرد الأولى كانت فاجعة مؤلمة لهم فهل تشهد الثانية انتصاراً طال انتظاره ؟
أدلة قوية تلاحق الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد تؤدي في النهاية لعزله عبر قنوات قانونية وانتقال الرئاسة إلى نائبه مايك بنس في سابقة هي الثانية لو تمت بعد فضيحة ووترجيت واستقالة الرئيس ريتشارد نيكسون وانتقال السلطة إلى نائبه جيرالد فورد عام 1974.
شهد التاريخ السياسي للولايات المتحدة الأمريكية ثلاث محاولات لعزل الرئيس سأذكرها بشكل موجز:
-في العام 1968 واجه الرئيس أندرو جونسون محاولتين فاشلتين لعزله كادت تطيح به في الثانية لأن جونسون نجح في الإفلات من التصويت بفارق صوت واحد في مجلس الشيوخ وكانت تلك المحاكمة نتيجة معارضة الرئيس جونسون منح الحقوق السياسية للعبيد المحريين.
-الفضيحة السياسية الأشهر في تاريخ أمريكا هي فضيحة ووتر جيت ففي العام 1968 فاز الرئيس ريتشارد نيكسون بصعوبة شديدة على منافسه الديمقراطي همفري مما جعله يعاني كثيراً أثناء معركة التجديد للرئاسة عام 1972 وقرر الرئيس نيكسون التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترجيت وفي نفس العام ألقي القبض على خمسة أشخاص في مقر الحزب الديمقراطي كانوا يحاولون زرع أجهزة تسجيل مموهة وكان البيت الأبيض قد سجل بالفعل العشرات من المكالمات فتفجرت أزمة سياسية كبيرة وتوجهت أصابع الاتهام إلى الرئيس نيكسون واستقال الرئيس على أثر ذلك عام 1974 وتمت محاكمته بسبب الفضيحة وفي نفس العام أصدر نائب الرئيس جيرالد فورد الذي تسلم مقاليد السلطة في البيت الأبيض عفواً عن ريتشارد نيكسون.
-وفي العام 1998 واجه الرئيس الأسبق بيل كلينتون تحقيقاً بشأن فضيحة إقامة علاقة جنسية مع المتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي وأنكر الرئيس كلينتون في البداية أنه أقام علاقة معها ووافق مجلس النواب بأغلبيته على توجيه تهمتين للرئيس وهي تهمة الحنث باليمين وإعاقة سير العدالة ولكن الرئيس أعترف بخطئه وأعتذر علناً وطلب الصفح من الكونجرس والشعب وزوجته هيلاري وفي المحاكمة لم يصل التصويت إلى حد الثلثين فنجى كلينتون وبقي رئيساً.
وفي العودة إلى موضوع الرئيس ترامب فهناك أدلة قوية يواجهها الرئيس قد تتسبب بعزله وتختصر في أربعة أدلة:
أولاً: الكذب تحت القسم وهي تهمة خطيرة بالنسبة للرئيس قد تطيح به ألا أنها لا توضع تحت بند الخيانة العظمى.
ثانياً: جريمة الخداع فالقانون الأمريكي يسمح بعزل الرئيس في حال وجدت أدلة وافرة عن قيامه بجرائم منها الخداع فمن المعلوم أنه كانت هناك احتجاجات كبيرة على تولي ترامب الرئاسة رغم اتهامه بالعنصرية وكره الآخر وفضائح جنسية.
ثالثاً: جامعة ترامب التعليمية التي مارست الخداع بشكل متعمد وأعلانها عن مشاريع استثمارية وهمية أضرت الكثير من الأسر الأمريكية وقد قام ترامب بغلق هذه الجامعة عام 2010 وتصل مستوى جرائم الاحتيال والابتزاز إلى جرائم خطيرة تصل للعزل.
رابعاً: مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وتعد أخطر الاتهامات التي يواجهها ترامب فمنذ أن قام ترامب بشكل مفاجئ وغريب بعزل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي والذي كان مسؤولاً عن التحقيقات الجارية في علاقة حملة ترامب بروسيا والتدخل الروسي في الانتخابات الامريكية عام 2016 عبر أنشطة قرصنة إلكترونية تعالت أصوات لمساءلة ترامب أمام الكونجرس الأمريكي لعرقلته سير العدالة
أن الحديث عن عزل الرئيس الأمريكي ليس وليد اللحظة بل ساعد على تصاعده بعض المراسيم والتواقيع ووعوده الانتخابية المقلقة للبعض التي أصدرها فور وصوله إلى البيت الأبيض وأبرزها إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فلين ثم إقالة وزير العدل الأمريكي سالي بيتس  وكذلك هجوم ترامب على وسائل الأعلام وصحف محددة ومعاداته للقضاء الذي وقف ضد قراره بعدم السماح لمواطني بعض الدول بدخول الأراضي الأمريكية إلى جانب الكونجرس الذي لم يتم الرجوع إليه قبل عزل مدير ال أف بي أي وعليه فقد تم تشكيل لجنة تحقيق عليا برئاسة المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي أف بي أي روبرت مولر تتمتع بصلاحيات واسعة من بينها استدعاء الشهود والاطلاع على الوثائق السرية وذلك في إطار التحقيق في مدى تدخل الكرملين في الحملة الانتخابية لدونالد ترامب وتشير التقارير أن المحقق النشط مولر ليس فقط بصدد التحقيق في العلاقة المفترضة بين روسيا ومدير حملة ترامب الانتخابية بول مانفور فضلاً عن مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين بل تبين في الأيام الماضية  أنه يركز كثيراً على الصلة المحتملة التي تربط رجال أعمال روس بمشاريع ترامب وتقول التقارير أن المحقق مولر يحاول الاتصال بالأشخاص الذين كانوا يشرفون على حملة ترامب وأصبحوا جزءاً من إدارته لكنهم استقالوا الآن بما في ذلك مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين الذي ترك منصبه بعد الكشف عن كذبة بشأن علاقته بمسؤولين روس ومن بين المسؤولين الحاليين داخل الإدارة الأمريكية ممن أقروا باتصالات بينهم وبين الروس جارد كوشنير صهر الرئيس ومستشاره الرفيع وجيف سيشنذ المدعي العام الأمريكي .
التسريبات تتدفق ويرجح أن وتيرتها ستتسارع وفي مواجهة هذا ومع احتمال أن ينأى ترامب بنفسه عن أعضاء فريقه قد تبدأ بعض الشخصيات في البيت الأبيض بالانفصال علناً عن الإدارة لحماية أنفسهم وهذا ما حدث في الأيام الماضية من استقالة ثلاثة مستشارين لترامب دفعة واحدة.
وفي ظل تصاعد الحديث في أروقة المؤسسات الأمريكية عن إمكانية محاكمة الرئيس وعزله يظل هذا الحديث مجرد فرضية إلا أذ اتوصل الحزبين إلى أجماع ودون لي الأذرع وكسر العظام حيث تشير التوقعات إلى تدني مستوى شعبية ترامب بين الجمهوريين أنفسهم وهذا سيعقد الموضوع في حال صوت واحد أو اثنان من الجمهوريون في مجلس النواب لصالح عزله.
وينص الدستور الأمريكي على أنه يمكن للكونجرس عزل الرئيس ونائبه في حال الخيانة أو الفساد وتتضمن الإجراءات مرحلتين حيث يصوت مجلس النواب في البدء بالأغلبية البسيطة على مواد الاتهام التي تفصل الأفعال المنسوبة إلى الرئيس وهو ما يسمى العزل وفي حال توجيه التهمة  تجري المحاكمة برئاسة القاضي الأعلى في المحكمة العليا ويكون مجلس الشيوخ هيئة المحلفين وهو الأمر الذي حصل مع ثلاثة رؤساء أمريكيين ويتطلب توجيه الاتهام وبدء المحاكمة موافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين ويتطلب الإدانة وخلع الرئيس من منصبه موافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ وفي حال حدوث ذلك يصبح العزل تلقائياً ولا رجعة فيه وفي حال عدم تحقيق الأغلبية المطلوبة يبرأ الرئيس وهذا ما حصل مع الرئيس بيل كلينتون عام 1999.
أعتقد أنه وإلى هذه اللحظة لا يوجد ما يثبت تورط الرئيس ترامب مع العملاء الروس بحيث يوجه إليه تهمة خطيرة كالخيانة وحتى أنه لا يوجد دليل بطلبه من جيمس كومي غلق التحقيق مع مستشاره السابق مايكل فلين  وحتى النواب في الحزب الديمقراطي لا يجدون أسساً قوية لمحاكمة الرئيس ولكن الأيام القادمة وسير التحقيق قد تحمل مفاجأة ومع ذلك ولنتيجة الأغلبية المريحة للحزب الجمهوري في مجلس النواب والكونجرس لن يكون تمرير قرار محاكمة الرئيس وإدانته سهلاً وهنا أشير أنه ربما تكون كل هذه التحركات كزوبعة في فنجان فالحياة السياسية الأمريكية تحمل الكثير من المفاجأة والفضائح وأن هذه التحركات لإدانة الرئيس ترامب ربما تنتهي كما انتهت وتلاشت فضيحة إيران كونترا في الثمانينات.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…