ابراهيم محمود
في الحرب تكون النساء عرضة للاغتصاب، وربما تكون في مقام المستهدَف الأول من قبل الذين يدرِكون مكانتهن في مجتمعاتهن، لهذا يكون النيل منهن اغتصاباً، أو إذلالهن أو خطفهن إدراكاً من أن ذلك يثير حنق رجالهن: آباءً، أخوة، أزواجاً وأهلاً أو استثارتهم، وما يكون سبباً لاستدراجهم للقضاء عليهم، أو لابتزازهم أو قهرهم من خلالهن، تأكيداً على الدور المفصلي للنساء، وإن لم يعترَف بهن عملياً.
في المجتمع القائم على سيطرة الذكور، يكون سبي النساء عملاً” مبرمجاً ” مخططاً له، لما في ذلك من إهانة بالغة لأهلهن من الرجال، وعمداً، ولأن فعل السبي يعتبَر إجراءاً متَّبَعاً، محقّقاً أعلى درجات النصر المعنوي لدى الغازي، صحبة المادي.
هنا يمكن اعتبار ما جاء به الإسلام، وإلى يومنا هذا، مبرّراً لهذا الجانب اللاأخلاقي في عالم ما بعد العولمة، وبغية تحفيز الداخل في الإسلام، أي من يدلي بالشهادة، جرّاء عمل تبشيري: دعوي، أو من خلال تأثر ما، أو المسلم ممن يعتد بذكورته، لأن يقضي شهواته بما استطاع إليه سبيلاً جرّاء ليس تسويغ هذا الفعل المشين إنسانياً فحسب، وإنما اعتباره نوعاً من المكافأة المجزية لمن يسمّي نفسه مجاهداً بالمقابل، طالما أن في ذلك إلحاق المزيد من الأذى بالمعتبَر ” عدواً “، ولا بد أن ما لجأت إليه عصبة داعش حديثاً، في نساء شنكال أكثر من غيرهن هو التمثيل الأعظمي لهذا الجُرم الأخلاقي الممدوح من قبل مفتييه والقائمين على إدارة أموره.
تاريخياً، كانت نساء كردستان عرضة لصنوف الاعتداءات من هذا القبيل، بزعْم أن الكرد، حتى وهم مسلمون، على دين المجوس، أو يحل قتل رجالهم، وأخْذ أطفالهم، وسبي نسائهم، ربما أكثر من كثير من شعوب المنطقة. إذ لكم صرَّح الذين تم أسرهم من هؤلاء الغزاة المأخوذين بشهوات شتى: من قتل وهتك أعراض وسرقات وسبي، وقد لاحظوا في مقاتلي الكرد من المسلمين أنهم أعلموا بأن الكرد ” كفّار ” من قبل ” مرشديهم “، أما عن النساء الإيزيديات فاُعتبِرن أكثر من كونهن حلالاً على هؤلاء الغزاة، كونهن ينتسبن إلى دين بينه وبين الدين الإسلامي غاية التباعد. لكن ذلك غير صحيح لا هنا ولا هناك، فالتاريخ يشهد علاقات متداخلة فيما بينهم: الكرد المسلمون، ومن غزوهم: عرباً، أتراكاً، وفرساً وسواهم…الخ، عدا عن وجود مصاهرات قائمة، وعلاقات جوار، كما في حال الإيزيدية، سوى أن نظرة أولئك إلى الكرد عموماً، وإلى الإيزيدية خصوصاً لم تحُل دون مثل هذه الاعتداءات: الانتهاكات الطاغية الباغية، تحت تأثير إيديولوجيا الدين المتعربة والمتفرسة والمترَّكة ومرادفاتها، ولأن هؤلاء على بيّنة من مدى غيرة الكرد على نسائهم، كما لو أن الغازي وباسم الإسلام يعيش متعتين: متعة التمكن من الكردي، ومتعة الاستغراق في اللذة التي تمثّل انتقاماً تاريخياً مضاعفاً منه.
قادة الغزو لدى أعداء الكرد مما عاشوا معهم، وتعلَّموا لغتهم بالغصب والإكراه، كانوا يهيبون في جنودهم أو مأموريهم في أن يمارسوا ما يحلوا لهم وهم يغيرون على الكردي وأعينهم مركزة على هذا الثالوث: دمه وماله وعرْضه. الباحثون في هذا المجال في نوعية الاعتداءات التي تتعرض لها نساء الكرد في سجون هؤلاء الأعداء، لا بل حتى الرجال بالافتعال بهم أحياناً، يعلَمون بخلفيتها التاريخية والاجتماعية والنفسية، وأن ذلك يؤكّد مدى رسوخ هذه ” الموبقات ” بمرجعيتها الجنسية أساساً، في سلوكيات هؤلاء الغزاة، والتربية النفسية التي يخضعون لها في تدريباتهم ودروسهم العقائدية الخاصة. ذلك لا يعني أن هؤلاء فيما بينهم أنفسهم، كما الحال في الغزوات العربية- العربية، وحتى الحروب العربية – العربية ” ما فعله جنود صدام حسين وضباطه، من جرائم لا أخلاقية وسواها في الكويت “، وفي الحروب الأهلية العربية، لا يعمدون إلى ارتكاب جنايات من هذا النوع، سوى أن ذلك لا يقارَن بما تعرَّض له الكرد عموماً، والكرد الإيزيدية خصوصاً بتأثير قومي، ديني مغاير، ولوجود مؤثرات تاريخية فاعلة في تتالي هذه الجرائم، وهذا يفسّر كيف يجري تطويع الدين الواحد لدى كل فرقة، وشرعنة العنف ضد الآخر: الأخ المسلم، واشتهاء نسائه قبل كل شيء، نظراً للموقع الرئيس للمتع الجنسية في المأثور الإسلامي التليد والذي يجد مبتداه النسبي على الأرض، ومختَتمه المطلق في الفردوس الإلهي المتمحور حول مركزية القضيب المتأسلمة بامتياز، كما تحدثتُ عن ذلك في أكثر من كتاب وبحث ومقال لي هنا وهناك .
وربما في وسع المعنيين بوقائع من هذا النوع، تذكَّر ما مارسته إدارة صدام حسين المخابراتية من بيع للنساء الكرديات وبناتهم لجهات مختلفة ” في مصر، خصوصاً “، إمعاناً في الإذلال، إنما أيضاً تعبيراً عن سلسلة مقاومات الكرد لهؤلاء الغزاة.
ذلك يعني توقع ولادة ما لا حصر له من اللقطاء المنتمين إلى هؤلاء النساء الكرديات، واعتبارهم أولاد زنى بالتأكيد، والتأثير الوخيم على المجتمع الكردي بالمفهوم النفسي ولزمن طويل حتى على مستوى اللاشعور، ومن هم معنيون مباشرة بأولئك النساء حتماً، وهم يسمّون فيهم جنسيات مختلفة: غربية وشرقية.
ذلك ما يتطلب وعياً مضاعفاً تجاه تحولات اجتماعية وقيمية من هذا النوع، جهة التعامل ليس مع النساء أنفسهن، وقد جرّدن من كل سلطة، وإنما مع مفهوم الشرف نفسه وطابعه الجنسي، بل في النظرة إلى تصرفات الآخر وطريقة تفكيره في هذا المجال، وكيفية الالتفاف عليه من جهة، والتخلي عن تلك النظرة القديمة إلى المرأة بالذات، من جهة أخرى، والأكثر من ذلك، هو اعتبار النساء في مقام خنق الدفاع الأول عما هو كردي، والاعتداد بهن، تجاوباً مع التحديات التي يعيشها الكرد.
أنوّه هنا إلى تلك الطريقة المثلى والصائبة من قبل كردنا الإيزيديين في التعامل مع نسائهم وبناتهم ممن سِبين من قبل عصبة داعش، وتحرّرن منهم، واستقبِلن بحرارة، وهذا يفصح عن مدى الانفتاح على المستجدات، رغم فداحة الجرح .
وفي الحديث عن نساء الكرد ولقطاء العالم، يمكن الإشارة إلى أن تعرُّض المجتمع الكردستاني لغزوات الآخرين في عصور التاريخ المختلفة، وإلى يومنا هذا، والمحن التي عاشها، وتلك التي تتعلق بنسائه، وما ترتَّب على هذا القهر التاريخي، السياسي، الاجتماعي والجنسي كفعل مختلف من أفعال السيطرة السلطوية، من تداعيات فاعلة سلباً فيه، ومن ذلك: لقطاء يمكن اعتبارهم ناطقين بلغات شتى في العالم، إن تحدثنا عن خصوصيات كل غزو وجِهته ووجْهته، ومن هم القائمون به وعليه، وحدود كل غزو زماناً ومكاناً، بقدر ما يمكن تصنيفهم شهود عيان على أطماع إضافية عدا الاحتلالات المباشرة، ومنها الاحتلال النفسي الجسدي الجنساني الطابع وإفرازاته، وضرورة متابعة هذه الحيثيات على أصعدة مختلفة، لتكون ذات عائد معرفي إيجابي: فكري، نقدي، تاريخي، سياسي، تربوي واجتماعي للكرد ودافعاً أكثر استراتيجية ليكونوا معنيين بالجملة بمخططات كهذه، بتنوع أبعادها، ليزدادوا تقديراً أكثر لنسائهم، ولقطاء العالم الموصولين بهم غصباً ومن هم وراءهم.
دهوك
في 21-8/2017