اسماعيل بيشكجي
الترجمة عن الكُردية: ابراهيم محمود
يتطرق الحديث باستمرار إلى المشكلة الأمنية العراقية، والمخاوف المتعلقة بها بالترادف مع المطالب القومية للكرد، ونضالاتهم على هذا الطريق، في جنوب كردستان. ولعل هذه المطالب، وهذه النضالات الكردية لا ترتبط حصراً بالمشكلة الأمنية العراقية حصراً، إنما بالمشاكل الأمنية الإيرانية، فالتركية والسورية كذلك، حيث يتم إبراز هذه المخاوف ذات الصلة بهذه المشاكل وجعْلها حديث الساعة .
إن مجرد إظهار الكورد في هذا الطرف الكردستاني للمطالب القومية إلى العلن، ومن خلال فعل تنظيمي ونضالي مستمر، يُظهِر على السطح بالترادف معها قائمة المخاوف الأمنية القومية لهذه الدول.
يضاف إلى ذلك، أن مساعي الكرد الجلية في هذا السياق، لا تكون محل نقد هذه الدول وحدها، أي: العراق، إيران، تركيا فسوريا، إنما حتى من جهة المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، والمجلس الأوربي، والمؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية، ودول مثل: الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفيتي: الاتحاد الروسي، انكلترا، فرنسا، وألمانيا بدورها أيضاً وبالأسلوب النقدي نفسه، حيث إن هذه المؤسسات الدولية إلى جانب مجموعة الدول تلك بالمقابل، تنظر إلى الموضوع من الزاوية الأمنية القومية الخاصة بكل من العراق، سوريا، إيران، فتركيا .
المساعي القومية لأي جهة كردستانية، تترك أثرها على هذه المؤسسات الدولية، وعلى هذه الدول، من خلال مخاوف مسماة، حالَ الأمن العراقي، وكيف أن هذه المساعي تترك أثرها على الأمن التركي، وكيف يمكن تحجيمها : إيقافها، وبشكل علني.
إن كلاً من عصبة الأمم والأمم المتحدة أسستا لعلاقات على هذه الشاكلة، ويعني ذلك أن هناك اعتباراً للكرد وارتباطاً بالأمن القومي. إن السياسات القومية للمؤسسات الدولية ولتلك الدول السالفة الذكر، تمارس ضغوطاً كبرى في نطاق الأمن القومي الكردي، وهذه الضغوط قائمة، من خلال العمليات التي تتم وبشكل مستمر في إطار عمل الإبادة الجماعية. وعندما يكون هناك تحركات في خدمة الأمن القومي العراقي، والأمن القومي الإيراني، والأمن القومي السوري، والأمن القومي التركي، فإن ذلك يعني ألّا اعتبار على الإطلاق للأمن القومي الكردي. إن كلاً من التقسيم والتجزيء والتقاسم، وعدم بروز أي كيان سياسي للكرد وكردستان قد تجلّى كنتيجة لذلك، إبّان فترة ظهور عصبة الأمم سنة 1920.
بالنسبة للكرد، يُحسَبون كما لو أن ليس لهم من مطلب وإرادة أو رغبة، بحيث يجري تقييمهم كقطيع غنم. لقد جرت فعالية من قبل أساتذة كلية الحقوق، في الجامعة اللندنية ، تحت عنوان : الأقليات والعنصرية في النظام الحقوقي التركي، ترجمة إلى التركية: اولكو ساكَر، منشورات ستانبول الجامعية، آذار 2017 “. في هذه الفعالية، يجري تقييم كل الوثائق ذات الصلة بالموضوع بالنسبة للمؤسسات الدولية مثل: الأمم المتحدة، المجلس الأوربي. في هذه الوثائق، توجِد الأحكام التي تظهِر الأمن القومي للدول إلى العلن. وكذلك القيم الكونية التي تأخذ موقعها في هذه الوثائق، إنما عبارة ” لكن … مع تأكيد حماية وحدة أراضي الدول…”تبقى خارج النقد. أو أن الدول في برلماناتها القومية تقبل هذه الوثائق مع توجيه اعتراضات عليها. والحركات القومية التي تعارض هذه الدول، تتم إدانتها باستمرار بذريعة الحفاظ على وحدة أراضي الدول وباعتبارها حركات مناوئة. ولعل تقييم ” بيان منح حق الاستقلال للدول والشعوب المستعمَرة” للاجتماع العام للأمم المتحدة في يوم ” 14 ” كانون 1960، ذي الرقم ” 1514 “، بصدد الكرد وكردستان، يُغني معلوماتنا في هذا الموضوع إلى أبعد حد.
في هذه الوثائق، ثمة صعوبة بالغة في إيجاد الأحكام: القوانين التي تحمي الكرد وكردستان. من هذه الناحية، لا بد أن تكون الكتابة مهمة مرة أخرى ، جهةَ نقد المشاكل من الناحية الاجتماعية قبل كل شيء، والحكومات ذات العلاقة والمذكورة في هذه الوثائق . وفي الواجهة، ثمة الفائدة من وجود الإشارة إلى وثيقتين خاصتين بالأمم المتحدة، حيث تُسمى بـ” المعاهدات الثنائية “. هذه المعاهدتان تم الاتفاق عليهما في 16- 12/ 1966، المعاهدتان الثنائيتان وهما تعرَفان بـ ” المعاهدة الدولية للحقوق الشخصية والسياسية “، و” المعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية ” ، هاتان المعاهدتان صودق عليهما ونفّذتا بتاريخ 3-1- 1976،و23-3- 1976. وقد اعترفت تركيا بالمعاهدتين الثنائيتين بعد ” 37 ” عاماً، من انتخاب الأمم المتحدة، بقانون ذي الرقم ” 4867 و4868، في 4-6-2003، مع بعض الاعتراضات، أما عن البند الأول منهما فهو:
منح حق إعلان تقرير المصير لكل الشعوب، واستناداً إلى هذا الحق، يمكنها بناء كياناتها السياسية بحرّية، والإسهام في التنمية الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، وهذا البند غير موجود في قائمة اعتراضات تركيا. أما عن الموضوعات التي يمكن ملاحظتها وهي مهمة، فهي: الأخذ بشروط 2003، نقد العلاقات الأوربية التركية، التعاون المشترك، طلب الدعم المالي من أوربا …وواضح عن أن هذه الحالة تجري بعكس القيم السالفة الذكر.
ومن سيسمّي كل ذلك؟ في السنوات الأخيرة، سواء أكان في تركيا، أم في الصحافة الأجنبية، قفزت مشكلة الكرد وكردستان بشكل لافت إلى واجهة الأحداث ” أصبحت حديث الساعة “، وهي تتناقش حولها. سوى أن هذه المناقشات بقيت منحصرة في نطاق الأمن القومي للدولة التي تداولتها. بحيث إنه يمكنك القول أن هذه المناقشات/ الحوارات التي تجعل من الأمن القومي للكرد وكردستان مركز اهتمام عديم الوجود. مثال ذلك، في تركيا، نجد أن المناقشات / الحوارات، إن في الصحافة اليسارية أو المحافِظة، أو في الليبرالية منها، تتعرض لها من زاوية حساسية الأمن القومي لهذه الدول. وفي عملية التسوية ما بين عامي 2013- 2015 كذلك، أبقيَ الموضوع في نطاق هذه الحساسيات والحرص عليها أيضاً.
ومن المؤكد أن الذين يتحدثون عن الأمن القومي الكردي، الذين يتناولونه هم كرد. إن نقد رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني وفحواه أن ” العراق عاجز عن حمايتنا..”، وتقييم مسعود بارزاني عن أن ” وحدة الكرد- العرب في العراق ولَّدت الإبادة الجماعية ” في محله تماماً. لهذا، على الدبلوماسية الكردية، أن تبرز سواء من خلال المؤسسات الدولية، أو عبر اللقاءات الجارية ، بحيث يجري التركيز باستمرار على ربط الأمن القومي للكرد وكردستان إلى جانب الأمن القومي لهذه الدول.
كتالونيا، اسكُتلندا، عرب فلسطين
لم يتعرَّض كلٌّ من الكتالونيين والباسك للظلم والقهر اللذين عاناهما الكرد، إذ إنهم لم يشهدوا لا مذابح ولا إبادة جماعية، حيث إنهم في منطقتهم ولهم حقوقهم في الإدارة، إلى جانب أنهم يتعلمون بلغتهم بدءاً من مرحلة الروضة حتى الجامعة، وهذه الحقوق والحرية تتجسدان بدورهما على أرض الواقع. سوى أن الكتالونيين يلحّون على المطالبة بالاستقلال. ذلك مرتبط، قبل كل شيء بالأمن القومي، مرتبط بالطلب على المشاركة والانضمام إلى الأسرة الدولية في العالم، ولكسب عضوية الانتماء إلى أسرة الأمم المتحدة عالمياً ، وهذا الإصرار يمكن قوله في موضوع استقلال اسكتلندا التابعة لبريطانيا أيضاً. وفي مواجهة هذه المشاكل، تبقى فكرة الاستقلال بالنسبة للكرد حيث يتعرض أمنهم القومي للمضايقات، طبيعية جداً..
إن وضع فلسطين من هذا القبيل بالنسبة إلى العرب. وواضح أن الفلسطيني عانى ويعاني كثيراً من على أيدي الإسرائيليين ظلماً وقهراً. سوى أن هذا الظلم والقهر يستحيل عليهما أن يكون بمقدار ما عاناه ويعانيه الكرد. مثال ذلك، لا يمكن الحديث هنا عن الإبادة الجماعية. هناك، بدءاً من 1948، أي بعد إعلان إسرائيل لاستقلالها، بعدها، في الحروب المندلعة ما بين العرب وإسرائيل في سنوات 1984-1956-1967-1973- 1982، نجد أن العرب الذين قضوا، ومن المسلمين ممن قتّلوا في حروبهم، قرابة ” 40-50 ” ألفاً، سوى أن رقم الضحايا- وحده- في الحرب المندلعة ما بين العراق وإيران، والممتدة ما بين عامي 1980-1988، من الجهتين أكثر من مليون شخص. وفي حملات الإبادة الجماعية لإدارة صدام حسين والمتعلقة بعمليات الأنفال ضد الكرد، ارتفع عدد ضحايا الكرد إلى أكثر من ” 200 ” ألف شخصاً، وباستخدام الغازات السامة، وبعد عام 2003، نجد أن الذين قتِلوا جرّاء حمْل أحزمة ناسفة من المسلمين: الشيعة والسنة، كما في بغداد وكربلاء، وهم يتسللون إلى مساجد بعضهم بعضاً ، ويفجّرون أنفسهم في المتواجدين من المصلين، يعدّون بالألوف المؤلَّفة.
إن عرب فلسطين بدورهم يطالبون بالاستقلال، وهذا المطلب مسنود من الدول العربية، الدول الإسلامية، وقسم كبير من دول العالم. ولا بد أن مطلب الكرد الداعي إلى الاستقلال في شبكة هذه العلاقات في موقعه تماماً. وهنا، على الدبلوماسية الكردية التأكيد المستمر- ودونما توقف – على الأمن القومي الكردي، الكردستاني .
التاريخ-9-8/2017
الترجمة عن التركية: أحمد كاني
المصدر: Ewlehî – Rojnameya Kurdistan