د. محمود عباس
كتب أغلب السياسيين والمثقفين الكرد عن الاستفتاء، لم تبقى قضية إلا وناقشوها، ولا خلفية إيجابية أو سلبية إلا وكان لهم رأي فيها، قدموا من المسوغات ما لم يخطر ببال المعترضين، مع ذلك لم تقف موجات العداء، فبعد التمعن في حجج المنتقدين والمهاجمين، ظهرت لدينا حقيقة وهي أن الاستفتاء ليست سوى مطية لغايات مخفية، وأوضحها هو ما يثيرهم أجواء الحرية في سماء الكرد، والتي بدأت تصحو بعد عقود من العتمة، لذلك فتأويلاتهم والحجج المنمقة تندرج ضمن مجريات صراع مصيري ضد القادم الكردستاني، والأغرب في هذه القضية أراء تلك الثلة الكردية المتماشية مع الأعداء تحت شعارات ساذجة، في حقيقتها لا تعكس نهج الأحزاب السياسية الكردية التي يوالونها، فهم بشكل أو آخر، بدراية أو جهالة، يخدمون أجندات القوى الإقليمية.
لم يعد اكتشافا تعرية المؤامرات التي تتلاحق لضرب القضية الكردية، دوليا وإقليميا، والحفاظ على الحالة الدارجة لواقع الأمة المحتلة من أربع دول، لكن مع ذلك لا بد من دراسة الخلفيات غير المباشرة للموجة العدائية ضد عملية الاستفتاء القادم. ومعظم الدول الإقليمية إما متحفظة أو معترضة بشكل صريح، حتى ولو كانت تدرجها تحت غطاء الوطنية، أو الظروف غير الملائمة حيث الحروب الأهلية القومية والمذهبية الجارية في المنطقة، متناسين أن هذه الظروف بحد ذاتها هي التي تدفع بالكردي إلى القيام بخطوات عملية قد تؤدي إلى تخفيف الصراع، ولربما التمهيد لتهدئة المنطقة، وبما أن الشعب الكردي بديمغرافيته وجغرافيته يعد من أحد أكبر المكونات في المنطقة لذلك فعامل الاستقرار عندهم سيعكس بشكل مباشر على الجوار، لذلك فعلى الشعوب المحيطة دعم الاستفتاء ومساندة القرار الكردي القادم. لكن وللأسف السلطات التي تعكس رؤية شعوبها دون إرادتها، والجاذبة معها شخصيات سياسية أو كتاب ينتمون إلى حزب معارض، أو مستقلين، تدرك أن المكتسبات الكردستانية تندرج ضمن عملية طردية مع وجودهم وهيمنتهم على الشعوب، لذلك وللحفاظ على ديمومتها تنتقل من مؤامرة إلى أخرى، واليوم تركز على إفشال عملية الاستفتاء.
الدول المتآمرة:
إيران في مقدمة الدول التي تخطط على عدة جبهات، تحرك قوى الحشد الشعبي، وقادتها وتحت صفة محاربة الإرهاب، تنشر مفهوما بأن كل من يعمل على تغيير الجغرافية العراقية خيانة، لأن السلطة المطلقة هي اليوم بيد الشيعة، رغم المحاصصة، ومؤامراتهم وخططهم ترسم في القم وتعلن من بغداد، وعليه فكل تهجمات قادة الحكومة العراقية والأحزاب الشيعية والتي لا تستند على البعدين الوطني والديني، تأتي من أئمة الفرس، ولاية الفقيه، وانتقادات زعماء الشيعة تتصاعد ما بين قيادي وآخر، وتعكس مدى الضغط القادم من طهران.
وفي الطرف الآخر حركت تركيا رغم الموقف المبطن، والتي لا تستطيع التغطية على عداوتها التاريخية للأمة الكردية، دفعت بمنظمات متنوعة في المنطقة بمهاجمة الاستفتاء، بدءً من رؤساء منظمة حماس، إلى بعض رؤساء الدول العربية، والتي بدورها أثرت على دول في واقع العمل متخاصمة مع تركيا الأردوغانية، مثل رئيس مصر السيسي، ورئيس الجامعة العربية، ولا شك لكل هؤلاء تبريراتهم وحججهم، لئلا تظهر بأن الجميع يشتركون في نفس المؤامرة. وغاية الجميع هي ذاتها، العمل على عدم صعود الأمة الكردية، ومنعها من تكوين كيانها السياسي المستقل، لأنهم جميعا لا يرون إلى ميزان الصعود الكردي مقابل سقوطهم، ولا يتوقعون بأن كردستان القادمة ستجلب معها عوامل قيام حضارة في الشرق، وخلق رفاهية لجميع شعوب المنطقة.
أمريكا وروسيا والدول الأوروبية مواقفهم تتناقض الأن وحتى يوم الاستفتاء ما بين الإعلام وفي الأروقة الدبلوماسية، وما يرغبونه، والتي تؤثر عليها مصالحهم، مع الدول الإقليمية في الشرق الأوسط، وما بين ثقافتهم التي وضعت على أسسها دساتيرهم المؤيدة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، لذلك لا يستبعد أن يظهر تأييد واضحا وعلى الإعلام ومن مراكز القرار بالتأييد لنتائج الاستفتاء، وهي التي ستعطيهم الشرعية القانونية وعلى مبادئ هيئة الأمم، في تحديد مواقفهم أمام القوى المعترضة، واحتمالية أن يدعموا المسيرة إلى حدود الاستقلال، علما أن الخطوة بحد ذاتها مليئة بالمخاطر، خاصة من حيث الواقع الجغرافي، وعليه فإن إقامة النظام الفيدرالي في جنوب غربي كردستان وإيصالها إلى البحر المتوسط عن طريق جبل الأكراد، والتي هي في بعضه خطة فيها موافقة أمريكية روسية ضمنية عليها، وتستفز تركيا قبل إيران، وبالتالي تدفع بهما على حشد أدواتها المتعددة للاعتراض على الاستفتاء في جنوب كردستان، والفيدرالية الكردية الموحدة ما بين ديركا حمكو وحتى البحر، وعليه فإن الدولتين يتفقان وبمؤامرة غير معلنة على تحشيد قواتهما وأدواتهما في المنطقتين ما بين عفرين والجزيرة والثانية في شمال إدلب لقطع الطرق على التوجه نحو البحر.
الأسئلة المنسية:
لماذا لا يسأل الإخوة الكرد المعترضون على الاستفتاء ذاتهم، ومن خلال الرؤية الكردية والكردستانية، والتي هي اعتراض غير مباشر على الفيدرالية الكردية في جنوب غربي كردستان، إن كانت رئاسة الإقليم الفيدرالي والمتمثل بالسيد برزاني يخطأ ويفعلها لغاية ذاتية أم لا ؟، وهل يخطأ الشعب الكردي؟ عندما يطالب بحق تقرير مصيره؟ وما الخطأ فيما إذا كانت غاية الرئيس هي ذاتها غاية الشعب الكردي، أليست هذا ما تتمناه شعوب العالم بأن تكون مطالب وغايات الرؤساء وحاشيته هي نفسها غاية الشعب وتعكس مطامحهم؟ ولربما لا ينتبه أن قضية الاستفتاء مثلها مثل غيرها من المطالب الكردستانية كانت قديما يقال بأنها خيانة للوطن! والوطن كان في أعرافهم الجغرافية التي تحت سيطرتهم، واليوم يقال بأنه اعتداء على الوطنية! واليوم وبعد تصاعد الدور الكردي، لا نت ألسنتهم لكن الغاية ظلت هي ذاتها، وإملاءاتهم بقيت هي نفسها، لا يحق للكردي المطالبة بحرية إلا بما يسمح لهم السلطات المحتلة، ولا نستطيع أن نأتي بتبرير للإخوة الكرد الذين يقفون في صفوف العدو إلا بأن ندعو لهم بالشفاء من مرض التخاذل لثقافة الموالي.
ولأولئك المهاجمين، عداوة مباشرة أو تحت غطاء الوطنية المبطنة، أين يكمن الخطأ؟ الاستمرار في الحروب الأهلية، الإثنية والمذهبية، أم العيش في جوار بكرامة وتقدير للأخر؟ في المطالبة بحق الاستفتاء؟ أم بالفضاء الرحب الذي بدأ الكرد يتحركون فيه بحرية؟ وهل الاعتراض حبا بالكرد أم كرها بهم؟ هل لتخطيط أفضل للوطن أم لتدمير المكتسبات الكردستانية؟ لماذا يتخلى المعترضون يشوهون الوطنية الصادقة، والتي من أولى مبادئها حرية الاختيار والرأي عند المواطن. والمسلمون يتناسون مبدأ الشورى، والقضية تعرض أمام الشعب للتشاور وإبداء الرأي، وهي من نهج الشورى المسنودة على النص الإلهي.
ولنا نحن، لماذا جعلت السلطات الشمولية حرية الشعب الكردي جدلية معاكسة لمفهوم الوطنية العروبية؟ وعلى خلفيته يجعلون الاستفتاء الذي سيجري في 25-9-2017م على استقلال كردستان، حمالة الأوجه، ويحرك كل الأطراف، هل لأنها ستكشف عن العديد من المؤامرات الجارية في الشرق الأوسط؟ أما أنها أصدق المحاولات غير المباشرة لتعرية شرائح عديدة من السياسيين والمثقفين؟ فحتى ولو افترضنا جدلا أن السيد مسعود البرزاني يفرضه لغايات ذاتية فأين هو الخطأ، إذا كانت غايته هي ذاتها غاية الشعب الكردي؟ وهل القضية في عدم ملائمة الوقت، والذي قد لا يأتي أبداً!؟ أم أن الفكرة بحد ذاتها شاذة عند البعض، ولم يتعودا أن يروا الكردي فارضا شروطه؟ أما أنهم في رهبة من قدرات الأمة الكردية؟
أين يخطأ الكردي؟
يقول الإمبراطور الفيلسوف الروماني (ماركوس أوريليوس) (121م-180م) “إذا أثبت أحدهم أنني مخطئ واستطاع أن يريني خطئي في أي فكرة أو تصرف فسوف أغير من نفسي بكل سرور. أنا أبحث عن الحقيقة والحقيقة لم تضر بأي أحد قط إنما الضرر الحقيقي في المعاناة والإصرار على الجهل وخداع الذات”.
ويتمم في مكان آخر “لا مجد لك بمعزل عن مجد قومك. ما لا يفيد السّرب لا يفيد النحلة. لا مجد لنحلةٍ في خليةٍ منهارة”. كردستان ستبقى محتلة ومستعمرة، ما لم يتم العمل معا من أجل التحرير، ولا نجاح بدون تضحيات، ولا مسيرة بدون سلبيات، لكن التقاعس عن الإقدام على المشاركة الإيجابية في عمل مصيري تحت حجج وهمية طرحت من قبل الأعداء وبعشرات المرات وعلى مدى القرن الماضي، سذاجة، وتدرج تحت غطاءين إما الجهل أو الجبن. ولابد للمعترضين من الكرد عرض الآراء والانتقادات بدون غايات حزبية أو شخصية، فالكردي معروف ضمن أسراب العدو، وسيرمى به عندما ينتهي من تنفيذ مهماته.
ونستبعد بأن يكون القصور العقلي سمة الإخوة المعادون للاستفتاء، بل لربما ناتجة عن الجمود الفكري، ولا يمكن وصف مواقف القوى الإقليمية بعدم دراية بالبعدين الوطني والديني الصحيح، مع ذلك تهجمهم لا يقف عند حدود المنطقين الإنساني والإلهي، بل على الأغلب، هي ناتجة من انعدام قيم التعامل الإنساني، وعدم الشجاعة في تقبل الأخر، وسوء استخدام العقل بالشكل الحضاري، وبالتالي تبعدهم عن التعامل مع الشعب الكردي وغيره من شعوب المنطقة كالأمازيغ والقبط وغيرهم.
المؤامرات والخطط الاستباقية بين القوى الإقليمية ضد الكرد، تدفعنا بأن نتهم بعضنا. ولا شك فالبنية الثقافية التي تنتج هذه النزعة العنصرية والأحقاد، تحتاج إلى إعادة تركيبتها، فالوعي والنضوج الفكري ستبين لنا وللإعداء بأن الاستفتاء وأي كانت النتائج القادمة، خطوة حضارية، وإيجابية لجميع شعوب المنطقة، وستدخل التاريخ من أبوابها الواسعة كأحد أفضل المكتسبات التي حصلت عليها الأمة الكردية، ونفذتها رغم كل المخاطر.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
8/8/2017م