بارزاني لـ «الحياة»: لن نسمح بدخول «الحشد الشعبي» كردستان

لا يمكن التراجع عن الاستفتاء. قالها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني بوضوح في حوار مع «الحياة». وفي شأن التوقيت (في 25 أيلول- سبتمبر المقبل) «القيادة السياسية الكردستانية قررت… والاستفتاء حق شرعي لشعبنا… وحده له الحق في تحديد هذا الوقت».
وبدا بارزاني متمسكاً بموقفه لأن «الشراكة الحرة والاختيارية مع العراق لم تنجح بسبب انتهاك الشراكة والدستور»، ولأن «الدولة العراقية مقسّمة عملياً، وانتهكَت أُسس الشراكة والدستور». واستدرك: «الحرب الطائفية موجودة ولا توجد سيادة للدولة. بالتأكيد ليس الإقليم مسؤولاً عما آلت إليه الدولة العراقية».
يعيش بارزاني والإقليم الكردي هواجس ما بعد «داعش». وهو يلحّ على إزالة الأسباب التي أدت إلى ظهور التنظيم الإرهابي وإنهاء الحرب الطائفية والتمييز المذهبي. ويشدّد على ضرورة أن يتولى «الجيش العراقي تحرير تلعفر بالتنسيق مع التحالف الدولي»، مؤكداً في الوقت ذاته أنه لن يسمح بدخول قوات «الحشد الشعبي» إلى أراضي كردستان، ولن يكون الإقليم مبادراً إلى الحرب ضد أحد. لكنه أضاف: «لدينا حق الدفاع إذا فُرِضت علينا».
وهنا نص الحديث:
 أي عراق تريدون بعد حسم معركة الموصل مع تنظيم «داعش»؟
 يجب أن لا نتعامل فقط مع نتائج معركة الموصل، وإنما حل الأسباب التي أدت إلى ظهور تنظيم «داعش» وتمدّده. لا بد من اتخاذ الإجراءات والخطط الإدارية والسياسية والأمنية الكفيلة بإعادة الثقة إلى مكونات الموصل، للعودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية. في عراق ما بعد «داعش» يجب أن يتحمّل أبناء المناطق المحررة المسؤولية الأمنية والسياسية في إدارة مناطقهم بعيداً من النزعات الطائفية.
 أتتوقعون مفاجآت في اقتلاع فلول التنظيم الإرهابي من الأقضية الثلاثة تلعفر والقائم والحويجة؟
 نتمنى القضاء على «داعش» في مناطق تلعفر والقائم والحويجة بأقل الخسائر في صفوف المدنيين. عملياً فقَدَ تنظيم «داعش» القدرة على الدفاع.
في تلعفر، طغت منذ شهور مخاوف من مشاركة «الحشد الشعبي» في تحريرها، ومن تجاوزات قد يرتكبها في حق السُّنّة والتركمان. هل تبدّدت تلك المخاوف؟
منذ البداية، كانت لدينا قناعة بضرورة تولّي الجيش العراقي تحرير تلعفر بالتنسيق مع التحالف الدولي. الذين بقوا في تلعفر هم التركمان السنّة وغالبيتهم كانت من المتعاونين مع «داعش». هناك مخاوف من عمليات انتقام ربما تطاول الأطفال والنساء الأبرياء وتؤدي إلى تعقيد المشكلات.
 كثير من القوى السياسية العراقية يلوم القيادة الكردية في إقليم كردستان العراق، لاختيارها توقيتاً اعتُبر سيئاً لإعلان إصراركم على استفتاء تقرير مصير الأكراد في الإقليم، وهناك من يحمّلكم مسؤولية مضاعفة المخاوف من تفتيت ما بقي من وحدة العراق. ألا ترون أن قراركم التحضير للاستفتاء في 25 أيلول (سبتمبر) المقبل قد يُشعل حرباً أخرى، والبلد لم يلتقط بعد أنفاسه من حروب مدمرة مع «داعش»؟
 قرار الاستفتاء والتوجُّه نحو الاستقلال هو عملية سلمية بعيدة من العنف، وهدفه أساساً هو منع كوارث وحروب جديدة.
نحن لسنا طلاب حرب، بل ندعو دائماً إلى الأخوّة والصداقة. أما بخصوص توقيت الاستفتاء فالقيادة السياسية الكردستانية قررت الاستفتاء في هذا التوقيت، ولا يمكن التراجع. الاستفتاء حق شرعي لشعبنا وهو حق دائم ولا بد من تنفيذه في أقرب فرصة حتى نُري العالم إرادة شعب كردستان. وإذا كان بعضهم يعتبر الوقت غير مناسب، نسأله متى يأتي الوقت المناسب للاستفتاء؟ إذا كنا ننتظر قبول الآخرين، لن يُحدَّد الوقت المناسب أبداً. وحده شعب كردستان له الحق في تحديد هذا الوقت.
اخترنا الشراكة الحرّة والاختيارية مع العراق، والتي لم تنجح بسبب انتهاك الشراكة والدستور. لذا، من حق شعب كردستان اختيار سبيل آخر.
حتى القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران، عارضت خياركم المضي في الاستفتاء، لأن كياناً منفصلاً في كردستان العراق سيشجع أكراد البلدين على الالتحاق به…
نحن ندعو إلى إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان، وتحدّثنا عن الأسباب التي أدّت إلى تبنّي الإقليم هذه الخطوة. لا نريد أن نكرر تجربة مئة عام فاشلة ومليئة بالمآسي، مع الدولة العراقية. على الدول الإقليمية أن تعي ذلك، وقد توضّح لها أننا عامل أمن واستقرار في المنطقة.
هناك أكراد في الدول الجارة، لا يمكن الاستمرار في إنكار وجودهم إلى الأبد، ولا بد من حل القضية بالطرق السلمية في الأجزاء الأخرى، بهدف تحقيق الاستقرار والتنمية والسلام.
 كيف يستقيم الأمر أن تطلبوا فتح فرع لحزبكم في تركيا، فيما الرئيس رجب طيب أردوغان يرفض ما تسعون إليه عبر الاستفتاء؟
لا يعتبر الاستفتاء إعلاناً للحرب على الدولة المجاورة والعداء معها، نحن نؤمن بضرورة إقامة علاقات صداقة معها، خصوصاً تركيا.
لم نطلب فتح فرع للحزب في تركيا، هذه المعلومات خاطئة، إذا كنتم تقصدون فتح مكتب للحزب فهذا طبيعي.
هناك من يعتبر أنكم تهربون إلى أمام في قضية الاستفتاء، لمنع تكتل الأحزاب الأخرى الكردية ضدكم…
الاستفتاء هو حق كل فرد من أفراد الشعب. فقط المواطنون لهم الحق في التصويت وليست للأمر علاقة بالأحزاب وخلافاتها، لأن هذه الخلافات تُعتبر من الأمور الطبيعية في الحياة السياسية، وهي موجودة في كل المراحل. الاستفتاء فوق مصلحة الأحزاب، لأنه قرار من أجل الأجيال المقبلة وليس جزءاً من الصراعات الحزبية.
خصومكم يتّهمونكم بالسعي إلى تعقيد عملية الاستفتاء، بإجراء استفتاء إلكتروني للأكراد الذين يعيشون في مدن أخرى، وضم المناطق المتنازع عليها إلى هذه العملية، بالتالي لا تريدون أن يتخذ الاستفتاء شكلاً قانونياً لئلا يكون ملزماً لكم مستقبلاً…
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي المسؤولة عن الأمور الفنية للاستفتاء، وهناك محاولات لتسهيل العملية للمواطنين. عملية التصويت داخل الإقليم ستكون ورقية أما خارج الإقليم، فالمفوضية تسعى جاهدة إلى إيجاد طريقة مناسبة لذلك. الصيغة القانونية للاستفتاء مكتملة، وهناك مرسوم من رئاسة الإقليم بهذا الصدد، ونتائج الاستفتاء ستعكس بالتأكيد إرادة شعب كردستان، وهي ملزمة لنا لبدء المفاوضات مع بغداد.
تتّهمون حزب العمال الكردستاني بمحاولة الاستيلاء على سنجار، والحزب ينفي. هل تتوقعون مواجهة معه في مرحلة ما بعد «داعش»؟
وجود مسلحي حزب العمال في سنجار غير قانوني، ولن يُسمح لغير القوات الرسمية لإقليم كردستان بالتواجد في هذه المناطق. نسعى جاهدين إلى عدم حدوث مواجهة عسكرية، وفي النتيجة على أهالي سنجار أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
 ألا تخشون صداماً عسكرياً مع «الحشد الشعبي» في تلعفر، ومواجهة مع حكومة حيدر العبادي التي رفضت سعيكم إلى الاستفتاء على «انفصال» كردستان العراق؟
 تلعفر منطقة تقع خارج الإقليم، ونعتقد بضرورة قيام الجيش العراقي بتحرير المنطقة. ليست لدينا مشاكل مع «الحشد الشعبي»، ولكن بالتأكيد لن نسمح بدخول هذه القوات إلى أراضي كردستان. كان لدينا تنسيق عالٍ مع حكومة السيد العبادي في الحرب على «داعش»، بخاصة في معركة الموصل. لن ندعو إلى الحرب أبداً ولن نكون من المبادرين إليها، ولكن بالتأكيد لدينا حق الدفاع إذا ما فُرضت علينا.
حتى واشنطن نصحتكم بالامتناع عن تنظيم الاستفتاء… إذاً، أميركا وتركيا وإيران تعارضه، على ماذا تراهنون؟
شعب كردستان له الحق الكامل في تقرير مصيره بنفسه، ونحن نثق بإرادة شعبنا. بالتأكيد نتفهّم قلق بعض الدول ومخاوفها، ولكن ما هو البديل؟ هل تريد منا إعادة إنتاج التجربة الفاشلة؟ لماذا علينا نحن أن نعيد المآسي؟ نسأل هذه الدول مرة أخرى: هل هناك وقت مناسب لإجراء الاستفتاء؟
الخلافات مع بغداد تطاول ملف النفط والاتفاقات مع وزارة الثروات النفطية. أين المخرج في هذا الخلاف «المزمن»؟
في السنوات السابقة، لم تُحلّ المشاكل العالقة بين الإقليم وبغداد، وتم تجاوز كل الاتفاقات. الأولوية بالنسبة إلينا الآن هي الاستفتاء والبحث عن صيغة أخرى للعلاقة مع بغداد، وبالتأكيد سيكون ملف النفط بين ملفات التفاوض معها بعد الاستفتاء.
 
كركوك والطلاق
هل تتحول كركوك إلى شرارة للمواجهة مع حكومة العبادي؟ أليس الصدام مع الجيش العراقي احتمالاً وارداً؟
لا نتمنى المواجهة في أي مكان، ونطمح إلى جعل كركوك نموذجاً للتعايش القومي والديني والمذهبي.
كأولوية، هل تفضّل حلم الأكراد بالدولة المستقلة، ولو اتُّهِمتم بإطلاق الرصاصة القاتلة لوحدة العراق؟
الدولة العراقية مقسّمة عملياً وانتهكَت أسس الشراكة والدستور، والحرب الطائفية موجودة ولا توجد سيادة للدولة، وبالتأكيد (إقليم) كردستان ليس مسؤولاً عما آلت إليه الدولة العراقية. بالعكس، نعتبر استقلال كردستان وسيلة لحل المشاكل والعقبات. لسنا من فرّط بوحدة العراق. عدم الالتزام بالدستور والسياسات الخاطئة للحكومة العراقية هي التي استهدفت وحدة العراق.
بالاستفتاء ألا تغامرون بجرّ شعبكم إلى موقع سنّة العراق الذين يشكون التهميش، وإلى حال عداء وطلاق بين أربيل وبغداد، تفخّخ طروحات المصالحة الوطنية الشاملة؟
نسأل لماذا يتم تهميش السنّة؟ هذا دليل على فشل الدولة العراقية وانتهاك الدستور. لم يتعرض (إقليم) كردستان إلى التهميش فقط، بل هُدِّمت الشراكة وتعرّض شعب كردستان إلى الإبادة الجماعية. طالما لم نستطع العيش معاً في دولة واحدة من الممكن أن نصبح جيراناً متحابين، ونفتح صفحة جديدة من التعايش السلمي والتعاون.
ما الذي ينقذ وحدة العراق؟
الدستور كان الضامن الوحيد لوحدة العراق، ومع انتهاكه فقدنا فرصة الحفاظ على عراق موحد.
 بعد هزيمة «داعش»، ما الذي يمنع عودة التنظيم وبقاء كابوس الإرهاب باسم مختلف وتحت راية أخرى؟
القضاء على الأسباب التي أدت إلى ظهور «داعش» وإنهاء الحرب الطائفية والتمييز المذهبي، مع وجود إرادة جدية وصادقة لدى كل الأطراف لمحاربة فكر «داعش»… كل ذلك كفيل بمنع ظهور «داعش» مجدداً.
ألا تخشون أن يدفع الأكراد مجدداً ثمناً باهظاً، إذا حان وقت «الصفقات الكبرى» بين الكرملين وواشنطن، وهي تقترب من بوابة التفاهم على تقاسم النفوذ في سورية؟
قدّم شعب كردستان كثيراً من التضحيات خلال مئة عام للحفاظ على وجوده. (إقليم) كردستان الآن أقوى، فقد هزم الإرهاب ودافع عن المجتمع الدولي بتضحياته، ولا نعتقد بوجود صفقات جديدة تستثنينا. بالتأكيد هناك تقدير عالمي لشجاعة شعب كردستان وتضحياته.
«الهلال الشيعي» من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت، هل بات من الحقائق الإقليمية التي تريد إيران المساومة عليها؟ مشهد محمود أحمدي نجاد في بغداد معلناً «الانتصار»، ألا تتوقّع تكراره مع قاسم سليماني على أبواب دمشق؟
أعلن المسؤولون الإيرانيون صراحة نجاحهم في تحقيق برنامجهم في فتح طريق طهران- بغداد- دمشق- بيروت.
—————
لندن – زهير قصيباتي- جريدة الحياة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…