شفان إبراهيم
بعكس أغلب المجتمعات المتاخمة والجارة والقريبة من المجتمع الكوردي في كوردسان العراق، فإن البنية الثورية والإرث النضالي والفكر الثوري والتطلعات المستقبلية تعد أبرز القواسم المشتركة بين النظام السياسي القائم والمجتمع الموجود في كوردستان العراق.
وبعكس أغلب الدول التي اخترق الربيع العربي أسوارها نتيجة التناقض البنيوي بين البنى التقليدية والكلاسيكية والأمنية المرعبة، والاعتماد على سرديات الحرية والدفع بعامل العنف والرعب والسلطة للواجهة، والاعتماد على طبقة الفقراء والمحتاجين لتشغيلهم في تنفيذ خطابات الدول والأنظمة القمعية في دول الشرق وشمال اقريقيا، وتعارضها مع بنى المجتمعات العربية المتطورة تلقائيا وعفويا ورغباتها في الانعتاق من ظلم وجور السياط الأمني والسلطوي.
فإن التركيبة السياسية في الإقليم الكوردستاني، وعلى اقل تقدير منذ عقدين وإلى اليوم يوحي مباشرة دون إيمائات أو إشارات إلى توسيع القاعدة المجتمعية في الحكم والاستفادة من كافة المقدرات. رهان الحريات العامة والمشاركة السياسية بشهادات أوربية ودولية كانت كافية لعدم حاجة الربيع الكوردي إلى حالة مشابهة للربيع العربي.
فالكورد يعيشون ربيعهم الكوردي في كوردستان عبر الانتقال من حالة المطالبة بالحكم الذاتي لكوردستان والديمقراطية للعراق، ومن السعي للتقريب بين السنة والشيعة، ومحاولات خلق هوية وطنية جامعة لا مكان للإلغاء فيه، ومحاولة انتشال العراق من مستنقع الحرب الأهلية وانتشار الفساد المالي وتسليم مدن بأكملها لتنظيم داعش. والتحول إلى الخطوة الأجراء في تاريخ الكورد والمنطقة برمتها، مع بقاء مُريدي وأيتام العهود المظلمة التي بلعت مئات الآلاف من الكورد في حروب طاحنة وجرجرة الهدوء والاستقرار الكوردي إلى ثارات ونزاعات الطوائف الساعية إلى استعادة أمجاد خِلافتهم السابقة.
ولا تزال نتائج جالديران تُدفع عبر فرض الهويات العربية والفارسية والتركية على الشعب الكوردي وأجياله المتلاحقة. فثمة خناجر بأسماء كوردية تبحث من خلف الستار عن خاصرة البارزاني لتطعنه خلسة لعلهم يتخلصون من الحامل الجمعي لأبرز المشاريع الكوردية وأكثرها حظياً بالقبول على طول كوردستان الكبرى وحتى أطياف من أعداء الكورد التاريخيين، في الوقت عينه لا يزال حملة الخناجر المسمومة والمختبئ وراء شعلة حرق الحلم الكوردي يتصدرون المشهد الكوردي عبر إسراعهم لحمل أبشع وأسوء الألقاب في تاريخ الكورد.
عفى رئيس الإقليم مسعود البارزاني قبل عقود عن مجموعات أضرت بالكورد حين كانت البشمركة تحارب لأجل قضية الوجود الكوردي، اليوم لن تقبل السوشيال ميديا أن يُسامح من يُجاهد في سبيل منع الإقليم من التوجه نحو الانعتاق.
إذا كان التفلسف الثوري يربط بين الحرية والوجود الإنساني ولا يسبق إحداهما على الأخر ولا يسمح بتواجد أحداهما دون الأخر بل كل منهما يتواجد بالأخر، فإن المُحرضين على العنف والداعمين للاشتغال على خلق السدود أمام الاستفتاء وعلى الاستقلال، بات من حق الشارع الكوردي اللجوء إلى العنف عينه في منع من يمنع حقهم.
استخدام العنف عبر الإعلام، أو الخطابات، أو العنف اللفظي، أو حتى عبر البيانات أو الإعلانات ضد الاستفتاء، في مقابل الإجماع الشعبي وقسم من العشائر العربية المتاخمة لحدود كوردستان بعد طي ملف المادة 140، سيخلق صراع داخلي ضمن هذا العنف ذاته، سيفضي بالنهاية إلى تصدعات في بنية الداعمين للعنف ضد الاستقلال.
حركة التغيير ترفض تفعيل البرلمان وترفض الاستفتاء وترفض أن يعلن البارزاني الدولة الكوردية، في مقابل إجماع شعبي وحزبي على 25/9/2017، موقفٌ يُعيدونا إلى بدايات موجة الربيع العربي في جميع الدول التي زارها قطار الربيع، حركة احتجاج جماهيري مطالبة بالحريات العامة وتحسين المستوى المعيشي منتهيا بالدعوة إلى إسقاط تلك الأنظمة، التغيير لم تقرأ السيرورة التاريخية كما يجب، ولعل النتائج المتوقعة والتي ستُفرز الشارع الكوردستاني في الإقليم إلى شطرين غالبية ساحقة تُجدد نتائج 2005 وأقلية صغيرة تفضح حجج حركة التغيير وحجم تآمرها ورغبتها في تحويل مفهوم التضحية والفداء الكوردي المعروف تاريخا ضد أعداء الكورد، إلى مفهوم عابر للحدود والتآمر مع أعداء الكورد ضد ماهية الوجود الكوردي.