د. محمود عباس
أيهما نفضل ليكون على رأس السلطة في دمشق؟ جماعة الإخوان والائتلاف أم المنظمات التكفيرية المسلحة، أم شريحة بشار الأسد؟ سؤال فرضته السلطة السورية، وبحبكة من أئمة ولاية الفقيه، درسته وبجدية وعمق الدول العالمية، وتقبلته بعض الدول الأوربية والإقليمية قبل الشعب السوري وعلى مضض، إلى أن أصبح سؤالا مصيريا عند شريحة واسعة من الناس، فحصل حلف الهلال الشيعي على نتيجة، نادرا ما كنا وكانوا يتوقعونه، بل وحيرت معظم المحللين السياسيين والإعلاميين!
طرحهم لهذا السؤال الخبيث لم يظهر اعتباطيا، ولم تكن نتيجة لحظتها، بل كانت نابعة من المعادلة المبنية على خبرة، ومعرفة بكل خفايا الفصائل المعارضة الداخلية والخارجية، بل وأن أغلبية الأعضاء الذين شكلوا الائتلاف الوطني أو الهيئة العليا للمفاوضات وقادة المنظمات المسلحة، كانوا دمى بأيديهم، يحركونهم وعن طريق دول كانت في الظاهر ضد النظام، ولكنهم في العمق لم يريدوا يوما إزالته، وفي مقدمتهم تركيا وممالك الخليج،
لأنهم جميعا كانوا على قناعة بأنه بعد سقوط الأسد لهيب الثورات ستنتقل إلى جغرافياتهم وعروشهم، وهي من أحد أهم الأسباب التي استماتت إيران للحفاظ على سلطة بشار الأسد ليس حبا به بل حفاظا على نظام الملالي، والمد الشيعي، والادعاء في محاربة إسرائيل، بحد ذاتها عمليات استباقية للدفاع عن الداخل الإيراني، لذلك فهي في حروب خارجية دائمة.
فكيف سينتهي الصراع السوري، ومتى ستزول المعارضة المأجورة، خاصة وأن أغلبية أعضاؤها العلمانيين من عناصر حزب البعث وجميعهم تربية حافظ الأسد، ولهم خبرة النظام ذاته في المؤامرات والانتهازية والخباثة، أمثال أسعد الزعبي، وتربية مربعاته الأمنية أو أقبية سجونه كالبالغ إلى أرذل العمر هيثم المالح، والأخرين من مشاركيهم العروبيين التكفيريين الذين يمثلون الوجه الأخر للنظام الذي كانت الثورة تطالب بإسقاطها، وهؤلاء سيستمرون إلى أن يكتشفوا منبعا آخراً للارتزاق.
نعلم كيف تمخضت هذه المعارضة فولدت المجلس الوطني السوري، وتمخض المجلس ليولد الائتلاف، وتمخض الائتلاف لتبرز الهيئة العليا للمفاوضات، واجتمع حول هذه المنظمات المدعومة من الدول الإقليمية التي لا تقل قذارة وإجراما عن سلطة بشار الأسد، شخصيات انتهازية وتجار حروب وبعض المرضى فكريا، أمثال الزعبي وكيلو والمالح والجعارة وغيرهم، بل وأصبحوا ممثليها لاحقاً، وهناك في فترات ما برز عم الرئيس وأبناء طلاس وغيرهم، هؤلاء أشخاص من شريحة واسعة ساعدت السلطة في تشويه وجه سوريا المعروفة بأرض حضارات، لتظهر وكأنها دولة من عصر الانحطاط، واليوم تتبدى بأن مهمتهم انتهت، ومراحل اضمحلالهم بدأت، واحتماليات أن يلحقهم بشار الأسد مع شريحته واردة، وهذا ما يفهم من تصريح وزير الخارجية الأمريكي تيللرسون الأخير.
وبالمقابل في الداخل، تستمر عمليات تجميع المنظمات المسلحة الوطنية أو التي لم تعد بها حاجة في منطقتين، ويتم التخلص منهم عن طريق هيئة تحرير الشام، المتشكلة من منظمات تخدم الأجندات التركية والقطرية، بعد أن غيرت جبهة النصرة اسمها للقيام لتنفيذ هذا المخطط، ولذلك وجدناها كيف قبلت شروط حزب الله وتم نقل أكثر من 9 آلاف مسلح من منطقة عرسال إلى إدلب، في الوقت الذي لا يبلغ فيه جميع عناصر المنظمات الأخرى في منطقة إدلب نصف هذا العدد، وكل ذلك للقضاء على الأخرين أو الانضواء تحت رايتها، وبعد أداء هذه المهمة إما ستحل النصرة ذاتها وتترك الصراع المسلح وتذوب، أو أن الطيران الروسي والقصف السوري وحزب الله سيقضون عليها، بعد تخلي تركيا وقطر عنها، وقادتها سيختفون من الساحة.
وعلى على هذا المخطط تم تبديل موازين التمويل المادي والعسكري، فمن قطع الدعم للمنظمات الوطنية، وتقليصها لبعض التكفيريين، إلى الحفاظ على نفس النسبة لهيئة تحرير الشام(النصرة)، مع الاحتفاظ بالأبواب التركية المفتوحة لتمرير الدعم القطري وغيره. ستستمر هذه الخطة إلى أن تقضي على الأخرين أو تذيبهم، حينها وإذا لم ترضخ الهيئة لأوامر روسيا والسلطة، ستتوقف مصادر التمويل، وستغلق تركيا أبوابها، خاصة إذا حصلت على بعض المكتسبات من روسيا أو أمريكا، وهذه الاحتمالية لها موازين أخرى، وفي نهاية المطاف ستزول المعارضة المنافقة بجناحيها العسكري والسياسي بيد من أوجدوها وستبدأ مرحلة جديدة من الصراع ما بين المعارضة الوطنية والنظام المتمثل بالسلطة والتكفيريين الإسلاميين.
علما هناك احتمالية أخرى يتم الحديث عنها في بعض الأروقة، وهي أن سوريا في حال تم فيها تطبيق النظام الفيدرالي أو نظام الإدارات الذاتية بناء على الدستور الذي عرضه روسيا، حينها قادة الفصائل المعارضة، وبشكل خاص قادة هيئة تحرير الشام(النصرة) في منطقة إدلب سيحكمون المنطقة، بعد أن يوقعوا على وثيقة الاتفاقية مع سلطة بشار الأسد في إحدى الأستانات أو الجنيفات القادمة. وفي كل الاحتمالات فالمعارضتين تزول وبمخطط روسي أمريكي، مع الاحتفاظ على بعض جيوبها، لحاجة الدول الكبرى عند عقد الاتفاقية، من أجل التوقيع على الوثيقة النهائية على سوريا القادمة تحت صفة المعارضة.
انتهت مهمة السؤال المطروح، وظهرت النتائج، وبدأت الدول الكبرى تخطط لعمليات إعادة بناء سوريا وتبحث عن المصاريف والأرباح، وقضية المهاجرين السوريين في أوروبا والدول المجاورة، فلم تعد هناك من حاجة لخدماتهم كمعارضة سورية، وتكاد تبدأ الخطوات السياسية الأولى بين روسيا وأمريكا حول سوريا القادمة، في جنيف أو غيرها من الأروقة السرية بينهما، لكن مع ذلك البعض من شخصيات المعارضة الانتهازية ينتقلون من معارضة بشار الأسد إلى خدمة الدول الإقليمية كتركيا وقطر والسعودية، لديمومة إقاماتهم المريحة، واستمرارية الرواتب المدفوعة قطريا عن طريق دوائر الميت التركي، ولهذا تظهر بين فينة وأخرى تصريحات سفيهة ضد الكرد تخدم أجندات تلك الدول.
ابتذلت الثورة السورية دوليا وبين أغلبية الشعب السوري، بيدي هؤلاء المتاجرين في الليل والمعارضين المنافقين في النهار، قادتهم الشريحة العروبية التكفيرية عارضة مفاهيمها عن طريق فرض المسائل الشرعية باحتجاج ومنذ البدايات على النسبية في المسائل السياسية وفرض الشرعية المطلقة، وقضت على المعارضة التي تقبل بمنطق الخلاف، اشترك معهم الانتهازيون البعثيون والعروبيون الإسلاميون الذين طالبوا بفرض الوثوقيه واليقينية الحاسمة في مسائل الحداثة السياسية ومثل التكفيريين رفضوا منطق الخلاف فيه. وعلى بنية هذه المفاهيم الشاذة القادمة من عصر الجاهلية رفضوا بأن تخالفهم القوميات الأخرى في سوريا على القضايا السياسية التي تخص الوطن، وبالتالي أصبح الكرد بحركتيه الثقافية والسياسية، العدو الأول قبل سلطة بشار الأسد وداعش، وكشعب حاربوهم من الحيز القومي، فأصبح صراعهم مع الكرد مصيري مقارنة بصراعهم ضد بشار والهلال الشيعي، وضاعت عند المعارضة مثلما عن السلطة كل الأبعاد الوطنية. وهم في الواقع لا يميزون بين حزب كردي في الائتلاف أو خارجه، وإبرازهم اسما ما ليس سوى تضليل لحقيقة عنصريتهم، لذلك يتخابثون ويحددون ال ب ي د وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من القوى الكبرى، وفي الواقع لا يستثنون المجلس الوطني الكردي، ويعنون بكلماتهم جميع الشعب، ومكتسباته، وخير مثال ظهور عداوتهم للإقليم الكردستاني الفيدرالي لحظة الإعلان عن عملية الاستفتاء. وهنا لا فرق بين العروبي العلماني أو العروبي التكفيري، بين الزعبي والجعارة وكيلو والمالح والإسلاميين، فجميعهم وسلطة بشار الأسد يمثلون النظام الذي يجب أن يسقط.
والسؤال الذي طرحه بشار الأسد خباثة، يعيد ذاته، أيهما الأفضل: المعارضة العروبية السورية العلمانية، أم التكفيريين الإسلاميين العروبيين، أم سلطة بشار الأسد، تركيا الأردوغانية أم أيران ولاية الفقيه، داعش أم المالكي؟ وتبقى الحكمة عندنا نحن الكرد، في مرحلة حصلنا فيها على مكتسبات لم يكن متوقعا، هل سنختار أحد هؤلاء شريكا تكتيكا أو سنتبعهم استراتيجيا أم سنجد الكردي الآخر سندا لنا ونتجاوز الخلافات؟
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
2/8/2017م