جدلية التاريخ الكوردي بين «البارزانية» و «البازارية»

يوسف بويحيى (أيت هادي المغرب)
لا تختلف قراءات التاريخ الأكاديمية عن حقيقة و أحقية الكورد بأرض كوردستان، مما يمكن تلخيصه في تسمية  “كوردستان” بمعنى “أرض الكورد” أي “ستان” تعني الأرض باللغة الكوردية القديمة و الكورد هم السكان الأصليين لها، لقد كانت مناطق كوردستان عرضة للتقسيم خلال نهاية الحرب العالمية الأولى كقرار أبرمته الدول المنتصرة في إتفاقية “لوزان” الإستعمارية بين كل من سوريا و العراق و إيران و تركيا.
طرح الجدال القائم بين المؤرخين نظريتين تاريخيتين فيما يتعلق بأصل و نشأة الكورد ما يمكن القول عنهما أنهما متناقضتين، النظرية الأولى تزعم أن الكورد كانوا من سكان جبال “زكروس” التي يرجع تاريخها إلى ما قبل التاريخ ،حيث تؤكد أن الكورد شعب مستقل لذاته و نشأته ،بينما النظرية الثانية تقول بأن الكورد هم مزيج بين الهندو-أروبيين المهاجرين إلى الشرق الأوسط في القرن العاشر قبل الميلاذ حيث تم التعايش و التمازج بينهم و السكان الأصليين ليتم تكوين ما يسمى الأمة الكوردية ،لكن هذه النظرية أظنها تفتقر إلى مبادئ علمية و منطقية للأخد بها كدراسة أكاديمية.
ٱن عجز هذه النظرية في الإجابة و تفسير عدة تساؤلات كدليل يمكن إختزالها بشكل لا يدعو للشك خارج منطق العلمية و الحقيقة ،مما نستنكر متسائلين بطريقة ثيولوجية على مايلي:
أولا: مالم يكن مفهوما من مؤيدي نظرية الهندو-أوروبيين هو من هم السكان الأصليين الذين تعايش معهم مهاجري الهندو-أروبيين؟؟.
ثانيا: الهندو-أروبيين لم يكونوا يتكلمون اللغة الكوردية قبل الهجرة بل كانت لغاتهم عبارة عن الهندية و اللغة اللاتينية ،بماذا يمكن تفسير وجود اللغة الكوردية إلى يومنا  هذا في الشرق الأوسط ، و أين إختفت لغات الهندو-أروبيين في ظل ما يزعمون بوجودهم إلى يومنا هذا؟؟.
ثالثا: ماهو تفسير وجود اللغة الكوردية اليوم إعتمادا أنها لم تكن عند السكان الأصليين و الهندو-أروبيين المهاجرين؟؟.
رابعا: إذا ما إعتبرنا لغة السكان الأصليين لغة لا علاقة لها باللغة الكوردية فكيف يمكن أن نعطي دليلا علميا بأن تمازج لغات المهاجرين الهندو_أروبيين و اللغة المجهولة الأصلية التي طرحت لغة كوردية ،بالرغم من أنه لا علاقة للغة الناتجة باللغات الممتزجة ؟؟ إنه لتناقض و سلسلة عقيمة لا تفي بالغرض.
إن المثال الذي يمكن أن أستدل به فيما يخص هذه الإشكالية هي نفسها ما يخص اللهجة المغربية أو مايسمى “الداريجة” التي تم إلحاقها بفروع اللغة العربية ،حيث يمكن تحليلها إلى نقطتين أساسيتين ،النقطة الأولى هي أن بنية اللهجة هي نفسها بنية اللغة الأمازيغية المعيارية ، و النقطة الثانية هي إدخال مصطلحات عربية على البنية الأمازيغية على شكل ترجمة حرفية لا غير ، إنطلاقا من مقولة اللساني الفرنسي “كلود ليڤر ستراوس” “بنية اللغة هي اللغة” ،معناها أن اللهجة المغربية العربية ماهي إلا إمتداد للغة الأمازيغية مادام أن بنيتها أمازيغية.
نفس الشيء بالنسبة للغة الكوردية الحالية التي هي لغة ناتجة عن لغة السكان الأصليين لجبال “زكروس” التي تعتبر أصل و نشأة الكورد الأوائل إلى يومنا هذا.
من هذا الطرح تم إستنباط أن السكان الأصليين الذين تم تجاهلهم من طرف نظرية الهندو-أروبيين هم الكورد و أن اللغة الأصلية المجهولة في نظرهم هي اللغة الكوردية القديمة ،و اللغة الحديثة الكوردية هي إمتدادها على مر التاريخ ،كما هو بالنسبة للغة العبرية و الأمازيغية و العربية…
إن نظرية الهندو- أروبيين التاريخية تناقض و تخالف كل الأطروحات المتعلقة بالأنثروبولوجية و السوسيولوجية و السوسيوثقافية وعلم اللسانيات مما لا يعطيها قانون براءة علمي ،ما يمكن تفسيرها على أنها أفكار سياسية يتم تبنيها لتحريك إديولوجيات سياسية كوردية غير قومية ضد النظرية الأولى الأصلية التي تتبناها الحركات القومية الكوردية “نهج البارزاني” ،ما تؤكده نظرية الهندو – أروبيين هو أن الأمة الكوردية خليط غير كوردي نشأت من خارج كوردستان عن طريق الهجرة و التعايش ،حيث أنها لا تؤمن بأصل مستقل للكورد مطلقا.
لقد أدى الواقع السياسي الكوردي  في الشرق الأوسط إلى إنبثاق ثلاث مناهج سياسية مختلفة حسب ماتدعيه النظريتين المذكورتين بالإضافة إلى نظرية عربية ثالثة كما يلي:
– تيار عربي كوردي يزعمه عرب قوميون وفق حضارة بلاد الرافدين كنظرية عربية ثالثة.
– تيار كوردي قومي مستقل يؤمن بأحقية الأرض و إستقلالية النشأة و الأصل وفق النظرية الأولى.
– تيار كوردي غير قومي يحمل حمولة النظرية الثانية للهندو – أروبيين.
يعتبر التياران العربي – الكوردي  و الكوردي الغير القومي الأكثر عداءا تحت إديولوجيات يسارية و إسلامية للتيار القومي الكوردي حيث كلاهما يدعي أن الكورد ليسوا سكانا أصليين لكوردستان ،لكن لم يستطع التيار الكوردي الغير القومي الحسم في التيار العربي الكوردي بإعتباره حديث النشأة فترة الغزو الغزو العربي الإسلامي أي بكونه أعرق منه تاريخيا إلى مايرجع إلى القرن العاشر قبل الميلاذ ،مما يعطينا صورة واضحة في أن مهاجمة التيار الكوردي القومي هو نتيجة مؤمرات إستعمارية و إستيطانية خبيثة ضد الشعب الكوردي الأصيل ،بعيدة كل البعد عن ترهات و هرطقات النظريتين الضعيفتين.
تنويه: أتمنى يوما أو أتحدى الكورد الغير القوميين أن يخرجوا بتصريح مفاده أنهم أعرق و أقدم و أجدر من العرب-الكورد بكوردستان ،علما أن تصريحهم هذا حقيقة تاريخية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…