د. وليد فارس
ترجمه من الإنكليزية: لقمان شرف
منذ ان قررت حكومة اقليم كردستان في شمال العراق مدعومة من الجمعية التشريعية المحلية، تنظيم استفتاء تقرير المصير، صدرت ردود أفعال ايجابية وسلبية في العراق والشرق الاوسط وعلى المستوى الدولي حيال ذلك. عبّرت بغداد وكلا جارتي العراق الرئيسيتين – ايران وتركيا – عن معارضتهما للاستفتاء الشعبي الكردي، كل واحدة لأسباب سياسية مختلفة.
دولياً، اعربت حكومات اوروبا الغربية عن مخاوفها، لكنها لم تبدِ عن معارضة نهائية للأمر. اذ تعارض القوى الأوروبية الكبرى الانفصال داخل حدودها (كما هو الحال في ايرلندا الشمالية، اقليم الباسك وجزيرة كورسيكا)، لكنها في نفس الوقت دعمت الانفصال في يوغوسلافيا السابقة مرتين.
في الولايات المتحدة، يدعم العديد من اعضاء الكونجرس الاستفتاء الكردي، كما يدعم عدد قليل من الأعضاء صراحة قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق لأسباب تاريخية. وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، استمرت إدارة ترامب الالتزام بالتضامن مع الكورد في قتالهم ضد “داعش”. ولكن، لم يتطور ذلك بعد الى سياسة مباشرة بشان اجراء الاستفتاء او الانفصال.
تشير احدث استطلاعات الرأي الى ان غالبية الاحزاب السياسية الكردية في شمال العراق تدعم التحرك نحو الاستفتاء. بينما انقسمت على نفسها المجموعات غير الكوردية، بشأن هذه القضية. هذه هي الحقائق الجيوسياسية الراهنة المحدقة (المحيطة) بالاستفتاء المزمع إجراءه في ايلول/سبتمبر المقبل. إن هذا الوضع المعقد، لا يقتصر على كوردستان لوحدها. ففي كل الازمات الاقليمية الاثنية السابقة المماثلة، حددت جميع الاطراف المعنية موقفها بشأن تقرير المصير على اساس مصالحها الخاصة، الاطار الجيوبوليتيكى، وقدراتها على التفاوض. فقد تم التعامل مع كل حالة وفقاً للأوضاع داخل البلد والمنطقة.
لقد تم تثبيت حق تقرير المصير في الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة ومنذ انشائها عام 1945، وعبر قرارات عديدة للجمعية العامة، تقرر الاعتراف بحق الامم في تقرير مستقبلها. غير ان القانون الدولي خلال الحرب الباردة حوَّل حق تقرير المصير الى حق انهاء الاستعمار لأسباب تتعلق بالسياسة الواقعية. فلم يكن الانفصال،ولا سيما الانفصال بالقوة،مرحبا به. لذلك فأن الحروب الاهلية الطويلة والكارثية، كما في جنوب السودان ونيجيريا واريتريا او كشمير او حتى في حالة الانتفاضة الكردية في العراق، لم تؤدي بشكل سلس الى نشوء دولة جديدة.
ومع انتهاء الحرب الباردة، بدأت العلاقات الدولية تسمح بقبول اوسع نطاقاً لمبدا الانفصال، طالما كان الانفصال سلمياً او كحل للمآسي الانسانية. انقسمت تشيكوسلوفاكيا بسلاسة الى جمهوريتين، رحبت بهما الامم المتحدة. وفيما بعد،اعترف بهما حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي. وأيد الغرب تفكك يوغسلافيا الى عدة بلدان مستقلة رغم انتقاد روسيا.ونالت جنوب السودان استقلالها وأصبحت دولة في عام 2011. وفي جميع انحاء العالم تجاهد عدد من الجماعات الوطنية والعرقية لتحقيق استقلالها.
إن انشاء دولة ذات سيادة أمر قانوني. فقد انفصلت العديد من البلدان, كما نعلم, ومن ضمنها دولتنا – الولايات المتحدة الأمريكية – من قوى أخرى لكي تنشئ دولها الخاصة. ولكن وفي حالات اخرى، وبدلًاً من الانفصال، أعادت بعض الأمم تشكيل هويتها الوطنية. كما في حالة المانيا التي توحدت ثانية في عام 1989. معظم البلدان ترغب في الحفاظ على سلامة الحدود. وهو امر يمكن فهمه. فإعادة بناء الحدود أمر خطير يمكن ان يؤدى الى الفوضى اذا لم تكن الحدود الجديدة مخططة ومقبولة من جميع الاطراف المعنية.
من الناحية التقليدية، يمكن النظر الى الانفصال كملاذ أخير. لذا فان العالم دائماً يحاول إيجاد مبررات لمنعه. على الجهة التي تسعى للانفصال دائما ان تثبت انها حقا ذات هوية مختلفة، وانها قُمِعتْ، او أنها تعرضتْ لمآسي وأفعال عنيفة. لكن الاجراء الجديد المقبول نسبياً، وشرط لا غنى عنه، هو ضرورة اجراء الاستفتاء. وبغض النظر عن النتائج، فان الاستفتاء ترخيص لإعلان الدولة. وعلى المجتمع الدولي ان يحترم إرادة الشعب، قبل ان يقر أية نتيجة. وقد راينا الكثير من عمليات الاستفتاء التي جرت ولم تؤدي بالضرورة الى حدود جديدة: كويبيك بكندا، اسكتلندا في المملكة المتحدة، تيمور الشرقية، وجنوب السودان. ومطالبات أخرى بمثل هذه الاجراءات، كما في بلجيكا.
وباختصار، فان عمليات الاستفتاء أشكال للتعبير الديمقراطي لأنها اجراءات قانونية وشرعية. كما أنها آلية سلمية لمساعدة الشعوب بالمضي قدماً للأمام أو تثبيت الوضع الراهن للدولة.
لقد توفرت في كوردستان العراق العديد من الشروط التي تبرر حقها في إجراء الاستفتاء، حتى لو لم تؤدي النتائج بشكل أوتوماتيكي الى نشوء الدولة. إن تاريخ الاضطهاد المؤلم أثناء حكم صدام حسين، وكذلك الهجوم الدموي الأخير لداعش ضد الكورد وبقية الأقليات في شمال العراق منذ 2014 تشكل عناصر مأساوية لهذه المسألة. لقد نجح كورد العراق في انتزاع حق تشكيل كيان فدرالي في الشمال من شركائهم في الوطن عرب السنة والشيعة ونيل اعتراف الدولة بحق الكورد في ادارة أنفسهم. لقد اتفق العراقيون على تنوعهم في دستورهم. لذا فان الاستفتاء ليس مفهوماً غريباً بالنسبة لهم.
باختصار، للكورد كامل الحق في تنظيم الاستفتاء لاستشارة سكان الاقليم بشان مستقبلهم, لكن هذا الحق لا يخصّهم لوحدهم. فالمعيار الجديد للقبول هو الدخول في مفاوضات مع بغداد بعد عملية التصويت. لقد قبلت اسكتلندا وكيبيك، على سبيل المثال، تلك القاعدة الدولية وأبدتا استعدادهما للتفاوض مع الحكومات المركزية.
تعلم الولايات المتحدة والمجتمع الدولى جيدا ان الكورد قد عانوا كثيراً ويرغبون في المضي قدماً لتحديد مصيرهم. ولكن ينبغي مراعاة الشروط الاربعة الآتية كي يقبل العالم الخارجي الاستفتاء:
1 – يجب ان تكون سلمياً وشفافاً.
2 – ينبغي منح المجموعات غير الكوردية ، مثل الاشوريين والكلدان السريان واليزيديين, والتركمان والشباك والمندائيين، حقوقاً كاملةً داخل كردستان العراق.
3 – اذا أدت نتيجة الاستفتاء الى الانفصال الكامل، ينبغي على الكيان الجديد التعهد ألّا تكون أراضيه بمثابة نقطة انطلاق لزعزعة استقرار البلدان المجاورة عن طريق دعم ميليشيا في هذه البلدان, بما في ذلك (وفى المقام الاول (تركيا.
4 – ينبغي على ممثلي الكيان الجديد الاستعداد للدخول في مفاوضات واسعة النطاق مع الحكومة العراقية بشان ما سيأتي لاحقاً. فأية تسوية بالتفاوض والاتفاق بين الطرفين هي الضمان الحقيقي للاستقرار في المستقبل.
قد تقود نتائج هذا الاستفتاء ببساطة الى الابقاء على الوضع الراهن, وتعديل متقدم للنظام الفدرالي في العراق, وانشاء نظام كونفدرالي متكون من دولتين داخل حدود العراق. وقد يؤدى الى نموذج سلمي مشابه لتشيكوسلوفاكيا. ما يهم سكان العراق والكورد والاقليات الاخرى هو ان أي تحرك يجب أن يكون سلمياً، ديمقراطياً ومتحضراً . بعد “داعش ” يحتاج العراق الى الهدوء والاستقرار، كما يحتاج الى أن يكون آمناً ضد أي “داعش” جديد، ومتحرراً من النفوذ الايراني. سيكون الاستفتاء نقطة تحول ومعياراً لتطور العراق, كما سيثبت الاستفتاء النضج السياسي الذي يسمح للمجموعات الاثنية ممارسة حقوقهم الاساسية في التعبير عن انفسهم دون تعريض شركائهم في الدولة, الاقليات, او جيرانهم في المنطقة للمخاطر. سوف يمارس كورد العراق هذا الحق وسيراقبهم العالم وهم يتقدمون نحو القرن الـواحد والعشرين الأكثر تسامحاً.
========
المصدر : صحيفة الواشنطن تايمز الأمريكية – الأربعاء 26 / 7 / 2017
[1] وليدفارس , دكتوراه في الفلسفة, استاذ العلوم السياسية وخبير في شؤون الشرق الاوسط. وقد عمل مستشاراً للشؤون الخارجية في حملة الرئيس المرشح دونالد ترمب 2016