د. محمود عباس
من جملة من انتقدوا نادية مراد، شريحة السياسيين والمثقفين العراقيين، الذين ظهروا فجأة على الساحة، يحملون راية الافتخار بها وبشجاعتها وحكمتها. والبعض بدء يمجدها كمواطنة عراقية، مثلت ليس فقط الإيزيديين في مجلس الأمن بل العراقيين كلهم، لينتقدوها بل يهاجموها من خلف هذا الافتخار الوطني المليء بالنفاق، لأن زيارتها تطعن في عمقهم التكفيري العروبي، وتكشف عن عوراتهم، فهؤلاء مثل غيرهم لم يسمع لهم يوما قبل الأن صوتا في أي محفل إقليمي أو دولي ولا حتى في الإعلام، يجرمون فيها بشائع داعش.
والأغرب أن البعض الأخر تلاعب بالتحليلات، فوجدوها خاطئة، ليس من باب العروبة والإسلام، بل على أن إسرائيل دعمت داعش، وعليه حكموا عليها بأنها وقعت في زلة لدبلوماسية إسرائيل الخبيثة، متناسين أن جامعة الأزهر، الساكتة عن الحق! أخبث إسلاميا من إسرائيل، وأقرب منها إلى داعش، ودبلوماسية هذا المرجع الإسلامي المنافق دفعتها إلى أن تكون من أوائل الذين قدموا لها الدعوة، مع ذلك استجابت، وحينها نبهناها إلى المتوقع من خلفية الدعوة، وما يجب ذكره. وهنا لا بد من تنبيه الجانب الإيزيدي المتذبذب ولربما المتخوف من نسبة المسلمين، متناسين حقيقتين أنه بانتقاد نادية مراد يظهرون تأثير منطق الإمة والموالي وفرض التبعية على الإيزيديين، في عصر الحريات، والثانية أنه من بين مليار ونصف مسلم توجد 72 فرقة ضالة مارقة تكفيرية من أصل 73 حسب حديث عن الرسول، وفرقة وحيدة ناجية وهي المسلمة الصحيحة، وهذه وبالتأكيد لا تتدخل في قضايا الإسلام السياسي، وبالتالي في قضية زيارة نادية مراد. مثلما لم تتدخل نادية مراد ولا الكرد الإيزيديين أو غيرهم في زيارات قادة الأحزاب الفلسطينية للسلطات الدكتاتورية التي سكتت على جونسايد الإيزيديين والمسيحيين، أو التي دعمت ولا تزال تدعم داعش بكل الأشكال، تركيا وقطر مثالاً، ولم يتهمهم أي سياسي أو مثقف كردي إيزيدي أو غير إيزيدي ولم يطالبهم بالاعتذار للكرد، رغم أن أفعال قادة حماس على سبيل المثال وتصريحات البعض منهم خيانة بحق الشعوب المطالبة بالحرية، عامة والإيزيديين خاصة، فتلك لا تزال حتى اليوم تدعم الداعشيين بطريقة أو أخرى.
وبالمناسبة، وعلى خلفية الجرائم، نسأل، ما أوجه الفرق بين إسرائيل والأزهر أو الدول العربية الإسلامية؟! وما هي خلفيات هذه الكراهية لإسرائيل؟ التي روجتها الأنظمة العربية الفاسدة وعلى مدى عقود، ونافقت على شعوبها لديمومة عروشها، وغرستها بأضحل المفاهيم في ذهن الحركة الثقافية العروبية، لتروج لوطنية مبتذلة، وعلى هذا المنطق الساذج وهذا الموروث الموبوء أصبح السياسيون والأقلام الرخيصة يتاجرون في أسواق الشعب العربي بزيارة خوشكا نادية مراد، يستخدمونها كبضاعة سهلة التداول لإبراز الذات.
جميعهم يدركون أن إسرائيل أكثر ديمقراطية من الدول العربية ومن الحركات الفلسطينية ذاتها وبالشكل المطلق، وأفضلهم تعاملا مع مواطنيها، اليهود والعرب. وهنا نسأل من الأحق بأن تقاطعهم سفيرة هيئة الأمم؟ الأزهر الغارق في فتاوي التكفير والتبريرات للإرهابيين وتحليل دماء المفكرين، أم عواصم أنظمة العهر والجرائم، أم الكنيست رغم اغتصابها لحقوق الشعب الفلسطيني، تحقق وبعمق في أبسط جريمة بحق طفل أو امرأة فلسطينية، نقول هذا ليس تمجيدا بإسرائيل بل لكشف عورات المطبلين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية، بدءً من الأقلام الرخيصة، إلى السطات الاستبدادية الشمولية التي تلذذت بالمجازر التي حصلت لأصحاب أقدم الديانات في المنطقة!
وبشكل عام فإن تركيز المنافقين على هذه الزيارة يحتمل أن تكون من جملة مخططات الطعن في المكتسبات التي حصلت عليها نادية مراد لمجتمعها الإيزيدي، وهنا نأمل من جميع الإخوة الإيزيديين الانتباه إلى هذا النوع من النفاق والعوانة.
فمعظم الأقلام المنتقدة، يتناسون أن الدول العربية الإسلامية التكفيرية تعتبر من أغزر المنابع الداعمة لداعش وأخواتها الإسلاميات، ولم تعد هذه الحقيقة مخفية عن العالم، فقد أصبحت أكثر من معروفة لجميع المحللين السياسيين ووكالات الإعلام، والمخابرات العالمية، مع ذلك نادية مراد لم تتخلف عن تلبية دعواتهم جميعاً، بدءً من الأزهر كما ذكرنا، إلى ملوك وبرلمانات الدول العربية، ولم ترفض لأن الدولة أو السلطة الفلانية دعمت أو تدعم داعش فكريا أو تمويلا، ذهبت إليهم وواجهتهم وبشجاعة، أملة بالحصول على مساعدة ولو إعلامية لقضيتها، أو تقليص الدعم عن المنظمة الإرهابية، أو تغيير القليل من مواقفهم، وطلبت وبصريح العبارات من المتهم إلى المؤكد في الدعم، وبجرأتها المعروفة لكل البشرية، بدعم قضيتها وتجريم الإرهاب الداعشي. ولبت الدعوة لأنها تدرك أن القضية الفلسطينية سياسية، تخص الدول والحكومات المتاجرة بها، وهو أمر لا تخصها وقضيتها، ورفضها أو قبولها لن تبدل شيئاً من صراعهم، لا إلى الأحسن ولا إلى الأسوأ.
فلذلك وحتى لو كانت إسرائيل تدعم داعش، يحق لها، وبناءً على جميع القوانين الإلهية والبشرية، أن تذهب إلى برلمانهم وتواجههم وتعرض قضيتها وتجرم داعش أمامهم علها تقنعهم بإيقاف الدعم! فيما إذا كانت تهمة دعمهم لداعش صحيحة أصلا!
والسؤال: لماذا يجب ألا تقوم بالزيارة؟! وهل الدبلوماسية الدولية حق للعرب التكفيريين فقط؟ أم للذين فتحوا قنوات سرية مع إسرائيل؟ أم لسلطات وقادة العواصم العربية التي تستقبل سفراء إسرائيل وبابتسامة؟ وماذا عن المسلمين والعروبيين الذين يزورون تل أبيب سرا، ويكذبونها جهاراً؟ ولماذا لا يحق لنادية مراد أن تعرض معاناتها ومآسي مجتمعها على المجتمع اليهودي؟ مثلما عرضتها على علماء الأزهر وإن سمح لها فستعرضها في الحرمين الشريفين وفي قم وفي القدس، وفي كل العواصم العربية والعالمية، أليست هي من أحضان الشعب الذي تآذى ويتآذى من العروبيين الإسلاميين التكفيريين على قدر ما يتآذى منهم اليهود، أليست قضيتهما متشابهة بمجازرها؟ فلماذا يحق لها زيارة أماكن وتمنع عنها أماكن أخرى حسب أهواء الأخرين! يجب على المعترضين أن يجادلوا خطوتها من منطق الفتاة الإيزيدية السبية، والطفل الذي فرض عليه الإسلام كرها، وشعور العائلات اللواتي ضاعت أهاليهم في المجازر الجماعية!
نأمل ألا ينافق العروبيون والإسلاميون التكفيريون ويبيعوننا الوطنيات حول القضية الفلسطينية هنا، فهي مسألة تخص السلطات العربية وإسرائيل، وعلى رأسها السلطتين الفلسطينية في رام الله وغزة، المتهمة قبل إسرائيل، حول ما يعانيه الشعب الفلسطيني، بل وبدون نفاق، السلطات الإسرائيلية أكثر رأفة بالشعب الفلسطيني من الحكومات العراقية وسلطة البعث والأسد وملوك العرب، فما قتله الأسد في تل زعتر ومخيم اليرموك و الملوك العرب في أماكن أخرى من الفلسطينيين تعادل أضعاف ما قتله اليهود منهم منذ قيامها وحتى الأن، فكفى متاجرة بمصير الشعب الفلسطيني. ولا نظن أن هؤلاء لا يعلمون أن القضية الإيزيدية في عمقها التاريخي أعمق بمآسيها ومعاناتها من قضية الشعب الفلسطيني وبكثير، فعلى الأقل النساء الفلسطينيات لم تسبى ولم تباع في أسواق النخاسة أمام سكوت المجتمع والسلطات العربية والإسلامية!
فليعلم الجميع بأن مثل هذه الزيارات لا تحتاج إلى الخبرة والنفاق السياسي، بل تحتاج إلى الجرأة والإحساس بالمسؤولية، فسفيرة الأمم المتحدة نادية مراد تحمل إحدى أكبر القضايا الدينية والإنسانية على كتفها، فمن المعيب أن تتهم بالمنطق الدبلوماسي والعلاقات السياسية، وبما أنها أصبحت من الرموز الأكثر سطوعا للمجتمع الإيزيدي في العالم، فلا يحق لأي شخص حجب تنويرها لقضيتها على العالم، وكل من ينتقدها عن خبث، جريمة لا تقل عن جريمة داعش، فإن كان نقدهم عن جهالة فنأمل أن يراجعوا ذاتهم، ويحللوا خلفيات الزيارة من خلال آلام الإيزيديين ومعاناة نادية مراد ذاتها وغيرها من أخواتها اللواتي لا زلن سبايا بيد داعش أو أمثالهم من المسلمين التكفيريين، فلا نظن أن الذين باعوهن واشتروهن من مجتمع خارج المجتمع العربي ولا من ديانة غير الديانة الإسلامية، فالسابي والبائع والشاري جميعهم من ضمن الجغرافية العربية والإسلامية، وليست الإسرائيلية أو اليهودية، ولا نظن بأنه هناك سبية إيزيدية أو طفل إيزيدي مشترى في تل أبيب أو القدس.
فإذا كانت إسرائيل محرمة على التكفيريين وبعض السياسيين العرب، فالإيزيديين ليسوا بعرب، ولا هم بمسلمين، بل أن المسلمين بشكل أو آخر، تحت غطاء أو آخر وعلى مدى 14 قرنا عملوا فيهم كل أنواع المجازر، في الوقت الذي لم يقتل فيه إسرائيل إيزيديا واحدا، بل قدمت وتقدم لهم العديد من أنواع المساعدات، والزيارة والتحدث في قضيتها أمام كنيستهم واحدة من هذه المساعدات، فبلوبيهم العالمي يؤمل أن تنتشر قضية السبايا في العالم، وعن الجريمة التي لا تزال شريحة من المسلمين التكفيريين يؤيدونها، أو لا يعترضون عليها. فهناك لا تزال فرق أخرى مسلمة ضالة تدعم الإرهابيين، بل وإن تمكنوا لأبادوا المجتمع الإيزيدي برمته. فمن هم الأحق لنادية مراد بزيارتهم؟ الجامعة العربية عواصم المنافقين من السلطات العروبية التكفيرية، والتي لم تقدم حتى اليوم أية خدمة ملموسة لقضية نادية؟ أم الكنيست والتي قدمت الكثير مقارنة بالمذكورين ومعهم المنظمات الإسلامية السياسية العالمية؟
نعم، لا تحتاج نادية مراد إلى أية تبريرات أو توضيح، حول زيارتها، فلا الدول العربية ولا جامعتها بمحكمة، فهما خاليتان من القيم الإنسانية، ولا يملكان صفة من صفات المحاكم الحضارية، ولا السياسيين العروبيين التكفيريين والإسلاميين الإرهابيين بقضاة، ليطلبوا منها توضيحات حول زيارتها لإسرائيل، والأولى بهم أن يقيموا ذاتهم ومواقفهم، ويحكموا على أنفسهم لجرائمهم التي يندى لها جبين الإنسانية، وتدفع بالبشرية على كره أسم العرب والإسلام. فلقد أصبحت داعش معروفة للعربي قبل الأخرين بأنها عربية القومية وإسلامية الدين، رغم كل التأويلات والتدخلات الخارجية والأيادي التي تسخرها لمآربها، ولا يستبعد على خلفية أفعالها وأعمال المنظمات التكفيرية الإرهابية الإسلامية المشابهة لها، أن تتراجع هيمنة الشعب العربي ويعود بالقهقري، في القادم من الزمن، إلى مرابعه الأولى، ويتجمع في أعماق شبه الجزيرة العربية، وينكمش المد الإسلامي، ولربما ستبقى فقط تلك الفرقة الناجية الوحيدة بين المسلمين.
فنادية مراد سفيرة الأمم المتحدة لم تخطأ ونبارك لها نشاطاتها العالمية.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
29/7/2017l