هوشنك أوسي
القيادي كوسرت رسول علي كان شرسا أثناء القتال ضد النظام العراقي السابق، حاول تحييد مدينته خلال الاقتتال الكردي- الكردي وقدم دعمه الكامل للاستقلال كردستان.
العرب
كوسرت رسول علي منقذ أربيل من الاقتتال الكردي وداعم عنيد لاستقلال كردستان
قضى ما يزيد عن 48 سنة في السياسة والنضال التحرري الكردي، 33 سنة منها في العمل العسكري. يثير حوله أنصاره ومحبوه الكثير من القصص والأحاديث على أنه شخص مرح وبسيط ومتواضع يولي اهتماماً كبيراً للمسائل الاجتماعية، وأنه لا يجيد التنظير، قياساً بالقيادات الكرديّة الأخرى.
فوق ذلك يقولون عنه إنه كان شرساً أثناء القتال ضد النظام العراقي السابق، لكنه حاول تحييد مدينته هولير/أربيل، عاصمة إقليم كردستان، في فترة الاقتتال الكردي-الكردي التي استمرّت قرابة أربعة أعوام (1994-1998)، لدرجة أن العديد من قيادات حزبه ألمحوا إلى محاباته أو تأييده غير المباشر للحزب الخصم؛ “الديمقراطي الكردستاني”، بزعامة مسعود البارزاني. أشيع عنه أيضاً أنه كان وراء اكتشاف مخبأ رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين واعتقاله.
انشق عن الحزب ثم عاد، ثم انشق وعاد مرة أخرى نتيجة الخلافات بينه وبين قيادة الحزب بخصوص مكافحة الفساد والإصلاح. كان جلال الطالباني يحسب له ألف حساب حتى أكثر من نيشروان مصطفى وبرهم صالح وكل القيادات الأخرى للحزب . وقد استطاع الطالباني إعادته للحزب عبر تقديم بعض الحوافز والامتيازات.
نقلت عنه وسائل الإعلام الكردية مؤخّراً أنه تعرّض للإهانة من إيران لأسباب بسيطة و”وجيهة”؛ دعمه الكامل والمطلق للاستفتاء واستقلال كردستان عن العراق، من جهة، وتحذيره من الحشد الشعبي المدعوم من إيران، من جهة ثانية، ومعارضته لتيّار ملا بختيار وهيرو إبراهيم أحمد عقيلة زعيم “الاتحاد الوطني الكردستاني”، مام جلال الطالباني من جهة ثالثة. هذا التيّار، الذي يميل أكثر لإيران ومنحاز للسياسات الإيرانيّة في العراق والمنطقة، بالضدّ من هذا القيادي الكردي.
كثيراً ما كان الطالباني يصرّح بأن دولة كردستان هي حلم. لكن هذا القيادي، كان وما زال يقول “إنه يجب تحقيق ذلك”. إنه كوسرت رسول علي النائب الأوّل لزعيم حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” ونائب القائد العام لقوات البيشمركة الكرديّة.
الثورة بلا نهاية
ولد رسول سنة 1952 في قرية “شيواشوك” الكبيرة على تخوم قضاء كويسنجق التابع لمحافظة هولير عاصمة إقليم كردستان العراق. رسول من أسرة كردية فقيرة ومناضلة، بخلاف أغلبية القيادات الكرديّة العراقيّة التي تنحدر من عوائل وعشائر معروفة. لذا، كان هو عصاميّاً في بناء نفسه. بدأ نشاطه السياسي في فترة الشباب ومراحل الدراسة، وانخرط في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني، وشارك في المعارك التي اندلعت سنة 1974. وبعد نكسة 1975 والتوقيع على اتفاقية الجزائر بين النظام العراقي والإيراني، وإعلان الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني نهاية الثورة بقي كوسرت رسول مقاتلاً.
انتسب في نهاية العام 1975 إلى “عصبة كادحي كردستان” التي كانت إحدى الأحزاب أو الأجنحة التي شكّلت الاتحاد الوطني الكردستاني سنة 1975. وأصبح فيها مشرفاً على تنظيمات ونشاطات الطلبة. وقتذاك كان عمره 23 سنة. في العام التالي أصبح أحد المؤسسين لجمعية طلبة كردستان في مدينة كركوك. ونتيجة لنشاطه، اعتقله النظام العراقي وسجنه، وتعرّض لتعذيب شديد، وكان أحد الصامدين الخمسة الذين لم يعترفوا على رفاقهم.
بعد خروجه من السجن أصبح عضواً في قيادة التنظيمات الداخليّة لـ”عصبة كادحي كردستان” سنة 1981 وكان مسؤولاً عن التنظيمات السريّة داخل أربيل والتي نفّذت نشاطات سياسيّة كبيرة وواسعة في المدينة. وفي المؤتمر الثالث لـ”عصبة كادحي كردستان” أنتخب عضواً في القيادة، وبعدها أصبح عضواً في قيادة “الاتحاد الوطني الكردستاني”.
كان محاسباً مالياً في مؤسسة التسويق الزراعي الحكوميّة في أربيل، حيث وضع يديه على كميّة كبيرة من الأموال تقدّر بـ180000 دينار، (تعادل حالياً 10 مليون دولار تقريباً، نتيجة قوّة الدينار العراقي وقتذاك) وكانت رواتب الموظفين، وهرب بها إلى جبال كردستان وقدّمها للحزب. تلك الأموال كانت شريان الحياة الذي أنقذ “الاتحاد الوطني” حينئذ. إثر ذلك أصبح مسؤول المركز الرابع لـ”الاتحاد الوطني”، وبعدها وأثناء المعارك مع النظام العراقي، أصيب بجرح بليغ.
رسول يحرق جواز سفره البريطاني
اعتقل النظام العراقي السابق رسول، وتعرض لتعذيب شديد
في الثمانينات من القرن العشرين، وحين اشتدت المعارك بين المقاتلين الكرد والنظام العراقي، لاذ رسول ومقاتوه بالجبال، وساد بين المقاتلين نوع من التململ والقلق مفاده أن القيادات تحمل جوازات سفر أجنبيّة، وأنه إذا ضاق بهم الحال أكثر، سيهربون إلى بلدان اللجوء ويتركون المقاتلين ينهشهم البرد والبارود. فما كان منه إلاّ أن أخرج جواز سفره البريطاني وألقى به في النار التي يتدفأ بها المقاتلون تأكيداً منه على أنه سيبقى معهم حتى النهاية.
في مطلع 1991، حين تم التخطيط للانتفاضة الكرديّة من قبل الجبهة الكردستانية (ائتلاف الأحزاب الكردية وقتذاك)، وباعتبار رسول عضوا في المكتب السياسي لـ”الاتحاد الوطني” أنيطت به مهمة الإشراف على عملية تحرير العاصمة أربيل، فحرّرها، بل وحرّر أجزاء كبيرة من كركوك أيضا. وعلى خلفيّة تشكيل منطقة الملاذ الآمن بموجب قرار مجلس الأمن 688 المتخذ في الـ5 من أبريل 1991، والذي قضى بتشكيل منطقة آمنة شمال خط العرض 36، بهدف إعادة اللاجئين الكرد الهاربين من قمع النظام العراقي إلى تركيا وإيران أعلن الطرف الكردي الفيدراليّة من جانب واحد سنة 1992 وأصبح رسول عضواً في برلمان الإقليم.
تولّى منصب رئاسة وزراء حكومة الإقليم واستمرّ في منصبه حتى 1996، حيث اندلعت الحرب الأهلية بين الحزبين الكرديين الرئيسين؛ “الاتحاد” و”الديمقراطي”، فاستعان الثاني بقوات النظام العراقي في نهاية أغسطس 1996 لإخراج “الاتحاد” من أربيل والسليمانيّة، وهربت قيادة “الاتحاد” إلى إيران، ووقعت عقيلة الطالباني هيرو إبراهيم أحمد وفؤاد معصوم (الرئيس العراقي حالياً) وقيادات أخرى في الأسر.
وقتذاك نشب خصام بين الطالباني ورسول على أنه لم يستطيع حماية أربيل وحماية زوجته من الأسر، وحدثت قطيعة بين الطرفين دامت عدة أشهر. وحين شعر رسول بالإهانة وأوشك الخلاف على أن يتحوّل إلى انشقاق قام الطالباني بترضيته وتسليمه رئاسة وزراء الحكومة المحليّة في محافظة السليمانيّة لغاية 2001. طبعاً، بعد أن نجح الطالباني في استعادة معقله في السليمانيّة بدعم ومساندة من الجيش الإيراني. وفي 2001 أيضاً كنوع من الترضية كلّف الطالباني رسول بمسؤوليّة رئاسة الهيئة العاملة للمكتب السياسي في “الاتحاد الوطني”.
وبعد إسقاط النظام العراقي السابق وتوحيد الإدارتين الكرديتين رُشَّح لمنصب نائب رئيس إقليم كردستان، وفي الوقت نفسه شغل منصب نائب السكرتير العام لـ”الاتحاد الوطني”. يتقن رسول الكرديّة والعربيّة والفارسيّة وله ستة أولاد وابنة واحد. لقي ثلاثة من أبنائه مصرعهم في الحرب، ونجا نجله ريباز من محاولة اغتيال.
حضور ووزن مقلقان
رسول يؤيد استقلال إقليم كردستان
كما سبق وذكرنا فإن الطالباني زعيم الحزب كان يحسب لرسول ألف حساب أكثر من كل القيادات الأخرى بسبب الشعبيّة التي يحظى بها ونتيجة ماضيه النضالي والقتالي الذي تجاوز نضال الطالباني نفسه. فكان الأخير يستميله دائماً عبر تقديم الحوافز والامتيازات وتقديم التطمينات.
ولكن الطالباني الآن مريض وغائب تماماً عن قيادة الحزب وعقيلته ممسكة بخناق القرار المالي والسياسي والإداري للحزب وتتولّى منصب السكرتير. وهي في ذلك تصادر مهام النائب الأوّل كوسرت رسول علي، والنائب الثاني للطالباني برهم صالح في قيادة وإدارة شؤون الحزب أثناء غياب الزعيم. ويوماً إثر آخر يتفاقم الخلاف بين جناح نائبي الطالباني كوسرت وبرهم، وجناح عقيلته هيروـ ملا بختيار. ليبقى الحزب مهددا دوماً بالانشقاق في أيّ لحظة.
صحيح أن سنوات غياب الطالباني، نتيجة مرضه، عززت موقف هيرو، وجعل الأخيرة تخفف من قوة وسلطة وتأثير رسول داخل الحزب بخاصة ضمن الجناح العسكري والقوات الأمنية، إلاّ أنها لم تنجح حتى الآن في إبطال مفاعيل دوره ووزنه داخل الحزب بشكل مطلق.
مشاركة رسول ومتابعته للعمليات الحربيّة ضد تنظيم داعش في مناطق الموصل وسنجار، عززت علاقاته مع الجانب الأميركي، ما زاد من مخاوف التيّار المنافس له. وفي ديسمبر 2016 تم تكريمه ومنحه إقليم توسكانا الإيطالي جائزة “بيكاسو الذهبيّة” السنويّة، ممثلا لقوات البيشمركة الكرديّة العراقيّة على دوره في سير المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وفي مقابلة مع صحيفة “كوريري ديلا سيرا” الايطاليّة ذكر رسول أنه “من الضروري إيجاد اتفاق جديد على إعادة تقسيم الشرق الأوسط، حتى تتمكن كل الشعوب، خاصة الشعب الكردستاني من العيش بحرية واستقلال. ولا يمكن أن تستمر كردستان على هذا المنوال مقسّمة إلى أربعة أجزاء”. مؤكداً أن استقلال كردستان وتأسيس الدولة الكرديّة بالنسبة إليه ليسا حلماً بل حقيقة”. مضيفاً أنه يريدها دولة على شاكلة الدول الغربية لأنه “لا توجد ديمقراطية في الدول العربية”.
خلافات بنيوية
نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن رسول تصريحات اعترف فيها بالخلاف العميق في حزبه “الاتحاد الوطني”. وأن هيرو إبراهيم أحمد “تعتبر نفسها قائدة الاتحاد كونها زوجة مام جلال، وهو ما يزال حياً، ونحن نحترمه ونحترم تاريخه ونعتبره رمزاً للاتحاد، وعندما يتماثل للشفاء سيقود الحزب. لكن عائلته استغلت عدم وجوده وورثت القيادة، فهيرو تتحكم اليوم بالمسائل المالية بينما يضطلع المكتب السياسي بالمواضيع السياسية”. وأضاف رسول “نحن مصرون أن الاتحاد ليس عائلياً وإنما لجميع أعضائه”.
مشاركة رسول ومتابعته للعمليات الحربية ضد تنظيم داعش في مناطق الموصل وسنجار عززت علاقاته مع الجانب الأميركي والأوروبي.
وتعليقا على أن “الاتحاد” كان دائماً ينتقد “الديمقراطي الكردستاني”، باعتباره حزبا عشائرياً قال رسول “اليوم تحوّل الاتحاد إلى حزب عائلي. وهذا غير مقبول من قبلنا”. فردّت عليه هيرو إبراهيم أحمد الاتهام بالاتهام وقالت “من بيوتهم من زجاج ينبغي ألاّ يرموا الناس بالحجارة”.
في الاجتماع الأخير للمكتب السياسي لحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، وتعبيراً عن غضبه، صرّح رسول محذراً جميع الحاضرين من مغبّة عرقلة الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق المزمع إجراؤه في الـ25 من سبتمبر القادم حيث قال “من سيصوّت بالرفض في الاستفتاء سأقوم باعتقاله وسجنه”.
ويأخذ قادة الجناح الآخر المعارض له وللاستفتاء انحيازه لزعيم إقليم كردستان العراق وأن نتيجة استقلال الإقليم وتشكيل الدولة الكردية سيكون على حساب تراجع امتيازاتهم وسلطاتهم ودور حزبهم “الاتحاد الوطني” في المعادلة الكردية العراقيّة، وأن تحقيق الدولة سيسجّل للبارزاني وحزبه على حساب تهميش حزب الطالباني. فرد رسول على ذلك بالقول “سأدعم كل من يدعم مشروع الدولة واستقلال كردستان حتى ولو كان ذلك ليس مسعود البارزاني، بل بهرام شيمة هارون رئيس عشيرة هارون”.
وهذا الأخير كان يرأس ميليشيات مرتزقة قاتلت الحركة الكرديّة وقاتلت رسول نفسه إلى جانب الجيش العراقي قديماً. وبذلك يؤكد رسول تأييده لخيار الاستقلال وسيبقى يدعم مشروع البارزاني، بالضد من رغبة وقرار الجناح المنافس المسيطر على “الاتحاد الوطني”. ومع ذلك بقي رسول يدعو دائماً إلى وحدة الصف الكردي على اعتبار أن ذلك هو الضامن الوحيد في مواجهة التحديات الآتية من إيران وأذرعها في العراق. بالإضافة إلى أن وحدة الصف الكردي أساس المضي في خيار الاستقلال.
غالب الظن أن وجود كوسرت رسول وبرهم صالح ضمن “الاتحاد الوطني الكردستاني” أفضل بكثير من انشقاقهم عنه. ذلك أن وفاة الطالباني ستجبر الحزب وقيادته على الانصياع لصلاحيات نائبي الرئيس. ولا يمكن إلغاء هذه الصفة والمنصب عن هذين القياديين النائبين إلاّ في المؤتمر. والمؤتمر لا يتمّ انعقاده خشية من حدوث الانشقاق المدوّي. وبالتالي، الدور الذي يلعبه رسول وبرهم صالح دعماً لمشروع الاستقلال الذي يتبناه رئيس الإقليم هو أفضل بكثير في حال انشقّا عن حزبهما، وتركا “الجمل بما حمل” لجناح هيرو إبراهيم أحمدـملا بخيتار. وبالتالي لا توجد تلك الحماسة لدى “الديمقراطي الكردستاني” في إحداث انشقاق ضمن “الاتحاد” بقدر وجود حماسة لدى “الاتحاد” بالتضييق على “الديمقراطي الكردستاني” وعرقلة مشروعه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو عبر التهديد بعصا “العمال الكردستاني” التركي.
صحيفة العرب اللندنية