ماجد ع محمد
((Kî rindiyê dixwazê têxim dîdinê alî xwe))
مَن يريد الخير والصلاح يضع حجر التُخُم على أرضه
كان من عادة أحد الوجهاء في منطقتنا عند دعوته للصُلح وفض الخلاف في أية قضية اجتماعية، أن يحمل معه مبلغاً لا بأس به من المال في كل مشكلة يدعو إليها كطرفٍ محايد، وقد سأله أهل بيته يوماً قائلين له: إن من عادة المدعو إلى حل المنازعات أن يجوِّع نفسه ويحضّر بدنه ليوم الوليمة حتى يأكل حصة يومه وحصص الأيام الماضية التي خلت من الشحوم والدهون، بينما أنت فبعكس الناس تأكل في البيت قبل ذهابك إلى الوليمة، وفوقها تحمل النقود معك بجيبك بدلاً من أخذها منهم؟
فرد الوجيه أن بخصوص أكلي في البيت قبل التوجه إلى مكان الدعوة فهو لكي لا أطيل على المائدة فيقال عني، بأنه لا يفضل حل مشكلة إن خلت من الولائم، وحتى لا يقال عني بأنه كحفار القبور لا يفرح إلا عند سماعه بموت أحدهم، وأن الوجيه تنفرج أساريره عند سماع المشكلات حتى يتلذذ بأطعمة موائد المصالحات، وأما المال الذي أحمله فهو لقناعتي بأن من يتصدى لهكذا عمل إنساني يتوجب عليه أن يحسب حساب الخسارة دائماً، لأن الداعي للصلح إذا ما اضطر الموقف إلى الحل بالنقود فعليه أن يبادر بالدفع سواءً أعيدَ له المبلغ المدفوع من قِبله فيما بعد أم لا، وأعرف بأن المتنازعين ولو من باب النكاية قد يمتنع أي طرف منهم عن دفع المال المترتب عليه لفض النزاع، عندها ولكي أحسم الموضوع، وألقم الطرفين بالحجة التي لا يقدرون الفكاك منها، أقوم بسحب المبلغ من جيبي وأعطيه للطرف الذي قضينا له، أي من كان الحكم لصالحه، عندها يلتزم الطرفان الصمت، أحدهم خجلاً من دفعي للمبلغ عنه، والآخر خجلاً من أخذه المبلغ من رجلٍ لم يكن طرفاً بالنزاع أصلاً ولكنه مستعدٌ للخسارة لقاء فعل الخير والمصالحة، وهكذا فلربما أكون قد خسرت في المبادرة بعض المال، ولكني أكون حينها قد ساهمت في نزع فتيل الاقتتال.
ولعل منطلق الحرص على المصلحة العامة لشعب اقليم كردستان هو كان الدافع الرئيس والأبرز لأن يقدم الديمقراطي وعلى مر السنوات الماضية التنازلات للأحزاب الأخرى، إذ سبق للحزب الديمقراطي الكردستاني في 2014 أن تنازل عن وزارتين للاتحاد الوطني الكردستاني، واوضح حينها مسؤول تنظيمات أربيل للحزب الديمقراطي علي حسين أحمد في تصريح لوكالة كل العراق أن “الانتخابات المحلية التي جرت في الاقليم أفرزت استحقاق الحزب الديمقراطي (البارتي) لسبع حقائب وزارية وحركة التغيير (كوران) ثلاث حقائب وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي) نفس العدد، ولكن الحزب الديمقراطي الكردستاني وايمانا منه بضرورة المشاركة بين الحزبين الرئيسيين في إدارة الاقليم أعطى من حصته حقيبتين وزاريتين للاتحاد الكردستاني”، كما أنه وفي انتخابات 1991 بين البارتي والاتحاد الوطني يذكر المتابعون كيف تنازل البارتي عن حصته وقبِلَ بالشراكة مع الاتحاد الوطني ففتي ففتي ليحسم الخلاف حينها ويجعل عربة الإقليم تنطلق بأمان، واليوم في هذا المفصل التاريخي أيضاً يثبت الحزب الديمقراطي مرةً أخرى بأنه على استعدادٍ دائم لأن يتنازل لاخوانه من أجل المصلحة العامة، في مقابل تحدي كل الأعداء المتربصين بتجربة واستحقاقات شعب وحكومة اقليم كردستان، وهو بحق سلوك مناقض تماماً لممارسات الأحزاب الكردية الموالية للأنظمة الغاصبة لكردستان والتي تتنازل عادةً لكل الجهات الدولية باستثناء شعبها، بل وتمارس الطغيان على مواطنيها بدلاً من العدو، ولأن الديمقراطي لا يستبد برأيه ويقبل التنازل بصدرٍ رحب لاخوانه كشف نجيرفان البارزاني لوسائل الإعلام استعداد الحزب الديمقراطي الكردستاني لتفعيل برلمان كوردستان دون شروط، علماً أن الحزب كان ذا موقف حازم من تلك المسألة منذ شهور، إلا أن إصرار الحزب على المضي قدماً في إنجاح عملية الاستفتاء، دفعه لطرح المبادرات الجادة وتقديم التنازلات الفعلية من أجل الغاية الكبرى التي هي حقيقةً أهم من كل أحزاب الاقليم، حيث كان رئيس حكومة الإقليم قد أكد في التاسع عشر من الشهر الجاري أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني أبلغ حركة التغيير باستعداده لتفعيل البرلمان والتنازل عن شروطه السابقة كرمى الاستفتاء، معتبراً أن”الاستفتاء ملك لكل الشعب الكوردستاني ولا يخص جهة معينة لوحدها”، بل ولكي تنجح العملية بمشاركة أكبر وأهم أحزاب الاقليم وطعناً بمن يروجون بين الناس بأن الاستفتاء مجرد مشروع أو مزاودة حزبية، شدد رئيس الحكومة على “بذل كل المساعي من أجل نجاح الاستفتاء قائلاً بعدها ستسيرعملية جدية للتفاوض والحوار مع الجانب العراقي من أجل الوصول للهدف الأكبر وهو الاستقلال بشكل سلمي”، وبذلك يكون الديمقراطي من خلال تقديم التنازلات لأحد الأحزاب الرئيسية في الاقليم قد قطع الطريق على من يحاولون استغلال ذلك الحزب أو غيره ضد الاستفتاء، كما يكون قد ألقم الغوغائيين بالحجة التي تسكتهم إلى حين، باعتبار أن هناك من يعارض الديمقراطي لأسباب مزاجية قائمة على الأهواء الشخصية أو السخائم التي أودعها في جوفهم رجس الأنظمة المجاورة للاقليم.
ومع هذا التنازل الجديد للبارتي لأجل الصالح العام، فالكرة غدت في ملعب الطرف الآخر في رد المبادرة، وفي الختام نعيد ونؤكد بأن المنطق السليم يقول بأن من يعارض الشخص ليس بالضرورة أن يناصبه العداء، وأنه إن كان هناك كردي ما يعادي الحزب الديمقراطي أو يعادي شخص البارزاني لأسباب اقتصادية أو شخصية أو عائلية فليس من العقل السليم أن يعرقل خطواته أو يعادي مشروعه الذي هو مشروع شعب الإقليم برمته، أما بخصوص الحقودين ولا أقول المعارضين فيطيب لنا ههنا أن نستشهد بشيء من التراث الاسلامي، إذ يقول الإمام أبو حامد الغزالي “مِن المرضى الذين لا يصح علاجهم مَن كان سؤاله أو اعتراضه عن حسدٍ وبغض، فهذا كلما أجبته بأحسن الجواب وأفصحه فلا يزيده ذلك إلا بُغضاً وعداوةً وحسدا”، ولعل هذا هو حال من يختلقون أتفه الإشكاليات اليوم للطعن فقط بمن يسعى ويعمل ويفكر لغد شعب الإقليم ومستقبله.