هوشنك أوسي
في الإعلام التركي والدراما التركيّة التي تتناول أوضاع الكرد في تركيا، ثمة تقسيم وفرز سياسي، قيمي وأخلاقي، للكرد. فمن يقفون مع الدولة ويدعمون الحكومة الإسلاميّة وسلطانها رجب طيب أردوغان، هم الأكراد الأخيار الطيبون الوطنيون، وهم «الغالبيّة المطلقة»! بينما الأكراد الذين يطالبون الدولة بإقرار دستوري بوجود شعبٍ يزيد تعداده على 20 مليوناً في تركيا، والاعتراف بحقوقه السياسيّة والثقافيّة والإداريّة…، دستوريّاً، فهم الأكراد الأبالسة الإرهابيون والانفصاليون، وهم قلّة قليلة، وشرذمة حاقدة، تريد النيل من هيبة وكرامة الدولة. وعلى الأكراد الأخيار مواجهة الأكراد الأشرار كي يؤكدوا على وطنيّتهم.
هذا النسق في تقسيم الأكراد في تركيا من قبل الحكومات المتعاقبة، له جذوره التي تعود إلى بدايات انسلاخ تركيا عن السلطنة ودخولها نفق دولة العلمنة، إبان انقسام السلطة بين حكومة أنقرة بزعامة مصطفى كمال (أتاتورك) وحكومة إسطنبول بزعامة السلطان العثماني والصدر الأعظم. إذ حاول كل فريق استمالة الأكراد، عبر تقديم الوعود المعسولة، وقطع العهود بمنحهم حقوقهم، فور خروجه من أزمته. فظهر أكراد أتاتورك (أكراد اتفاقية لوزان)، بالضد من أكراد السلطان (أكراد اتفاقية سيفر). وكانت حكومة أنقرة تنظر إلى أكرادها على أنهم أخيارٌ وأبطالٌ وطنيون، وإلى أكراد الطرف الآخر على أنهم خونة وجواسيس، يستحقون استئصال أولئك الأكراد لهم!. والعكس صحيح، بالنسبة لحكومة إسطنبول. وبعدما أطاح أتاتورك حكومة إسطنبول، وثبّت أركان حكمه، التفت إلى الأكراد، بأخيارهم وأشرارهم، وسحقهم ونكّل بهم، ولم يتنكّر لوعوده وعهوده لهم وحسب، بل أنكر وجود هذا الشعب الذي عاونه في تأسيس دولته وحكمه!.
واليوم وامتداداً لذاك التقليد فإن حزب «العمال الكردستاني»، أصابته «عدوى» مرض فرز الأكراد وفق مقاييسه، وصار له أكراده الأخيار والأشاوس، الذين من حقهم وواجبهم مواجهة الأكراد الأشرار ومحقهم. وحين يتحدّث الحزب اليوم عن قضيّة الشعب الكردي، لا ينسى أن يشير إلى أنه يمثّل شعباً تعداده يزيد على 40 مليوناً. لكن «الكردستاني» يعتبر المنشقين عنه (منذ انطلاقته في 1978)، خونة وعملاء، وهم بعشرات الآلاف. ويعتبر الأكراد المؤيدين لحزب «العدالة والتنمية» والأحزاب التركيّة الأخرى، خونة وعملاء، وهم بالملايين. ويعتبر المؤيدين للحزب «الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني من كرد العراق وسورية، خونة وعملاء لأردوغان، وهم أيضاً بالملايين. ويعتبر المؤيدين لـ «المجلس الوطني الكردي في سورية» خونة وعملاء أردوغان، ولـ «داعش» والتنظيمات الإرهابيّة، لمجرّد أن «المجلس الوطني» جزء من «الائتلاف» السوري المعارض لنظام الأسد!. وهؤلاء أيضاً عشرات الآلاف. وكذلك يعتبر كل كاتب يتوجّه بالنقد له ولفرعه السوري (الاتحاد الديموقراطي) خائناً، يبيع نفسه ومقالاته، إلى آخر هذه الأسطوانة. وطبقاً لحسابات «الكردستاني» في إحصاء أعداد الخونة والعملاء، سيظهر لدينا أن 70 في المئة من الكرد خونة وعملاء وأردوغانيون، وأن الـ30 في المئة المؤيدين للنهج الأوجلاني هم الكرد الوطنيون النبلاء!.
لا يستطيع «الكردستاني» وأنصاره إدراك أن توجيه النقد لنظام أردوغان أو للمعارضة السوريّة، لا يعني مطلقاً التودد والتزلّف له، والسكوت على سياساته وانتهاكاته بحق الكرد المعارضين له. وأن النقد الموجّه له ولفرعه السوري، لا يعني جنوحاً نحو أردوغان وتأييداً لجرائمه بحق كرد تركيا. ولا يستطيعون إدراك أن القضيّة الكرديّة في تركيا أكبر من «العمال الكردستاني» وزعيمه.
الحال أن النظام السوري أيضاً يتعامل مع الكرد بنفس المقاييس والمعايير التركيّة في فرز الأكراد. فأكراده هم خيرة الأكراد الوطنيين، ويقصد بهم، تلميحاً أو تصريحاً، «حزب الاتحاد الديموقراطي» وعمر أوسي، وعمار بكداش وقدري جميل…الخ… بينما أكراد «الائتلاف» أو الذين شاركوا في الثورة فهم الخونة المارقون. كذلك «الائتلاف» المعارض، ينظر إلى أكراده على أنهم خيرة الوطنيين الثوريين الأبطال، بينما الأكراد الآخرون، ويقصد «الاتحاد الديموقراطي» عم الخونة والعملاء الخ… وهذا في حين أن النظام والمعارضة يمكن أن يصلا إلى تفاهمات مشتركة ضد الكرد، بينما هؤلاء مستمرّون في صراعهم العبثي الأعمى.
يبقى القول: إن هنالك صنفاً من الأكراد، ينتقدون النظام التركي و «الكردستاني» على حد سواء، وينتقدون المعارضة السورية والنظام السوري، وهؤلاء هم الأكثر ضرراً والأشدُّ خطراً على استمرار انقسام الأكراد وبقائهم في خنادق الآخرين.
* كاتب كردي سوري
————–
صحيفة الحياة